1- بهدوء شديد وبلا ضوضاء ، مرت بالامس الثلاثاء 5 سبتمبر الحالي 2017، الذكري الثانية والاربعين علي محاولة الانقلاب العسكري التي قام بها المقدم حسن حسين عام 1975 ، ودخلت تاريخ الانقلابات العسكرية كأول (انقلاب اسلامي) في السودان. 2- ***- بكل المقاييس العسكرية (علي لسان الجنرالات الذين عاصروا وقتها هذا الانقلاب)، ان انقلاب المقدم حسن حسين يعتبر من أغرب واعجب الانقلابات التي وقعت علي الاطلاق في هذا البلد المنكوب بالانقلابات منذ عام 1955(تمرد حامية توريت) وحتي انقلاب عام1989، بل وان الكثيرين من اهل السودان مازالوا حتي اليوم غير مصدقين ان تكون الانقلابات سهلة وممكن وقوعها بهذا الشكل (السبهللي) كما انقلاب حسن حسين!! 3- 3- تقول احداث ووقائع الانقلاب تمامآ كما وقعت في يوم 5 سبتمبر 1975: *********************** (أ)- في صباح يوم الجمعة 5 سبتمبر عام 1975، توجه المقدم حسن حسين عثمان وهو علي ظهر دبابة ومعه جندي واحد فقط بخلاف سائق الدبابة الي امدرمان قاصدآ مبني الاذاعة ليلقي بيان انقلابه العسكري رقم واحد. (ب)- ***- دخل المقدم حسن حسين مبني الاذاعة بدبابته العتيقة، وهناك قدمه المذيع كمال محمد الطيب، القي المقدم بيانه العسكري رقم واحد. (ج)- ***- وعلي غير ما هو متوقع أو بدون مقدمات، استيقظ المواطنين في صباح هذا اليوم علي موسيقي المارشات العسكرية، وبعدها استمعوا الي بيان المقدم حسن حسين الذي علن فيه الإستيلاء علي السلطة!! (د)- ***- كان أكثر ما شد انتباة المواطنين في البيان واستغرابهم ، الي حل جهاز( توتو كورة )، وهو نظام مراهنات علي مباريات كرة القدم تبنته وزارة الشباب والرياضة وقتها. (ه)- ***- ظهر لاحقآ، ان البيان الذي اذاعه المقدم حسن حسين لم يكن هو البيان الاصلي المعد في الخطة، ففي غمرة الاستعجال وضيق الوقت نسي المقدم حسن ان ياخذ البيان وتركه في منزله، وعندما وصل الي الاذاعة في امدرمان اكتشف الامر، فأعد بيان اخر علي عجل اثناء وجوده في الاستوديو، وهو ما سمعه الناس!! (و)- ***- قيل وقتها، ان البيان الرئيسي إشتمل علي قرارين مهمين، أحدهما التشكيل الوزاري الجديد برئاسة الدكتور حسن الترابي، والدكتور عون الشريف، والاب فليب غبوش ودفع الله الحاج يوسف كوزير للخارجية. ***- أما القرار الثاني، فقد تم فيه تغيير اسم جمهورية السودان الديقراطية إلي (جمهورية السودان الاسلامية الديمقراطية الشعبية)، وجاء في القرار الثاني ايضآ، حل الاتحاد الاشتراكي، وإغلاق البارات، والانادي، والملاهي. (ز)- ***- بعد ان قرأ حسن بيانه العسكري، خرج من الأذاعة تاركآ خلفه الدبابة الوحيدة والجندي ليحرسا الاذاعة!! (ح)- ***- ولكن الضابطين شامبي وحماد الإحمير (وهما من رفقاء حسن حسين في الانقلاب) ومعهما ثلاثة جنود، جاءوا الي الاذاعة، وأخذوا الدبابة الوحيدة من قلب فناء الاذاعة، وذهبوا بها إلى سجن كوبر لإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين السياسيين، وتمكنوا بالفعل من إطلاق سراح بعضهم. (ط)- ***- في وقت لاحق من نفس اليوم، وبصورة عاجلة للغاية، اعلن حسن حسين اطلاق الحريات العامة، واكد على حرية الصحافة، واستقلال القضاء، وحرمة الجامعات. (ك)- ***- من غرائب المعلومات التي وردت عن الانقلاب، ان الانقلابيين لم يلجاء قبل انقلابهم الي إجتماعات مغلقة او في أماكن نائية حرصآ علي سلامتهم وتامين انقلابهم، وبعيدآ عن اعين الاستخبارات العسكرية، وإنما اجتمعوا جهارآ نهارآ في ميادين عامة...وبوجة خاص في الحديقة الواقعة جنوب القصر الجمهوري (ساحة الشهداء)!! (ل)- ***- لم تكن المحاولة الانقلابية بحاجة الي جهد خارق من قبل ضباط وجنود القوات المسلحة لتطوقها وإخمادها بسهولة، فقد أمكن سحقها بكل بساطة بعد ساعات قليلة من إذاعة البيان العسكري رقم واحد. 4- ***- دخل قائد الانقلاب الجديد المقدم حسن حسين قبيل فشل انقلابه في مشاكل كبيرة مع ضباط القيادة العامة الذين اعربوا صراحة عن رأيهم في الانقلاب وانه غير مقبول ولا يوافقونه علي ما قام به، ولن يشتركوا معه فيه حتي وان نجح الانقلاب ، الجنرالات الكبار والقادة العسكريين سخروا بشدة من طريقة اعداد محاولة الانقلاب ووصفوها ب(انقلاب اولاد الكشافة )!!، ونقدوا ايضآ بشدة جارحة البيان العسكري الاول الهزيل. 5- ***- تطور النقاش الحاد بينهم وتعالت الاصوات والتهديدات المصحوبة بالتشنج ، وكادت ان تنتقل الي مرحلة التماسك بالايادي، عندها وفي ظل هذا الجو المتوتر سحب الملازم كمال محمد أحمد مسدسه الحربي وصوبه نحو المقدم حسن حسين في محاولة لاغتياله، واصابته الرصاصة اصابته اصابة بليغة، وتم على إثرها اعتقال الجريح حسن حسين الي المستشفي للعلاج تحت حراسه مشددة. 6- ***- بعدها تطورت الاحداث سريعآ بصورة متلاحقة، فقد اتجهت قوات من الضباط والجنود برئاسة الرائد ابوالقاسم محمد ابراهيم إلى الإذاعة، ودخلها بدون مقاومة لانه اصلآ لم يكن هناك من يقاوم ، أذاع الرائد أبو القاسم بيانا أعلن فيه دحر الحركة الانقلابية وقبرها ، ومن طرائف الاحداث وقتها، ان أن المذيع الراحل الدكتور أبوبكر عوض سارع بارتداء الزي العسكري وتسلح ببندقية لنصرة انقلاب حسن حسين، وتم اعتقاله بدون مقاومة، ويقال إن المذيع أبوبكر كان ضابط بالكلية الحربية وفصل منها. 7- ***-اللواء جعفر النميري (وقتها) كان قد هرب سرآ من منزله لحظة سماعه خبر الانقلاب ولم يعرف احد له مكان حتي اقرب الناس اليه، وفجأة سمع الناس صوته فيما بعد من إذاعة أمدرمان بعد فشل الانقلاب، وراح يشيد بيقظة الشعب والجيش وقال: (ان ماحدث يثير الدروس والعبر، ويستوجب الوقوف عنده، فقد هزمنا الطائفية في عقر دارها بالجزيرة آبا، وهزمنا الشيوعية وإنقلاب 19 يوليو ، ودحرنا احداث شعبان في جامعة الخرطوم). 8- ***- تم وبكل سهولة اعتقال الضباط والجنود الذين قاموا بهذا الانقلاب، وقدموا للمحاكمة العاجلة، وتمت المحاكمات في مدينة عطبرة ،وصدرت الاحكام السريعة (كالعادة) باعدامهم. 9- ***- أخذو إلى ساحة الموت في منطقة خلوية اسمها (وادي الحمار)، ***- الجميع تلقوا الموت بشجاعة وبسالة، بل ان الملازم أول عبد الرحمن شامبي استطاع أن ينتزع بندقية أحد الجنود بالقوة في محاولة منه قتل جلاديه، لكن البندقية كانت خالية من الذخيرة!! 10- ***- والذين تم إعدامهم هم: بالإضافة لحسن حسين: ***- الرائد حامد فتح الله، ***- النقيب محمد محمود التوم، ***- والملازم أول عبد الرحمن شامبي نواي، ***- والملازم أول حماد الإحيمر، ***- والملازم أول طيار القاسم محمد هارون ***- والسيد عباس برشم، وكان من طلاب جامعة الخرطوم ومحركاً لأحداث شعبان، ***- بالإضافة إلى ستة عشر آخرين من الرتب الأخرى. 10- ***- السيد عبد الرحمن إدريس ، كان شريكاً أصيلا مع حسن حسين في الإعداد والتخطيط ، ولكنه عندما أحس بفشل الانقلاب آثر الهرب، وقد ظلت وسائل الإعلام تدعو الناس لاعتقاله، القاضي الهارب أو هكذا أسموه ولم يعد ثانية إلى أرض الوطن إلاّ مع المصالحة الوطنية حيث عينه النميري أميناً مناوباً للاتحاد الاشتراكي. 11- أسباب فشل الانقلاب يمكن تحديده فيما يلي: ************************** (أ)- باستثناء المقدم حسن حسين، والحكمدار الطيب أحمد حسين، فإن كل العناصر التي شاركت في التنفيذ كانت من صغار الضباط وصف الضباط الذين لا قبل لهم بالمهمة الجسيمة التي تحركوا من أجلها. (ب)- ***- فشل بعض الجنود المكلفين في تنفيذ بعض المهام التي كلفوا بها. (ج)- ***- تحرك المنفذون كلٌّ بطريقته دون التقيد بالخطة الموضوعة. (د)- ***- تسربت كثير من المعلومات العسكرية عن الانقلابيين مما حدا بالنميري ان يترك بيته، ويهرب سرآ الي منزل السيد/ بابتوت في الخرطوم بحري، وهو أحد أصدقاءه القدامي من العسكريين، وبالتالي فشل الانقلابيين في اعتقاله أو اعتقال أي من رموز النظام، أو احتلال أي موقع إستراتيجي من المواقع الرئيسية في الخرطوم، بل وفرطوا حتي في الإذاعة. (ه)- ***- لم تكن هناك أي خطة للانسحاب او المقاومة في حالة فشل الانقلاب، مما سهل القاء القبض عليهم بسهولة. (و)- ***- الأسلوب الذي تم به تنفيذ الانقلاب منذ بدايته بدائيآ وممعن في الارتجالية وعدم الانضباط، ومسالم للحد البعيد، كانت محاولة انقلاب اشبه بلعبة مسلية وليس انقلاب عسكري. (ز)- ***- كل الانقلابيين العسكريين منهم والمدنيين حصروا انفسهم في جهوية واحدة هي غرب السودان (دارفور وكردفان) دون اشراك الضباط الاخرين معهم. (ح)- ***- قائد الانقلاب حسن حسين باشر المهمة بنفسه برجولة وجسارة (زايدة حبتين)، وكانت النتيجة أن أصيب واعتقل بعد ساعة من بيانه الأول والأخير ، وأصبح الانقلاب بلا رأس أو رئيس!!