رحم الله عمنا حسون ، فقد كان رجال بيوت حينا المجاورة لبيته في سبعينيات القرن الماضي، يتناولون طعام العشاء أمام منزله، كونه كبيرهم . رحمهم الله جميعاً. وكانت هذه عادة شائعة .كانت وجبة العشاء تتلو الباقيات الصالحات من صلاة العشاء مباشرة. وبعض النسوة كن يخرجنها قبيل الصلاة خوف التأخير وغضب الأزواج .فلا تلفاز يلهي . وكان المذياع وصوت العرب وركن السودان هو المسلي .أما إن أتى أحدهم بمسجل بأشرطة الريل أو الكاست لاحقاً بأغان نوبية أو وردي.فقد بلغ الناس كل المراد.الكل كانوا يؤدون الصلاة بالقرب من منزل حسوني. إلا المرحوم نوري الذي كان يحضر من وقت لآخر، فقد كان يحرص عليها في المسجد ويلحق بهم. تأخر عنهم ذات ليلة وأتى وهم متبرمون . وعندما استوضحوه في الأمر، تحوقل ونبأهم عما قال به الواعظ بعد صلاة العشاء عن هول الجحيم واننا في غفلة.هنا انفجر عمنا حسوني بعد بسملة استنكارية تقال عادة متلازمة مع احدى البديهيات. قالها بكلمة واحدة نوبية (تا هَكَكْوجِريّنَن ). وترجمتها، فقط يريديون شينا وإحراقنا ! أليس لصلاتنا التي أديناها وصيامنا وما نخرجه من زروعنا ما يقينا ؟ أم أنهم لا يأبهون بها؟ كان ما قال به على عفويته، هو رد الفعل العام على نشاط حركة الإخوان المسلمين وانصار السنة المتزايد وقتها. وتسفيه ما عليه الناس في سبيل الدعوة إلى مناهجهم. والتي سرت فينا بفعل عاديات الزمان على عهودنا هذه.فأصبح كل شئ يصنف بين حلال منصوص عليه أوحرام ولا شئ سواهما ( حصر الدكتور محمد شحرور المحرمات في اربعة عشر محرماً فقط جاءت بنص التحريم في المصحف أما المنهيات والمجتنبات فليس منها وما دونها حلال مقيد يقوم به الحاكم وفق الحاجة .ولا سلطة لغير الله في التحريم. فنبيه الكريم نفسه قال لا احلل حراما ولا احرم حلالاً). وقد كونت الهيئات والمجالس على ضوء أفكارهم وعضوية منسوبيهم. والأنكى أنها صارت تتأثر بأدبيات النظام الحاكم..فما درج الناس على تسميته بالمعلوم من الدين بالضرورة. أصبح من ( الثوابت).كما ورد في بيان ينسب إلى هيئة علماء السودان او مجمع الفقه لا أذكر فقد تشابه علينا البقر..البيان الذي يدعو مبارك الفاضل بالاستغفار والتوبة إلى الله في حديث عارض جره إليه الطاهر حسن التوم جراً..بصرف النظر عن موقفي من تصريحات مبارك الفاضل الذي يمثل بنظري نموذجاً يشابه أبن عمه السيد الصادق المهدي في عدم الصبر على التغريد داخل السرب طويلاً ، ما يجعل اختياراتهم كارثية على الآخرين في حزبهم وعموم المعارضة. لذا يتنافر القطبان المتشابهان. لكن أن يحكم على تصريحاته بالكفر والذنب الذي يجب الاستغفار والتوبة إلى الله منه، فهذا يمثل عمق الأزمة التي نعيشها ، ليس نحن فقط ، ولكن المنطقة العربية والاسلامية. فما تركه رب العالمين للناس والتصرف فيه وفقاً لمقتضيات الحال ،ليس مكاناً للتحريم ممن لم يعطهم الله سلطة التحريم رحمة منه على عباده . وإلا لحرم علينا الماء والهواء. فلن نستغرب إذا ما خرج علينا يوماً من يدعو من اكل العدس والبصل بالاستغفار والتوبة إلى الله كونه قد شابه اليهود واستبدل الذي هو ادنى بالذي هو خير. بجملة واحدة، لقد آن أوان غير ذلك. [email protected]