وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعذيب في السودان الصحافة والصحفيين في العذاب المقيم
نشر في حريات يوم 31 - 01 - 2017

في مسيرة الحياة احيانا تفرض عليك خٌطىً تمشيها، وفي كل الحالات كانت المعركة مع الصحافة والصحافيين الذين قادوا معركتهم بجهد صادق ونفس طويل لم يهزمهم طول الزمن ولا قلة الاسلحة ولا عتاد السلطة واعتداءتها بتجاوز الاعراف والقوانين. وما يزال اهل الصحافة يخوضون المعارك بلا كلل، ولم تهزمهم السلطة يوماً بل ظلت عاجزة أمامهم تسود صحائفها وسمعتها بالسيئات كتابا محفوظ للأجيال القادمة وعبر كاملة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
كثيرون بالوسط الصحفي من تأذوا من أنماط التعذيب الذي شمل كل شئ بإمكان السلطة فعله تجاههم. وكل تجربة تمثل قطرة في محيط وكلها محطات صمود جديرة بالدراسة في مسيرة الصحافة السودانية في عهد الانقاذ المتطاول. بل كلها آيات في مسيرة الصحافة السودانية التي لم ولن تعرف الانكسار ولا الهزيمة.
جربت السلطات حتى قانون النفايات في حربها مع الصحافة، و انتهى هذا المسار إلى المصادرة من المطبعة بلا اسباب، وما تزال السلطات تبتكر اساليب غير مسبوقة، لكنها رغم كل هذا الابتكار لم تستطع ان تحقق أي من اهدافها تجاه الصحافة والصحفيين. بل ظلت تتلقى هزائم متوالية ثم تجتهد مرة تلو اخرى وما تزال تتلقى الهزيمة تلو الاخرى من الصحافة والصحفيين.
اما قصتي مع التعذيب فهى سطر واحد في كتاب ما تَحمله الصحفيين من أذى السلطة في معركتها معهم. لكنها قصة ستطوف بكم وتعكس إلى أي مدى ذهبت السلطة وأي مذاهب ابتدعت ثم عادت بلا نتيجة سوى أنها زادتنا قوة وتجربة ستظل سلاحا ودرساً يضاف إلى سجل الصحفيين وتجربة الصحافة السودانية في مناهضة قهر السلطات وتجاوزاتها المبالغة.
قبل السرد هناك ايضاحاً مطلوب.
استخدمت مفردات (السلطة والسلطات) حيث يتوقع البعض ان استخدم مفردات مثل الأمن او جهاز الأمن (لكنى ساعود لاستخدام ذلك لاحقا).
ذلك لان التجربة العملية توضح ان جهاز الامن مجرد اداة في يد من هم أعلى سواء كانوا افرادا أو مؤسسات. وهذا وضع طبيعي ضمن نظام لا يعرف فصل السلطات ناهيك عن نظام يتعمد عدم فصلها، لان ذلك يضره ضررا بالغاً. ولعل ابلغ الامثلة ما تعرض له الصحفي ابوالقاسم عندما ذهب لمقابلة وزير المالية وقتها لاستقصاء وثيقة مسربة حول صحتها، ما كان من الوزير شخصياً ألا أن احتجز ابوالقاسم ووضعه رهن الاعتقال مما يشى ان صلاحيات الوزير تتضمن صلاحيات الشرطة والامن والقضاء وبلا حرج أو محاسبة.
بدأت قصتي بعد انتهاء انتخابات العام 2010، وكنت قد كتبت (خمس) مقالات ضمن الحملة الانتخابية المناهضة أعادة انتخاب المرشح عمر حسن احمد البشير. وانهيت هذه الحملة بكتابة مقال حول نتائج الانتخابات 2010 والتى انتهت بادانتي ب(تقويض النظام الدستوري) وقضت المحكمة بسجني (خمس) سنوات.
البداية
بعد نشرى أول مقال مناهض لاعادة انتخاب المرشح وقتها عمر حسن أحمد البشير. على اثر ذلك تم استدعائي من قبل (مجلس الصحافة)، وفي تلك الجلسة وفي جملة عابرة عبر احد اعضاء اللجنة عن تجاوزي والذي تمثل في التعامل مع (الرئيس كمرشح) وكان هذا غريباً بل غريباً جداً. ولكن مع استمرار الجلسة تبين لي الأمر، اذ كان التركيز على مقالات سابقة كتبت ونشرت العام 2006م، وجرى تمحيص طويل واسئلة حول كتاباتي عن مشاركة على عثمان في محاولة اغتيال الرئيس المصري وقتها محمد حسني مبارك، وهددتني عضوة باللجنة باللجوء للمحكمة سائلة ما اذا كان عندي شهود، انهيت النقاش بطلب اللجوء للمحكمة وقتها سيكون امر الشهود مبررا وموضوعيا.
انتهى الامر مع مجلس الصحافة بطلب نشر (تأنيب) نشرناه وواصلنا حملة اسقاط المرشح عمر حسن احمد البشير باربعة مقالات اخر.
كما قدمت، انتهت الانتخابات وختمتٌ المقالات بتقييم نتائج الانتخابات بالمقال الذي كان موضوع المحاكمة (انتخابات فوز علي عثمان وليس البشير).
كيف اصبح هذا المقال موضوع للمحاكمة؟!،
كان هذا هو اعجب العجائب. ذلك أنه وفي ليلة الخامس عشر من شهر مايو 2010م حوالي منتصف الليل اتصل بي زميلي اشرف عبد العزيز يخبرني باعتقال شيخ حسن الترابي طيب الله مثواه، ثم تواعدنا للذهاب لمنزل الشيخ لأستجلاء الامر وقد كان، عندما وصلنا لمنزل الشيخ تفأجأ من كانوا هناك حتى ابناءه، وواجهونا متسائلين، من أين جئتم؟!، حسب افادة رجال الامن الذين اعتقلوا الشيخ أنتم جميعا معتقلون؟!، وان الشيخ اعتقل على خلفية اداء صحيفة الحزب إبان الانتخابات!!؟.
تملكتنا الحيرة، لأنه ليس لشيخ حسن أي علاقة مباشرة بالصحيفة وإن كانت صحيفة الحزب، اذ للصحيفة من يمثلها من قيادات الحزب وهم معروفون. تكهنا أنه ربما اعتقل احدنا ونحن لا نعلم واننا تحركنا قبل ان يدركنا رجالات الامن، وقررنا ان نذهب لمنزل الناجي دهب فاذا كان قد اعتقل فنحن في لائحة الانتظار. ذهبنا ولكن الناجي موجود بمنزله ولم يعتقل ولا علم له بما يجري. تحرك ثلاثتنا عائدين لمنزل الشيخ، وعند وصولنا علمنا أن رجال الامن الآن بمقر الصحيفة وقد اغلقوها واحتلوها. قرر اشرف وناجي الذهاب لمقر الصحيفة لحصر وتدوين الممتلكات، هنا بات الامر واضح أننا للمعتقل ذاهبون.
اتفقت مع اشرف وناجي أنني سأذهب للمنزل حتى ارتب اهلي لأمر الاعتقال القادم خاصة أن والدتي كانت قد خرجت في نفس اليوم من المشفى بعد عملية جراحية ولا أريد لها أن تتعرض لصدمة ومفاجئة اعتقالي.
أما أشرف وناجي فقد تم اعتقالهم عند وصولهم لمقر الصحيفة، وأنا ويا للعجب انتظرت حتى الحادية عشر صباحا ليحضر رجال الامن لأعتقالي. كانوا ثلاث لم اتعرف إلا على واحد منهم كان يكتب بالصحف وصورته مثبتة باسم الشاذلي حامد المادح لكني لم التقيه من قبل. اقتادوني الي مبنى ادارة الاعلام بالخرطوم 2، وعند دخولنا شاهدت زميلي الطاهر ابوجوهرة كانوا قد اعتقلوه قبلي. بعد انتظار طويل بمكتب صغير عند مدخل البناية، حضر احد ضباط او افراد لا اعلم وبدأ استجوابي حول (خبر) نشرته رأي الشعب نقلا عن وكالة (ايرانية) كانت أول مصدر لنشر الخبر الذي نقلت عنها باقي الوكالات، ويتعلق بحديث حول التصنيع الحربي بمصنع جياد. استغربت للموضوع والاستجواب، لان هذا الخبر بالتحديد واخر كان مصدره مصر، كانا يوحيان بخطر وشيك سيقع على السودان، وقد فطنت لذلك وكتبت أن هذين الخبرين يشيران إلى خطر داهم. لكن الغريب أن الاستجواب انحصر في الخبر مع تعمد لتجريمي. والاغرب أنني احتججت على (قص) الخبر وعدم توفر كامل الصحيفة او الصفحة التي ورد فيها الخبر، واوضحت أن الذي قدمته هو خدمة جليلة تنبه إلى أن ايران نشرت الخبر لأنها تخشى شيئاً وتريد أن يقع بعيدا عنها. لكن ذلك ويا للعجب أغضب المتحري، الذي ذهب ليعود مع اربعة اخرين بصحبة الشاذلي المادح.
كان واضحا على الشاذلي تصنع الغضب، وبدأ باعادة الاستجواب وأنا اكرر الاجابات ثم فجأة وبدون مقدمات هاج صائحا (اقيف على حيلك) كنت جالسا، رفضت الوقوف واحتججت على طريقة التعامل معي موضحاً أنني معتقل وبين ايديكم ولست جندي أو موظف عندكم، وأنني جاوبت على تساؤلاتكم و أنني على استعداد لتوضيح ما تطلبون مني ولا اخفي شيئا اخاف منه. لكن الشاذلي تمادي بل اخذ في شتيمتي بافظع الالفاظ، فعلمت أن الامر هو تخويفي. رفضت الوقوف. تمادى الشاذلي. اصررت أنا على عدم الوقوف وتحديته أن يجعلني أقف. من لغة الجسد احسست ان مرافقي الشاذلي راقهم الأمر رغم اندهاشهم من ردة فعلي، وعندما عجز الشاذلي طلب من مرافقية أن يجلسوني بالخارج.
بالخارج أُجلست على كرسي في مواجهة الحائط، وحمدت الله على هذا الوضع الذي يعصمني من رؤية وجوههم. بعد فترة من الزمن حضر احد الضباط ممن جاءوا لأعتقالي بصحبة الشاذلي وبدأ باستجاوبي مكررا ذات الاسئلة وانا اعيد ذات الاجابات، لأسمع صوت الشاذلي من خلفي يأمر هذا الضابط قائلاً له (الزول دا ما يقعد في كرسينا). قال الضابط متحدثا معي (قوم من الكرسي، الزول دا قال تقوم)، كان ردي بالرفض والطلب منه أن يأتي من أمره بنفسه أن كان يستطيع ايقافي وأضفت ( انا ما جاييكم زيارة ولا ضيف عندكم انا معتقل وكل سؤال رديت عليه، والامر بيني وبينكم ليس كرسي جلست عليه أو وقفت أو نمت عليه) لكنه أصر واصررت، ثم تحرك من مكانه ليسحب الكرسي، وقفت، ورددت له لم اقف لأمركم ولكن حتى لآ اقع على الارض. كانت ردة فعله غريبة واخذ يضربني بالكرسي، وكان ردي ضربه والاشتباك معه.
هنا بدأ التعذيب. جعلوني اقف في الشمس من حوالي منتصف النهار حتى مغيب الشمس، عند المغيب تم استجوابي خمس مرات، الاولى والثانية كانت إعادة لذات الاسئلة وذات الخبر، أما البقية فكانت تعرض علي مقالات متنوعة الموضوعات، كلها قديمة جدا، في استعراض واضح مفاده أننا نتابع ما تكتب، واسئلة بلا معنى ولا مغزى وتهديد بلا انقطاع.
اخر استجواب كان مع الشاذلي وايضا اسئلة لا معنى لها ولا هدف واضح، تقديرى أن هناك رسالة كانت هدف استجواب الشاذلي الاخير، اذا جاءته مكالمة كان حريص على أن يسمعني تفاصيلها، وخلاصتها أن هناك من حُكم عليه بالاعدام وأنني أنا أبوذر على الأمين سيكون هذا مصيري. تبسمت متعجبا من الاسلوب ومن يرضى وهو يؤدي مهمته بمثل ذلك، وعرفت أنني امام من لا يعرف لماذا اعتقلني ولا الى اين ولا كيف ستكون نهايتي، وأن هناك من يقف وراء كل ذلك، أما من يباشرون معي الاعتقال والاستجواب فلا حول لهم ولا قوة، فقط اتباع ينفذون ما يؤمرون وهم راضون.
فجأة حضر الضابط الذي كان يستجوبي بالخارج والذي اشتبكت معه، وقال مخاطبا الشاذلي (سعادتك عندنا استجواب لم ينتهي). قاطعه الشاذلي (لحظات و ساسلمك ليهو). اخذت دقائق مع الشاذلي جعلني خلالها اوقع على بعض اوراق اعتقد انها كانت خلاصة اسئلته لي ولم اكن مهتماً بها لأنني اعرف انها بلا قيمة. ثم استدعى الضابط الذي حضر بمعية تسعة اخرين اضافة إلى اثنين (ابو طيرة) كانوا حضورا اثناء استجواب الشاذلي لي. اخذوني إلى غرفة (عبارة عن مخزن) في اعلى البناية، وكان الاستجواب، سؤال واحد فقط (مصادرك) اجبت بأنه ليس لهم الحق في سؤالي عن مصادري وأن القانون لا يعطيكم هذا الحق. رد الضابط (هنا ما عندنا قانون) ورددت عليه ( اذا كان الامر كذلك بلا قانون فقد سهلت علي الامر أنا لا أملك مصادر وكل شئ من اختراعي). عندها بدا التعذيب الجسدي، انهال على الجميع ضرباً، كلاً بما في يده، وكان أشد وافظع شئ هي الصعقات الكهربائية التي تلقيت اثنين منها وجعلتني كالكرة ارتطم بكل شئ ولا استطيع الوقوف، واحدهم يصيح (بدأ يعمل حركات) ويزداد الضرب حتى ايقنت أنني لن اخرج حياً وسلمت أمري لله.
الذي جعلني اوقن انني لن أخرج حياً اثناء الضرب، صاح احدهم (شايل شنو الزول دا) كانوا قد طلبوا مني قبل الضرب عدم الالتفات للوراء، ولكني وقتها كنت ملقي على الارض ونظرت فاذا بي ارى مشرط ملقي بجواري، وكان واضح أن هذا سيكون ذريعتهم لتبرير قتلي، وأنهم بعد الإجهاز عليّ سيجعلون بصماتي عليه ويكون دليلهم المادي، كانوا لا يتورعون عن فعل شئ وكل شئ لمن يستهدفونه. كانت أقسى الضربات تلك التي على الارجل والظهر بالعصي الخشبية والخراطيم السوداء فقد ظلت آثارها علي طيلة شهر كامل. المهم اثناء الضرب حضر احدهم فجأة واوقف ضربي وجعلني اوقع على اوراق لا اعرف ما بها، وبعدها اخرجوني واجلسوني وكنت قد صببت من العرق كماً غريبا وبت كمن يخرج من تحت الماء. عاجلني احدهم بشربة ماء ردت فيني بعض الروح، ثم استعجل نزولي بصورة، كأنه يخاف شيئا قادما او شخصاً، وكان ذلك النزول مؤلما ألما فظيعاً، وحتى ذلك الوقت لم أكن اعرف أو احس بما آلم بي.
نزلت ووجدت الطاهر ابوجوهرة جالس. اُجلست بجواره، ظللنا على هذا الحال حتى الثالثة صباحا، بعدها حضرت عربة تاتشر طلبوا منا الركوب ورحلنا الى مكتب وحيد ضمن المبنى الرئيس لجهاز الامن، هناك تم تسليمنا استمارة تحتوي على معلومات دقيقة ، فيها من التفاصيل حتى اسماء عماتك وخالاتك واصدقائك ومكان اقاماتهم وكل كبيرة و صغيرة حولك، ثم تم تصويرنا، وكأن أحدهم حريص على ضربنا (بلا غبينه) كما يقولون. بعدها ربطوا اعيننا وحملونا على عربة، وعندما وصلنا كنا بسجن كوبر، وتم استقبالنا أنا وأبوجوهرة بحصة تعذيب وضرب استمر حتى آذان الصبح، بعدها نقلونا إلى طبيب كان نائما اخذوا وقتا مقدراً يضربون بابه حتى افاق، اجلسنا امامه واخذ يعد بعض التحضيرات، وأمامه، كنا نُضرب بكل شئ وفي كل موضع، وكل الذي قام به أخذ عينات من دمنا. بعدها اودعونا حراسة ضيقة ليس عليها سوى فرشة بلاستيك مهترئة، كان صعبا أن تنام وكل مكان في جسدك لا تحتمل اي لمس عليه، كان امرا صعبا أن تنام.
اشرقت الشمس ونحن نعيش الم الضرب والتعذيب فاذا بالطبيب الذي ضٌربنا في حضرته وهو شاهد، ياتينا سائلاً إن كان احدنا يعاني شيئا او يطلب شيئا، نظرت له بدهشة، ثم اشرت له بيدي أن يذهب، وذهب فيما يبدوا حامدا ربه ويا للعجب. بقينا بتلك الزنزانة اربعة ايام، نخرج بمواعيد لقضاء الحاجة والاستحمام والصلاة. الطعام واحد اما عدس أو شعيرية وجبة واحدة او اثنتين في اليوم. في عصر اليوم الرابع تم نقلنا مجددا لمكتب الامن بالمبنى الرئيس للجهاز، هناك قابلنا ولأول مرة أشرف و الناجي، اجريت لنا اجراءات اطلاق السراح، وفجاء اُدخلنا إلى زنزانة واضح انها حمام وليس زنزانة. لحظات بعد ادخالنا تلك الزنزانة تم استدعائي بالاسم، خرجت ليتم عصب عيوني، وحملوني في عربة ولم افتح عيني إلا وانا بمكاتب نيابة أمن الدولة بالخرطوم ثلاث، وكنت عرفت ذلك بعد أن سألت.
عند دخولي لنيابة أمن الدولة (وصلناها عند مغيب الشمس) اخذوا وقتا طويلا، ثم جاء لمعاينتي وانا على عربة الامن احدهم مرتين، ثم انزلت وتم فحصي (بالنظر) وسمح لي بالاستحمام ، وفي الصباح استدعاني وكيل النيابة للتحقيق. كنت مندهشا أن الموضوع الذي أمام وكيل النيابة هو مقال ( انتخابات فوز علي عثمان وليس البشير) وأن التهم الموجهة لي قاربت العشرين اخطرها تقويض النظام الدستوري والارهاب، والتجسس. وكل ذلك في مقال فقط، و ليس أمام وكيل النيابة أي شيء سوى مقال مقصوص، وليس كامل عدد الصحيفة التي نُشر بها. اندهشت أذ لم يعرض علي احد هذا المقال تحديدا وانا بجهاز الامن، بل كان كل الاستجواب المدقق حول خبر صناعة الاسلحة بمصنع جياد، وعرض جيد لعدد كبير من مقالتي القديمة. لم تنتهي دهشتي حتى انتهاء المحاكمة اذ لم تكن هناك وثائق اخرى أو شهود. وقتها، لاخفاء دهشتي أمام وكيل النيابة طلبت منه إعادة قراءة المقال، لكني كنت أفكر كيف انقلب الامر من خبر لمقال، وأيهما أقوى حجة أمام أي نيابة مقال رأي أم خبر؟!!!. طوفت في تلك اللحظات على كل الاسئلة والاحتمالات، ولماذا تحول الامر فجأةً من اجراءات الافراج لنا جميعا لاتهامات و أمام نيابة أمن الدولة وليس نيابة الصحافة. كان علي أن اجاوب على أسئلة ويكيل النيابة، وأن أبحث عن اجابات لتسأولاتي في متاهة البحث عن (فضولي). من وراء كل هذا؟.
كانت حالتي تسؤ كل يوم وتشتد علي الألام، وكانت زنزانة نيابة امن الدولة تزيدني سوءاً، إذ نجلس وننام على بلاط، بدأت اقلق عندما صعبت على الحركة والمشي، ارجلي تتيبس وحالي ظاهر لكل من هم حولي، كان رفاق الزنزانة يساعدوني في الوقوف بداية الامر، ثم الدلك الذي يخفف عني قليلا لكن حالي لم يتحسن، اخرجت من الزنزانة بعد معركة لمقابلة الطبيب وعرفت بعد أول كشف لي أن حالبي مصاب (مشروط) وأن هناك دم بالبول. كانت أصعب اللحظات هي تخطي الاماكن العالية أو الواطية عتبة أو سلم طلوعا و نزول، كان الالم ينبعث فيني بقوة عصية على الاحتمال. اشد ارجلي واجرها جرا كل خطوة، ظهري مقبوض، قفص صدري لا احتمل اللمس فيه تحت الابط، كان كل يوم يمر تزداد آلامي، كل يوم يمر اسوأ من سابقه، لا مكان إلا للقلق.
بهذه الحالة نقلتني نيابة امن الدولة لسجن كوبر لأكون مع الاخرين اشرف والطاهر وناجي، لكن نظراً لحالتي رفضت ادارة السجن استلامي، وعدت لزنزانة نيابة امن الدولة. وظللت بها وقد وضعوني هذه المرة خارج الزنزانة وجعلوا لي فراشاً. أخذت اتناول الحبوب المدرة للبول أو المسهلة له، والمرهم الذي اعطاني الطبيب لتمزق العضلات، حالي لم يتحسن، حتى جاء وقت المحاكمة، وبعد مقابلة القاضي مدثر الرشيد حملنا جميعاً لسجن كوبر الذي استلمني هذه المرة رغم حالتي التي رفض استلامي بسببها قبلاً، ودخلت السجن قسم المنتظرين وكانت حالتي مصدر جذب لأنظار كل القابعين هناك وكان عددهم 250 فردا جلهم يتابعون محاكمات القتل العمد او الخطأ، وكانت مساحة و عدد زنانين قسم المنتظرين معدة لعدد لا يتجاوز الاربعين.
جاءنا ونحن بزنزانة أمن الدولة من هو مصاب في ظهره، ومن جسمه محروق، وحكي الافضل حالا منهم صنوف العذاب الذي تعرضوا له، وكل منا يستمع وينظر ويحمد الله على حاله أنى كان. ثم انضم الينا بقسم المنتظرين اخرون وكانوا جميعا يواجهون بلاغات وتهم مفتوحة في مواجهتهم من قبل جهاز الامن. كانت أغرب المفاجآت أن انضم الينا الزميل رمضان محجوب متهما، وغادرنا ناجي دهب طليقا، لم يكن هناك تفسير لحالة رمضان إلا أنها لأجراء ديكور عدالة المحاكمة وأن يكون هناك برئ امام المحكمة وقد صدق حدثنا.
كان التعذيب الاشد هو المعركة التي خضناها لأجل مقابلة الطبيب وعندما لم تجدي العلاجات طالبنا بمقابلة اخصائي لكنا جوبهنا بمقاومة قوية وعجيبة من قبل نيابة امن الدولة التي اصرت على فرض تلقي العلاج بمستشفى الشرطة ومع اطباء عموميين وليس اخصائيين، عند نقلي للمحكمة طلبنا من القاضي مدثر الرشيد أن نحول جميعا لمقابلة الطبيب وكان ذلك أيضا بمسشفى الشرطة، وكانت دهشتي أن حالتي بلا ملف وعلمت أن نيابة أمن الدولة لم تنقل ملفي للمحكمة وكنت قد نبهتهم وأنا اصعد على العربة التي ستقلني من نيابة أمن الدولة للمحكمة وقد أكدوا لي أن الملف معهم وسيُسلم للمحكمة، رفضت أي شئ او اجراء الا بعد احضار ملفي، الذي هو بطرف المحكمة بحسب علمي، لم يعيرني احداً اهتماماً وبقينا حتى تم نقلي والطاهر و رمضان محجوب بعد حجز اشرف لأرتفاع ضغطه بالمستشفى، نقلنا إلى زنازين القسم الشمالي وليس الى قسم المنتظرين بسجن كوبر، بعدها علمنا أن السجن بعد الرابعة عصرا لا يستلم أي متهم أو محكوم . لكن المفاجأة كانت في المعلومات التي استقبلناها بحراسة المحكمة وقبل الدخول لقاعة المحكمة أذ استقبلنا مرسال يقول ( ابوذر سيحكم بخمس سنين سجن، واشرف والطاهر سنتين، ورمضان براءة)، وكان المصدر موثوق لدينا.
في ظهيرة اليوم التالي نقلنا جميعا إلى قسم المنتظرين بسجن كوبر، وكان اشرف قد انضم ألينا في وقت متأخر من ليل ذلك اليوم. كانت المفاجاءت تترى علينا. وكنت حريص على تلقي العلاج بشكل أو أخر وكان همي أن اقابل ادارة السجن واطلب ملفي واطالب بالعلاج، ولكني لم احصد سوى السراب واستمرت معاناتي طويلا الى ما بعد المحاكمة والسجن.
بتنا نعلم مصيرنا وننتظر نهاية المحاكمة جلسة فجلسة، الى أن نٌقلنا محكومين أنا واشرف والطاهر إلى قسم كولومبيا (اشتهر هذا القسم باسم كولمبيا لأن 99% مسجونين باحكام تتعلق بالمخدرات خاصة البنقو)، هنا بدأ معنا فصل جديد من التعذيب!!. منعنا من الزيارة، احتججنا وذهبنا لمقابلة ادارة السجن، وجدنا أنفسنا محاطين بثلاث من ضباط السجن الصغار، وكان ردهم لنا أن هناك (جهات عليا) وراء ذلك. احتججنا وقلنا لهم نحن الأن محكومون تنطبق علينا لوائح السجن مثلنا مثل كل السجناء، و لا نعرف (جهات عليا) نعرف فقط ادارة السجن واذا لم تنتهوا نحن امامكم نعلن دخولنا في اضراب مفتوح عن الطعام والشراب، وهددنا بأن ستجدوا ذلك غدا على الصحف وكل المصادر المفتوحة للاخبار.
انصاعت ادارة السجن لتهديدنا وانهت قرار منع الزيارة لكن رغم ذلك فقد كانت الزيارة فصل اخر من فصول العذاب، اذ تكرر منعنا مرات ومرات، و منع الصحفيين تماما من زيارتنا، ومنع أي محامي، واخرين اقتيدوا من مدخل الزيارة الى قسم الامن بسجن كوبر، واخرين استجوبوا على خلفية زيارتنا، وظلت معاناتنا مع الزيارة حتى أخر لحظات السجن.
لن تكتمل لوحة التعذيب أبدا، فهي بلا نهاية أو سقوف، ونشهد أن الله ذاته لن يعذب احدا فوق ما يستحق بما عمل. امتد الامر ليطال المأكل والمشرب. كانت ادارة السجن تتعلل بأن الكميات التي يجلبها اهلنا لنا كل زيارة (مرة في الاسبوع) كميات (تجارية) سكر كانت أو ملح أو أي شئ، وبعض الطعام ممنوع (السمك مثلا) رغم أن الحصول عليه من دكان السجن ميسور لمن يشتري. أما طعام السجن فلا يطاق، والسبب أن مطبخ السجن لا يقوم عليه طباخين محترفين، انما ادارة السجن تكل امر الطبخ للسجناء كيفما اتفق. كذلك اكواب الزجاج ممنوعة رغم توفرها بدكان السجن، واحيانا الملابس ممنوعة حتى اضطررنا لألباسها لأحد ابنائي لأستلمها منه أمام شباك الزيارة، ولم تكن سوى فانلة برد بعد منعها في الزيارة السابقة.
خرجنا من السجن لنجد أن العقوبات علينا ما تزال ماضية، فنحن ممنوعين من العمل في أي صحيفة، اغلب الصحف ابلغوا مباشرة من قبل الامن، والباقين خشية من العقوبات التي قد تقع عليهم اذا سمحوا لأحدنا بالعمل. لم تتاح لنا فرصة العودة للكتابة الصحفية الا مع عودة رأي الشعب ولم تستمر طويلا (اقل من ثلاث شهور) لتغلق من قبل الامن بلا اسباب كما هي العادة. وكانت المرة الثانية مع عودة راي الشعب مرة اخرى (استمرت أقل من ثلاث شهور ايضا) لتغلق هذه المرة من قبل الحزب المالك للصحيفة. وما نزال على هذا الوضع حتى الان انا والاخ الطاهر ابوجوهر. فيما عمل اشرف بصحيفة الجريدة ومايزال يتعرض للضغوط والعقاب بلا حدود او سقوف لكنه ما يزال صامدا.
الخلاصة أن السلطة تحرص حرصاً بالغاً أن تبقيك في العذاب المقيم، فالانقاذ لا تعرف الرحمة، وأن عرفتها فهي احرص على حرمانك منها وإن جاءتك من أي صوب ستمنعها عنك، وعندهم هذه هى الاجادة التي تمنح الانقاذ العاملين وفقا لها الترقية والاشادة وربما النياشين. أما ما يحزن هنا أن هناك الكثيرين الذين يقبلون هذا العمل و يعتبرونه رفعةً لهم، وأخرين يعلمون أنه قمة الانحطاط، لكنه عندهم سبيل للحماية وفتح لمنافذ المال والسلطان وعدم المساءلة، وكله سوء.
من كان ينتظر خيرا أو رحمة من أهل السلطة سينتظر طويلاً ولن يطالها إلا كلمات هراء يلقيها من يلقيها غير آبه لا بما قال ولا ما سيترتب عليه. فانهم ليسوا أهل رحمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.