احتفلت “أجراس الحرية” أمس الأول بالقاصة المبدعة والكاتبة بالصحيفة استيلا قايتانو تكريما مستحقا لشابة ذات وجدان سوداني ينبض بالحب والأمل، فعندما تكتب استيلا تنساب من مفرداتها و مجازاتها كل الأحلام الصغيرة والكبيرة، أحلام الذين هم على هامش المجتمع لا يحفل بهم أحد، ولكي تتحقق أحلام هؤلاء البسطاء الكادحين الفقراء الذين يكابدون في بلادنا بؤسا وشقاء مزدوجا لا بد من تطبيب الوجدان واستنهاضه للقيم الخيرة حتى يكون وقودا لحركة التغيير نحو وطن العدالة والمساواة، وطن التعدد والتنوع، وطن الإخاء الإنساني النبيل بين المختلفين دينيا وعرقيا وثقافيا، ذلك الإخاء الذي عصفت به الحروب الطويلة بكل قسوتها ووحشيتها، وإذا أردنا بعث أواصر ذلك الإخاء من جديد وإذا أردنا بذر بذور المحبة من جديد فلن تكفينا الثورات السياسية والخطط الاقتصادية والخطابات الإعلامية والمشاريع التنموية -على أهمية كل ذلك- ما لم نجعل ترميم الوجدان السوداني في صدارة مساعينا، ذلك الوجدان الذي شوهته العصبيات والتحيزات العنصرية فحجبت عنه كثيرا من الحقائق وجعلته في أحايين كثيرة عاجزا عن التفاعل مع معاناة أقوام هم منا ونحن منهم بسبب الحواجز المصطنعة، والأقدر على إزالة تلك الحواجز هم المبدعون الذين يؤثرون في الوجدان بالقلم والقرطاس والإزميل والوتر تأثيرا عميقا وخالدا يفوق تأثير أرتال من الخطب السياسية! صديقتنا الحبيبة استيلا ندخرها لهذا الدور العظيم وكم هي جديرة به! فقد أبدعت استيلا بخيالها الخصب ووجدانها الأكثر خصوبة في تصوير الزلزال الوطني الذي هز البلاد هزا ولم يهز وجدان الكثيرين بكل أسف! أي انشطار الوطن إلى دولتين! صورت ذلك في قصة قصيرة رائعة شبهت فيها الوطن(السودان) بالأم التي تنازع عليها ابناها فاحتكما إلى قاض فحكم بأن تقسم الأم مناصفة بينهما ظنا منه(أي القاضي) بأن هذا الحكم سيظهر الابن الحقيقي أي الذي يعترض على التقسيم وذلك بناء على خبرته القديمة عندما جاءت إليه امرأتان تتنازعان على ابن وعندما حكم بتقسيمه جزعت الأم الحقيقية واختارت أن تتركه للمرأة المدعية إشفاقا عليه من تقطيع الأوصال! ولكن القاضي لم تسعفه حكمته القديمة حيث قبل الابنان بتقسيم الأم مناصفة بينهما!! ثم تتوالى أحداث القصة المثيرة إلى نهايتها، وسوف أسعى لإعادة نشرها في أجراس الحرية في أحد الأعداد القادمة، ولكن أهم ما استوقفني فيها هو هذه العبارات التي لخصت كل مشاعر الألم التي اعتصرت وجدان الوحدويين شمالا وجنوبا رغم تفهمهم للظروف الموضوعية التي دفعت الجنوب للاستقلال: (نفذ الحكم وكان السياف يعمل بسيفه جيئة وذهابا شاطرا الام الى نصفين .. نصف ام وامة .. نصف عقل وعلم .. نصف بصر وبصيرة .. نصف حنان و حنين .. نصف ذكرى وذاكرة .. نصف قلب وفؤاد .. نصف فرح وحزن .. نصف ضحكة وابتسامة .. نصف دمع وعرق .. نصف دفء وحضن .. نصف لحم ودم .. نصف احشاء وعظم .. نصف رحم وامومة ...نصف ...و....نصف ...نصف...ونصف الى نصفُ نصفِ ونصف ولكن كان وحده يقف هناك .. الالم في كامل حضوره ! يقف بين نصفي جثة!)