هل يا ترى تُدرك قياداتنا السياسية التي تحكمنا منذ الاستقلال ما عليه الوطن الآن؟ دون الرجوع إلى كل الاتفاقيات التي تمّ توقيعها خلال فترات التاريخ السوداني الحديث والتي فشلت جميعها في أن تُحقِّق الحد الأدنى من الاتفاق على مسألة وطنية واحدة، فمنذ ما بعد استقلال السودان وحتى بعد أن استقل فيه جزء آخر، لا يزال السياسيون والنخب يتقاتلون، كما لا يزالوا يدورون حول فلكٍ واحدٍ، لقد استغرقوا كل الزمن في الحديث، كثر الحديث وقلّ الفعل للدرجة التي أوصلت عدد الأحزاب إلى 100 حزب سياسي ويزيد، جميعها لم تستطع إنجاز شئٍ مُحَدّدٍ وهذا ربما يُفسِّر مُباشرةً انعدام البرامج وانعدام الرؤية فأصبحت غالبية ساحقة من الأحزاب مُجرّد واجهات مصنوعة لتحقيق مكاسب المُشاركة في السلطة. هذا الكم الهائل من الأحزاب والكيانات السِّياسيّة لو أنّ رُبعها أو أقل كانت له رؤية واضحة وبرنامج مُحدّد لإنجازه لاختلف الوضع تماماً، لكن غالبيتها من صنع يد السلطة تُحرِّكها يمنةً وقتما شاءت وتُحرِّكها يسرى كيفما شاءت، والنتيجة في آخر الأمر المزيد من التكاليف الباهظة في المال والوقت وكل ذلك على حساب هذا المُواطن وعلى حساب الوطن قبله، ففي صباح كل يوم الوضع ينذر بأنّ الخطر يُحيط بالبلاد من كل صوبٍ وأنّ الطريق الذي يسير فيه مركب هذا الوطن يوصل إلى حافة الهاوية. الأوضاع تتطوّر باتجاه الانهيار بسُرعة بالغة، الجميع يرى كل عناصر الانهيار بأم عينيه ويتساءل كيف لا يزال الوضع صَامداً، الحقيقة أنّه يَنهار بصمتٍ، يَنهار بطريقته، يجري هذا بينما الأطراف التي تتحكّم في مصير الوطن تقف عند ذات المَحطة فلا هي تحرّكت وقامت بالفعل ولا هي تراجعت لخيارٍ آخر. القوى التي تحكم قبضتها داخل السلطة لا ترى ما يراه الآخرون، لها منظارها الخاص الذي لن يتبدّل إلاّ أن تنقلب الأوضاع رأساً على عقب، فالسلطة تُصيب بالعمى، عمى البصيرة والبصر وتجعل كل الوطن أمام خيار الانهيار الشامل، فليس هناك مُجرّد أمل أن يتبدّل منظار السلطة إلاّ بالقيام من على هذا الكرسي وهذا ما لن يحدث، التجارب التي حولنا جميعها تُؤكِّد هذه النظرية "السلطة عمياء". نحتاج عاجلاً إلى فرصة تاريخية نصنعها بأيدينا بعيداً عن الوساطة والمبعوثين.. فرصة سودانية خالصة تضع نقطة النهاية لهذا العجز الذي بات ملازماً لكل الأطراف، فرصة توقف تمدد اليأس الذي بات عنواناً، فرصة تنقذ الوطن. التيار