الرسالة الأولى من ياسر عرمان بخصوص التحقيق الذي تجريه صحيفة التيار عزيزي عطاف والأستاذ والصديق عثمان ميرغني توقفت مدة طويلة عن إجراء حوارات مع الصحف التي تصدر في داخل السودان للظروف التي تعيشها صحافة الداخل والتي تحظى منا بالتعاطف وكامل التضامن، ومن بين صحف اخرى لدي تقدير خاص لصحيفة التيار، ولذا سأقدم لك إجابات مختصرة. + إنضممت للحزب الشيوعي في 1978م وكان عمري أنذاك (16) عاماً، ولأئحة الحزب لا تجيز إنضمامي له في هذه السن، ولكن المناضل الكبير والمحترف الثوري العظيم الراحل عبدالحميد علي، أخذ قرارا بضمي للحزب، لأن فرع الحزب الذي كنت أعمل به كان به عضوان، وكان يحتاج لشخص ثالث لإعتماده كفرع حزب، ولأن الراحل عبدالحميد علي منذ اللقاء الأول بيننا نشأت بيني وبينه علاقة إستمرت حتى رحيله، كان جوهرها الإحترام والتقدير، وهو مناضل يستحق شعبنا أن يتعرف عليه وعلى سيرته الطويلة التي أمضاها في خدمة الشعب. + قبل أن أجيب عن السؤال الثاني، لماذا إخترت أن يكون العنوان "خيارات عرمان" بدلا عن خيارات الحركة الشعبية، فقد أمضيت (31) عاما في الحركة الشعبية وخياراتي لا تنفصل عن خيارات الآلاف من أعضاء هذه الحركة العظيمة رغم ما تعرضت له من صعود وهبوط لازم كل الحركات الثورية في مختلف أنحاء العالم فقضايا تغيير المجتمعات مهمة بالغة الصعوبة وغير مستحيلة، وأجزم لك إن خياراتي ستكون دوما جزء من خيارات الحركة الشعبية وحركة التقدم والإستنارة والبحث عن سودان جديد رغم المصاعب والتعقيدات. تجدني مدرك للمحاولات الطويلة والمستمرة لإغتيال شخصيتي وخلق صورة ذهنية مغايرة لما أقوم به على مدى سنوات من أجهزة رسمية وغير رسمية وأحيانا بإسم العمل المعارض، ولكنني أثق في إن التاريخ والمستقبل سينصفاني فقد أتت إمرأة من اليابان البعيد لتنقب وتكتب عن زعيمنا الكبير علي عبداللطيف، الذي لم توثق له وسائل الإعلام ما قال وفعل الا في النذر اليسير، فإن الحياة منصفة ولو بعد حين. + لماذا آثرت الإنضمام للحركة الشعبية وفي أي عام تحديداً؟ لأسباب عديدة حينما كنا في بدايات مشوارنا في حركة الطلبة كان موضوع الجنوب قضية رئيسية، ثم تعرفت بعد ذلك على عدد من الطلبة الجنوبيين من ضمنهم الشهيد مشور أروك طون الضابط السابق في القوات المسلحة وقائد حامية حلايب، والأخ الأصغر للراحل أروك طون أروك أحد المؤسسين للحركة الشعبية، كذلك حينما أمضيت عاما في سجن كوبر على أيام جعفر نميري، في الفترة من مارس 1984م الي فبراير 1985م إلتقيت بعدد من المعتقلين الجنوبيين وإستمتعت في هذا العام بشكل منتظم لإذاعة الحركة الشعبية شدني إليها وجعلني أشد الرحال الي تلك الحركة إنحيازها ولاسيما الدكتور جون قرنق ديمبيور الي وحدة السودان على أسس جديدة وإنها حركة تقدمية تقف مع العدالة الإجتماعية ومع المهمشين نساءا كانوا أو عربا من الرشايدة، فإتصلت بمكتبها في الداخل وساعدني الراحل دكتور بيتر نيوت أستاذ القانون في جامعة الخرطوم انذاك، والأستاذ المحامي والصديق يوهانس يور أكول الذي تابع إجراءات سفري الي أديس أبابا، وعملت مع مكتب الحركة الشعبية في الداخل لفترة في عام 1986م وحاولنا مع آخرين إنشاء تنظيم في الداخل يسمى (جماعة الخبز والسلام والتحرر) وإنضم الي ذلك التنظيم عدد كبير من الناشطين، وكنا نرى بناء جناح سياسي في المدن للحركة الشعبية متأثرين بتجارب أمريكا اللاتينية، ولكن مكتب الحركة في الخرطوم تردد في قبول هذا الإقتراح، ووصلت الي أضخم معسكر للاجئين تواجد به أكثر من (200) ألف من الجنوبيين في (إتنغ) على الحدود الإثيوبية السودانية في منتصف يناير 1987م، وهو المعكسر الذي زاره الأستاذ والمبدع الكبير محمد وردي لاحقاً بإتصالات مباشرة أجريتها معه وتابعتها مع دينق الور والراحل القائد مارتن مانيل والدكتور جون قرنق. + لقائي الأول مع الدكتور جون قرنق كان في المدرسة السياسية التي تقع على أطراف مدينة قمبيلا في الحدود الإثيوبية، كان لقاءاً باهراً، في المرة الأولى أجرى معي مقابلة تجرى مع كل طلاب المدرسة السياسية تتضمن بيانات دقيقة عنهم، وكان ذلك بحضور سلفاكير وأروك طون أروك، بعد المقابلة طلب مني الدكتور جون قرنق الحضور مساءاً الي منزله لمزيد من الحوار، ذهبت إليه ودار بيننا حواراً مطولاً، ومنذ ذلك اللقاء إرتبطت بعلاقة وثيقة مع الدكتور جون قرنق تطورت على مدى السنوات حتى غيب الدكتور جون قرنق، والذي مازال حاضراً رغم بعد المسافة والطريق. وبذا قد أكون قد إستجبت لطلبك وأرجو أن تعفيني عن الإجابة لأي أسئلة اخرى لأنني أقوم بأداء بعض المهام التي ربما لن تسمح بإيصال الردود على اسئلتك في الوقت المناسب، واشكرك على الإهتمام وأرجو منك أن تهتم بمستقبل الحركة الشعبية أكثر من خيارات الأشخاص فنحن في هذا العالم في رحلة عابرة (Transit) وفي ضيافة هذه الأرض لنا موعد مع شعبنا هيهات ننسى الموعد، فنحن نحب هذه البلاد العظيمة شمالاً وجنوباً، ونحب محيطها أيضاً الذي يوصلنا الي الإنسانية جمعاء، وكنت دائماً أقول إن الحياة دون قضية لعنة، فالحياة جديرة بأن تعاش من أجل الآخرين، إن السودان اليوم يحتاج الي سلام عادل ومواطنة بلا تمييز وديمقراطية يصنعها الجميع، والنظام الحالي لا مستقبل له، وأنا أرنو بطرفي وذهني وطاقاتي لقيام (إتحاد سوداني) بين بلدين مستقلتين، السودان وجنوب السودان دون أن يفقد أي بلد إستقلاله وأن يضمهما في نفس الوقت (إتحاد سوداني) فالإتحاد السوداني واللواء الأبيض لهما صلة ما بدولتي السودان. وشكراً لك أخي عطاف.