عجبت لمن انساق وراء محاولات تبرير القرار التنفيذي للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بمنع دخول رعايا سبع دول إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد وجدوا في بعض التصرفات من حكومة السودان عذراً يقدمونه نيابة عن إدارة ترامب، ويلتمسون له العذر فيها، وبل يصلون حد الدفاع عن القرار، دون تبصر أو روية. من بين ما قالوه إن حكومة السودان قدمت جوازات سفر سودانية لبعض قادة التنظيمات الإرهابية في العالم، وإن هذا العمل يجعل الإدارة الأمريكية محقة في إتخاذ القرار، وهم هنا يستلفون لسان ترامب ويقوِّلونه ما لم يقله بنفسه، أو يأتي على لسان مساعديه. والحقيقة إن هذه المعلومة ليست خاطئة لكنها ليست جديدة، فهي معروفة منذ سنوات التسعينات. وقد بدأت حلقات التواصل بين حكومة السودان والإدارات الأمريكية المختلفة منذ أحداث سبتمبر 2001، بما جعل الحكومة السودانية في موقع رضاء نسبي من قبل واشنطون جعلها تنجو من العقوبات المتصلة بمسؤولية الأطراف المتورطة في تلك الأحداث. لم يحدث أن صرح مسؤول أمريكي في السنوات الماضية بتكرار الحدث ولم يورد اتهاماً بهذا الشأن، بل أن أكبر مسببات القرار الأخير لإدارة الرئيس أوباما بالرفع الجزئي للعقوبات على السودان هو التعاون بين أجهزة البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بالدور الإقليمي لحكومة الخرطوم، ولم يكن من بين الأسباب تحسن الوضع الداخلي في مجالات الحرية وحقوق الإنسان وتوسيع المشاركة السياسية، ولا يبدو أنه كان محل اهتمام واشنطون. مبعث القرار كما تقول دوائر أمريكية كثيرة ومراكز بحوث ومنظمات مجتمع مدني هو النزعات الفاشية البيضاء لإدارة الرئيس ترامب، وصلاً بتصريحاته السابقة، ومواقفه المعادية للمسلمين والمهاجرين بشكل عام. وتعمل هذه المجموعات على مقاومة القرار تمسكاً بتقليد أمريكي قديم قامت عليه هذه الدولة العظيمة وهو أنها مجتمع مهاجرين. والرئيس ترامب نفسه إبن مهاجرين، فوالده من أصل ألماني وأمه من أصول اسكتلندية، وزوجته ميلانيا ترامب مولودة في بلدها الأصلي سلوفينيا. وقد قامت منظمات أمريكية بوضع خارطة رقمية لعدد المواطنين المتورطين في هجمات إرهابية من بين رعايا دول العالم، وكان سجل الدول السبع هو الأقل أو نظيفاً تماماً مقارنة بدول كثيرة لم يشملها القرار، ، وفيها دول عربية وإسلامية. كذلك كانت طريقة تنفيذ القرار متعسفة ومنافية لأبسط حقوق الإنسان، حتى وفقاً للقانون الأمريكي، ولم يتضرر منها إلا الأبرياء من المقيمين والطلاب وطالبي العلاج أو زيارة الأسر. وقد قرأنا وسمعنا عشرات القصص المأساوية لأفراد وأسر سودانية إما تم إرجاعهم من المطار أو حرموا من السفر رغم تمتعهم إما بالإقامة الدائمة أو بتاشيرة صالحة للسفر حصلوا عليها بعد مرورهم بكل الإجراءات التي تتطلبها السلطات الأمريكية. هذا القرار يحمل كل صفات التعسف والإزدراء والصلف والكراهية، وهو لا يجد تعاطف ولا تأييد آلاف الناشطين في مجال الحريات المدنية وحقوق الإنسان في أمريكا، ولا يستحق تأييد وتفهم الضحايا من السودانيين، حتى الذين يظنون أنهم يفعلون ذلك نكاية في الإنقاذ، بينما هم يتشفون في الأبرياء من أبناء وطنهم. التيار