كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يقول أن ابن لادن رجل عظيم !!
نشر في حريات يوم 20 - 07 - 2017


في نقد بؤس النخبة الإسلاموية
د. جمال شيخ الدين عربي
"بن لادن رجل عظيم وتمنيت لقاءه.. "
سامي الحاج مدير مركز الجزيرة للحريّات العامّة وحقوق الإنسان بالدوحة، قطر
22 مارس 2017 – صحيفة " التيار" السودانية
لم نختر عنوان مقالتنا هذه ولا الديباجة التي افتتحناها بها صدفة، وانما لأنها تحقق لنا ما يمكن أن نصفه بعبارة "جُملة خير من ألف مقال"! على غرارمقولة "صورة أبلغ من ألف كلمة"! فقائلها هوالسيد سامي الحاج الذي كان معتقلاً لحوالي ستة أعوام بسجن جوانتنامو بسبب علاقته بقناة الجزيرة إبان الحرب الأمريكية على نظام طالبان وحليفه أسامة بن لادن.و هو الذي قدمته تلك القناة القطرية للعالم، بعد اطلاق سراحه، باعتباره ضحية للجبروت الأمريكي، وباعتباره منافحاً عن الحرية وحقوق الإنسان ومدافعاً عن السلام ونابذاً للحرب.بل أسندت له إدارة مركز عالمي، ذو موارد ضخمة، أسمته مركز الجزيرة للحريّات العامّة وحقوق الإنسان!
لا يهمنا في هذا المقال أن نعرف ما إذا كان السيد/ سامي الحاج يستحق ما صنع حوله من هالة أم لا، أوما إذا كان بريئاً أم مظلوماً، بيد أن إعجابه ببن لادن استوقفنا مليّاً. فمن الوهلة الأولى يحتار المرء، كيف يجتمع في الذهن أن يكون المناضل من أجل الحرية وحقوق الإنسان معجب بذلك القدر، وعلى العلن، ورغم المحاذير، برجل ينظر إليه الجزء الأعظم من سكان العالم باعتباره يمثل النقيض لأي قيمة إنسانية عظيمة، لدرجة سلبه لحق الحياة نفسها ممن يخالفونه الإعتقاد، ناهيك عن رأيه في الديمقراطية باعتبارها حرام، وحقوق المرأة البسيطة، كحقها في التعليم، باعتباره جريمة، تقصف بسببها الحافلات المدرسية للصبايا بالنار و البارود؟!!
يقودنا ذلك السؤال، إلى آخر أكثر حرجاً وغرابة: إذا كان هذا الرأي يعبر عن رجل، مثل سامي هذا؛يعيش حياته في مدينة عصرية، في عصر سمته الرئيسي التطور الكاسح في العلم، والتقدم الغير مسبوق في منظومة القيم العامة، وكان ذاك الرجل نفسه ضحية تعدًّ على حريته، لا يسنده قانون، وفوق ذلك يتربع على قيادة مركز للدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، فكيف يا ترى يكون رأي المسلم العادي في إبن لادن؟!بل تستبد حيرتنا أكثر: إلى ماذا يشير مصطلح الحريات العامة، وماذا تعني حقوق الإنسان، لدى النخبة في العالم الإسلامي!!؟
إنه ومن المؤكد أن إبن لادن لم يكتسب "عظمته"، تلك التي أججت رغبة الناس في لقائه، بسبب نجاحاته في دنيا الأعمال أو فتوحاته العلمية أو إنجازاته البارزة في مجال بناء المجتمعات المزدهرة؛ فمكانته اكتسبها كما هو معلوم من مناداته بأن يُحكم العَاَلم بمبادئ وآليات ومناهج القرن السابع الميلادي بشكل أعمى، واستمدها من كراهيته للغرب ولأمريكا واستباحه دماء مواطنيهم بدون استثناء، وعمّدها باستخدامه للعنف المفرط، وبأشكال مبتكرة وغير مألوفة. هذا كل ما في جعبته؛ برنامج هدم لكل ما أنجزه الإنسان من عمار، فهل لنا أن نفترض أن معجبيه يحبونه لسبب آخر؟!طبعاً لا! فالإعجاب ببن لادن، إذن،ينم عن قبول لبعض أو كل ما ينادي به من آراء أو ما يستخدمه من وسائل. وبالتالي حق للمراقب والمحلل الحصيف أن يسأل ثلاثة أسئلة مفتاحية للتعرّف على أسباب ومآلات حالة العالم الإسلامي الراهنة: أولها، هل تعتبر حالة سامي الحاج استثناءً فردياً لا يصحّ الأخذ بها نموذجاً، أم يمكن اعتبارها ظاهرة مجتمعية عامة؟ ثانيها، وبافتراض إجابتنا على السؤال الأول بأن ذلك ظاهرة مجتمعية عامة، ما السبب في حمل قطاع واسع جداً من المسلمين لمثل ذلك الشعور؟ أما ثالثها، والذي ينحو لمعالجة هذا الأمر الشاذ، فيطرح الاتي: ما العمل لجلب السكينة لهذا العالم المشتعل إرهاباً، ووضع العالم الإسلامي في منصة القيم والمبادئ الإنسانية التي وصلتها البشرية، والتي ليس لها تضاد مع أي دعوة دينية تتستهدف الإرتقاء والسمو بالإنسان؟
إننا نزعم بأن الحقيقة، أو جزءاً منها، سيستبين من خلال الإجابة على تلك الأسئلة، حيث بدءاً نرد على السؤال الأول بالإيجاب، مؤكدين على أن موقف سامي الحاج، ليس استثناءاً!إن هنالك شواهد، لا يمكن حصرها، تشير إلى ان درجة الغلو والتشدد الديني، من ناحية، وضعف قيمة التسامح في المجتمع الإسلامي، من ناحية أخرى،بلغا مرحلة الخطورة المرضية. إذ كأمثلة وأدلة على مانقول، نورد التالي:
ان اجابتنا على سؤالنا الأول، والخاص بتحديد ما إذا كان سامي الحاج يمثل تياراً عاماً، هي بالتأكيد نعم.إنه وفي الواقع، يوجد عدد لا يحصى من الشواهد والدلائل والقرائن على أن أمر التطرف والإرهاب غير مرفوض وسط المجتمعات الإسلامية، هذا إن لم نقل أنه مقبول لحد كبير وفي كثير من الأوساط. فالأمثلة المقدمة أعلاه، لا تعبر عن أحداث فردية أو معزولة. فملاحظتنا الأولى تشير إلى خلو الشارع الاسلامي من أي رأي عام مؤثر رافض للتطرف والإرهاب، مما يسمح لنا بوصف تلك السمة بالعمومية والشمول.بنفس القدر، فإن ما حدث بتلك القرية المصرية من تعدٍّ جلف على حرية الاعتقاد والضمير يعتبر أمراً عادياً ومتكرراً في مصر. في الواقع، فإن الأمر بمصر لايقتصر على المسيحيين وحدهم، فقد كرس القضاء الرسمي نفسه لذلك، عندما أدان المفكرين الإسلاميين كنصر حامد ابوزيد واسلام بحيري بالكفر والإساءة للدين، فقط لطرحهم مناهج جديدة في فهم الدين، منطلقة من داخل الدين نفسه!
إن الأقباط وغيرهم في مصر، يتعرضون لمضايقات وعنف يصل مرحلة القتل المنظم من قِبَل مواطنين عاديين مغسولي الأدمغة ومنزوعي المشاعر، ولأسباب بسيطة لا يقود أخطرها في العالم المتحضر،الى أكثر من إنزعاج إجتماعي يمكن معالجته بسهولة من خلال الأطر الإدارية والقانونية؛هذا إن استحق ذلك! إن تكرار هذه الممارسات في دولة مزدهرة ثقافياً وحضارياً مثل مصر، يقودنا بالضرورة للنظر إليها باعتبارها ظاهرة تعبر عن خلل حاد في التوازن العام للدولة والمجتمع، ولها جذور فكرية وإجتماعية عميقة، وليس مجرد انفلاتات اجتماعية، أو أخطاء سياسية، أو تجاوزات قانونية. إن أي مطلع حصيف على التجربة المصرية يعلم أنه، وحتى إبان المرحلة الناصرية التي لم يكن يجمعها جامع بالإسلام الحركي، كان القانون يمنع بناء الكناس الا بإجراءات إدارية معقدة جداً، كما كان العرف يقضي بعدم تعيين المسيحيين في الوظائف الكبيرة بالخدمتين المدنية والعسكرية إلا بشكل رمزي، علماً بأن هذه التجربة مستمرة حتى الآن.تدفع هذه الحقائق المرء لأن يتساءل بجدية، إن كان هذا يحدث لمواطنين أصحاب حق في الوطن فعلوا كل مافي وسعهم لتفادي استفزاز الشارع العريض به، فماذا يمكن أن يحدث إذا حاول هؤلاء المواطنين ممارسة حقهم الطبيعي في التبشير بما يحملون من أفكار وعقائد؟!
إن ما قدمناه من نماذج ، نعتبره كافياً للتدليل عن أن ظاهرتي الغلو والتطرف ليستا ظاهرتين محدودتين أو عابرتين، بل من المؤكد أنهما عامتان ومتغلغلتان وعميقتان. نشير إلى اننا نقصد بالغلو تلك الحالة الذهنية والنفسية التي تمتاز بنزوع الفرد والمجتمع للنظر لأوجه الحياة من خلال معيار الدين وحده وبناء الموقف من الأحداث والظواهر وفقاً لمفهومي الحلال والحرام؛ أما بالتطرف فنشير إلى النزعة المستعجلة لنقل حالة الغلو من مرحلة كونها أفكار ونظرات ومشاعر، إلى مستوى التطبيق في ميدان الواقع، باعتبارها فرضاً لازماً.
على ضوء كل ذلك، يصبح من المنطقي أن نبحث عن الإجابة على سؤالنا الثاني الذي فحواه: لماذا يقبل المجتمع المسلم ذلك ويتصالح مع الغلو والتطرف؟إن الإجابة بالطبع أصعب وأعقد من أن يقدمها مقال أو كتاب، خاصة وأن جذورها تمتد بعيداً في التاريخ، لكن بشكل عام يمكن تلخيصها في الآتي:
نصل من خلال ما أوردناه من تحليل في إطار اجابتنا على السؤال الثاني، والخاص بتحديد أسباب الغلو والتطرف، إلى أن الغلو له أسبابه التاريخية والفكرية التي جعلته مستقراً في العقل الجمعي المسلم والوجدان الجمعي المسلم. فالمسلم العادي، وعبر التاريخ، يرنو لماضي الدولة العربية الإسلامية الأولى باعتباره النموذج والمثال، وأنه أكثر تجارب الحكم إشراقاً وبهاء، وأقرب تلك التجارب تحقيقاً لفكرة المدينة الفاضلة. كما يعتبر أن في تعاليم الدين ما هو كفيل بحل كل مشاكل الإنسانية لو طبقت على الوجه الصحيح. وفي كلمة "الصحيح" هذه تكمن "أم المعضلات"! فالفرق بين المتطرف وغير المتطرف لا يتعد كون أن المتطرف يريد تنفيذ تلك التعاليم بالعنف وباستعجال باعتبار ذلك من صحيح الدين! وفي قراره هذا يستند أيضاً على أفكار موجودة في المنظومة الموروثة، فالمنظومة نفسها ليست كاملة الإتساق، باعتبار أن تجربة الدولة العربية الإسلامية الأولى قامت على أكثر من مسار تطور، وكل مسار له مبرراته وأسانيده.
مختصر القول، أن هنالك أزمة بنيوية في العقل الجمعي المسلم، فهو المولّد للأفكار الظلامية، وهو الذي يحيطها بالمبررات ويخلق لها الأسباب. كما نصل أيضاً إلى أن هنالك تشوهات في الوجدان الجمعي المسلم، تجعله يقف خلف كل المشاعر السلبية، لدرجة ربما يصل معها للتعامل مع الدم البشري باعتباره لاقيمة له. فكليهما، إذاً، العقل والوجدان، هما المسئولان عن الوضع القائم اليوم في المجتمعات المسلمة.
إنه من الظلم، بل من الخطأ،الإستنتاج من تحليلنا أعلاه أن كل المسلمين، أو معظمهم، والغون أو راغبون أو موافقون على القتل والسحل. بيد أنه من الخطل أيضاً تجاهل حقيقة أن الغلو في التدين، يعتبر مدخلاً أساسياً للتطرف، ومن ثَمّ للإرهاب. إن الإنتقال من حالة الغلو، وهي الحالة الشائعة، إلى حالة التطرف، لايحتاج لجهد عقلي ونفسي كبير، فالمسافة أصلاً قصيرة بينهما. لذا فإن المحلل المدقق في شأن الحركات الإسلاموية، يجب أن لا يفاجأ أو أن يندهش لحالات الإنكار وعدم التصديق التي تتبدى من خلال تعليقات المجتمع والأهل والجيران وأصدقاء العمل وخلافهم، عند معرفتهم بأن من ينتمي اليهم أصبح قاتلاً سابقاً أو لاحقاً! كأمثلة على درجة الإنكار، وعدم التصديق،الْمَرَضي أحياناً، تلك التي تنتاب أهل أو معارف مرتكبي العمليات الإرهابية، نورد الآتي:
إن الأمثلة أعلاه إنما نعتبرها نماذج محدودة لدواعي التوضيح، حيث أن كل الحالات، تقريباً، من محمد عطا مفجر برج التجارة العالمي عام2001، وحتى طالبات جامعة العلوم الطبية والتكنولوجية بالسودان، واللائي إنضممن لتنظيم داعش عام 2014، كانت مفاجئة تماماً لأسرهم ومن هم حولهم، لدرجة الذهول!
إن عنصر المفاجأة،هذا، لا يمكن تفسيره إلا بالإعتراف بأن الحد الفاصل بين الغلو والتطرف رقيق جداً، لدرجة أنه لايثير إنتباه أقرب الأقربين. حيث في الواقع، لا يتطلب القفز من خانة الغلو لمربع التطرف تفكيراً عميقاً، أو تقليباً للخيارات، فهو إختلاف مقدار يمكن أن ينشأ بقليل من الشحن الاعلامي، أو عند إزدياد السخط العام لأمر من الأمور، وما إلى ذلك.
لقد حاولنا، وبدون تزويق، تقديم صورة نعتقد أنها أكثر دقة لوصف ما يمور في العقل الجمعي المسلم من أفكار، وما يعتمل في وجدانه الجمعي من مشاعر، نرى أنها العامل الأكثر أهمية، من ضمن عوامل أخرى، عن العنف الشامل الذي يجتاح العالم اليوم. كما حاولنا إبراز العوامل والأسباب التي أدت لتشكيل تلك الحالة الذهنية والشعورية.نحاول في هذا الجزء الأخير من المقال، الإجابة على ما إذا كان هناك مخرج من هذا الوضع الخطير الذي أصبح فيه كل العالم، تقريباً، ساحة حرب لمعركة مفتوحة يشوب الغموض الكثيف هوية المبادرين فيها، وخططهم القادمة، وأهدافهم المحتملة !
نبدأ إجابتنا حول كيفية حل هذه الأزمة، والخروج من المأزق الذي يعيشه كوكبنا اليوم، بالتأكيد على أن الحل لايمر عبر البوابات المفتوحة حالياً. تلك التي تنشد محاصرة الإرهاب بتصويره وكأن سببه مجرد خطأ في فهم المتطرفين للدين، أو تلك التي تستهدف حذف المحتوى الذي يحرض على العنف من الرسائل المتداولة عبر الوسائط والقنوات المختلفة، وما الى ذلك من إجراءات تستهدف العَرَض وليس المرض!
إن الذي يمارس التطرف لا يحتاج لإذن أو توجيه من وراء البحار أو من خلف الصحارى ليقوم بالإرهاب والترويع؛فالتطرف نتاج لمناخ كامل، قائم على الشحن الديني الكثيف للفرد، والإهمال المريع للتفكير العلمي والنظر العقلاني للظواهر والأحداث.هو الإبن الشرعي للغلو والإشتطاط، ذلك الناتج عن الجرعات الدينية الهائلة التي يتلقاها الفرد من مختلف المصادر: المعلم المدرسي والكتاب المدرسي، منابر المساجد، وسائط الإعلام، المطبوعات إلخ. إن الغلو والتشدد، في نظرنا،يعتبران نتاجاً لتآمر الدولة والمجتمع أو لغباءئهما، لا فرق؛ فالمحصلة أنهما سلما الفرد، بكل ضعفه وخوفه من المجهول، سلّماه للواعظ أو الفقيه، سواءً كان قديماً أم معاصراً،ذلك الذي لا تتجاوز حدود معرفته حفظ النصوص وحفظ آراء القدماء، ورؤيته للعالم لا تخرج عما شُحن به هو نفسه بواسطة الشيخ الذي ينتمى إليه أو المعهد الديني الذي أتى منه، فالعلم والمعرفة اللذين يعرفهما ويفهمهما، هما العلم والمعرفة الشرعيين!
يجب أن لا تخدعنا هذه الألقاب العلمية الرفيعة، والإبتسامات المرسومة على وجوه النخب، والكلام الذي يتدفق شهداً من أفواه الساسة والمفكرين العرب والمسلمين، فغالبيتهم العظمى تحمل ذلك الفقيه التقليدي في أقرب الجيوب إليهم، وتنظر لقانون السبب والنتيجة وكأنه إرث استعماري يتوجب التخلص منه في أقرب فرصة! أين مقر نشاط السيد/ سامي الحاج الذي إبتدرنا مقالتنا هذه به، والذي من خلال حالته أوضحنا مدى تغلغل الغلو في مخيلتنا العربية الإسلامية؟ أليس مقره قناة الجزيرة الممتلئة بأفضل تقنيات التواصل في العالم، والمشحونة بأنضر المذيعين والمذيعات وأذكاهم، والمكتظة بعدد، ربما يكون الأكبر في مجاله، من المحللين والباحثين والخبراء في كل مجالات الفكر والمعرفة؟
نستمر في إجابتنا عن كيفية الخروج من الأزمة، بالقول بأنه ليس هناك معالجة جذرية لهذا الثالوث المدمِّر، الغلو والتطرف والإرهاب، غير الإعتراف بأهمية قضية التنوير والاصلاح الديني ووضعهما في صدارة الاستراتيجيات الوطنية وقوائم الأولويات. إننا نتحدث عن إصلاح جذري يجب أن يستهدف مراجعة الأفكار و أن يطال الفقه والعلم الديني الموروث بما يؤدي لفتح كل الجسور والمعابر اللازمة لربط الدين بقضايا العصر. أيضاً، لا بد أن تنشد الإصلاحات المرجوّة إعادة المسجد لدوره كموقع للعبادة وليس منبراً للسياسة، وأن تتولى المؤسسة الدينية مهمة إرشاد الناس وتنظيم أمورهم فيما يلي عباداتهم وعقائدهم بدون تدخل في خيارات حياتهم. كما أنه من المحتّم أن يصحب برنامج التنوير والإصلاح، تحديث شامل للعملية التعليمية بأسرها لتتوافق مع المعايير المستخدمة في العالم المتقدم، وأن يتم فتح الإعلام ووسائط التواصل والمعرفة للطرح المستنير ويُبعد عنها جنود الظلام.إن المعالجة الجذرية التي ننشدها ليست أمراً يوكل لمراكز أبحاث أو لوسائط اعلامية! هي حزمة هائلة من الإصلاحات التي تفترض أن ينشغل بها كل العالم بمؤسساته المختلفة، حيث أن التحدي الماثل اليوم، انتقل جذرياً من حالة كونه مهدد محلي أو اقليمي، إلى مستوى تشكيله تحدٍّ كوكبي بالمعنى الحرفي!
إن التغيير ليس سهلاً، لكن العبرة بالبداية والتي من أهم خطواتها تحديد الجذور الحقيقية للمشكلة، وليس أعراضها كما هو سائد الآن. فالتغيير المطلوب يجب أن يضع حدوداً واضحة للعلاقة بين المؤسسة الدينية وبقية مؤسسات المجتمع والدولة، استناداً على قاعدة أن قرارات الفرد والمجتمع في مجالات السياسة والاقتصاد والعلم الطبيعي والإجتماعي، إنما هي قرارات دنيوية، متروك أمرها لذوي الاختصاص،وبالتأكيد فإن ما هو راشد في عالم السياسة والمجتمع والإقتصاد والعلم الطبيعي والإنساني لابد أن ينسجم مع قيم الدين الكلية ومقاصد أحكامه ومصالح الناس واتجاهات العصر.كما لابد لذلك التغيير المبتغى أن يستهدف مراجعة وتحديث منظومة الفقه الإسلامي جذرياً، بما في ذلك مبادئ ذلك الفقه وقواعده ومرجعياته، تلك التي وضعها بشر مثلنا، اجتهدوا وفقاً لقدراتهم وظروف زمانهم لتأسيسها، إلا أنها لم تعد تلبي إحتياجات عصرنا.
إن التغيير المأمول لن يبلغ غايته مالم يقبل رجال الدين بمبدأ أن المقصد والمصلحة مقدمان على النص، ومالم يوسعوا نطاق فقه الضرورة حتى تشمل، تلك الضرورة،كل ما من شأنه تقدم المجتمع؛ تماماً مثلما فعلوا في السر عندما منعوا الإسترقاق، وأباحوا التصوير، والجمارك، وكلها مما أباحه او منعه رسول الله (ص) لضرورات زمانه! لن تنسرب نسائم العقلانية، مالم يفهم المسلم المقيم بالغرب أن مصطلح "لحم حلال" إنما هو أمر هوس ديني، يغذيه أنبياء كذبة، فالدين أعلنها قبل أكثر من 14 قرناً أن طعام أهل الكتاب حل لنا!لن يحدث التغيير، مالم يَلْزَم العلماء حدهم،ويوقفوا تدخلهم الفظ في خصوصيات الناس، ليصبح من حق المرأة أن تقود سيارتها مرفوعة الرأس موفورة الكرامة! وليصبح ممكناً لإمرأة العصر أن تزيح هذا الحائط اللانساني البشع الذي فرضه عليها الكهنوت، باسم الحشمة، في تضاد مع العقل والذوق ومع ما كان في عهد رسول الله (ص) حيث كان النساء يتوضأن مع الرجال في طست واحد كما جاء بالحديث الصحيح!
إن ملامح الصحة والعافية لن تّشع مالم يمتثل المسلمون ويفهموا حديث الرسول (ص): "ما كان من أمر دينكم فعلي به وما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به" باعتباره يؤسس للتوازن بين مقتضيات الدين ومتطلبات الحياة بدون لولوة! و لن تتضح تلك الملامح، مالم يبعد علماء الدين أنفسهم عن الاقتصاد الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، والذي لم تكن دعائمه وممارساته الحالية موجودة، من الأساس، زمن الرسول (ص)! ولن تتضح ملامح الصحة المنشودة، ما لم يتوقف هذا الخداع والنفاق باسم الدين حيث بدلا عن أن يقرضك البنك، ما تطلب، بفائدة معلومة ومقبولة للطرفين مقابل إنتفاعك بماله، يخدعك الكهنة ليشتروا لك ما تريده ويبيعونه لك بربح أعلى من الفائدة، محولين المصرف الى تاجر يبيع بضاعة لا تظهر في مخازنه إلا عندما تطلبها أنت، وفي مخالفة لا ترمش لهم فيها عين، لحديث الرسول (ص)الناهي ببيع ما ليس عندك!
إن التقدم لن يتحقق مالم يمارس الطفل المسلم لعبة البوكيمون بدون أن ينهاه أحدهم عنها باعتبارها أمراً مخالفاً للدين! والإصلاح لن يقوم، مالم يوقف علماءالدين ارهابهم الظاهر والمستتر و يقبلوا بحق الحاكم في أن يعطل الرجم والقطع والجلد أسوة بالفاروق عمر، و له استبدالها بما يحقق مقتضى الدين في العدالة وحاجة العصر لحفظ كرامة الناس وأجسادهم!
إن المواهب لن تتفتح وتزهو، مالم يتوقف المحتالون ومحدودو الموهبة من أمثال الزنداني وزغلول النجار عن إحباط الدارسين والعارفين،وتنفيرهم عن تلقي العلم النافع بحجة أن الدين يحتوي على كل النظريات العلمية! إن الإبداع لن يسود مالم يبطل هؤلاء الكذبة خداع الناس باختزال الطب في الحجامة ولدغ النحل وكي السواعد وشرب بول البعير! إنه لن يكون هنالك صحة وعافية ما لم تبطل الكهانة تعديها على حقوق الخالق وتَدَخُّلها في اختصاصاته فتصنف هذا بالتقي، وذاك بالقوي الأمين، وآخر بالمنافق، ورابع بالكفر، وفقاً لحيثيات مصنوعة صنعاً!
مالم يحدث كل ذلك وغيره، سيظل المسلمون في ذيل العالم في كل مؤشرات التقدم! وما لم يحدث ذلك، لن يهنأ العالم بالسلام والأمان واالاستقرار!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.