رغم أن الجهات الرسمية لم تُعبِّر عن فرحتها بالقرار الأمريكي التاريخي، الذي قضى برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان بشكل نهائي، والتي فُرضت على السودان في بواكير الإنقاذ، لتطوى الإنقاذ سنوات عجاف من عُمرها، وتدخل مرحلة جديدة كلياً في علاقتها مع أمريكا. رغم التحفظ الرسمي على إبداء مظاهر الفرح بحجم الانتظار والترقب والثمن المدفوع لأجله، إلاّ أنّ ذلك لا ينقص من المكاسب السياسية الهائلة التي حقّقها القرار. صحيح، القرار لن ينعكس أثره على الأسعار، بالتأكيد ما لم يتبع ذلك عمل جاد، وهذا أصبح غير مأمول فيه في ظل الوضع الحالي الذي نخره الفساد، لكن القرار مَكاسبه السياسية هائلة، وعلى الرغم من أنّ السؤال الذي يسيطر على الجميع (ماذا قدّمت الخرطوم) لا يزال قائماً، إلاّ أنّ الواقع يقول إنّ الخرطوم أنجزت مُساومة كبرى، ظاهرها الموقف من إيران وكذا الموقف من الخليج الذي دعم موقف السودان، لكن الباطن لم يتكشف بعد. القرار الأمريكي الذي صدرَ مساء الجمعة، رغم أنه مُتوقّعٌ منذ فترة، خاصة بالنسبة لقوى الضغط التي خاضت معارك متصلة لإجهاض القرار، لكن الإعلان الرسمي خلّف صدمة عاتية في هذه الأوساط، ودونكم، البيان الذي أصدره كبير الديمقراطيين في الكونغرس، جيم ماكغفرن، المُناهض لرفع العُقُوبات والذي خاض معارك مُتواصلة آخرها الحملة بصحبة أكثر من 50 عضواً في الكونغرس. ماكغفرن أدان القرار مباشرة وعبر عن خيبة أمله، ولوّح بمشروع عقوبات جديد إذا تراجعت الخرطوم.. وبين كلماته تقرأ، أن كل شيء تسرب من بين يدي هذه القوى، وأن ما حدث بين الخرطوموواشنطن غير معلوم ثمنه، غير معلوم للجميع. بيان الخارجية الأمريكية يتحدث عن تقدمٍ مُحرزٍ في مجال حُقُوق الإنسان، لكن الواقع غير ذلك، وفقاً لمعايير الابتزاز الدولية، ما يعني أن القضية أكبر من أن تتقدّمها حُقُوق إنسان أو خلافه. بعض الناس يتحدّثون عن شرط أمريكي خفي، يُغادر على إثره الرئيس سدة الحكم طواعية بعد رفع العقوبات، ويبدو هذا الشرط أقرب لأن يكون معكوسا تماماً. الآن، الرئيس يتساقط عليه رطبا جنيا.. أمريكا تمنح البشير وساماً رفيعاً وتعلقه في صدره.. وبعيداً عن الداخل الذي هو خارج هذه المُعادلة، فإن واشنطن منحت البشير مكاسب سياسية رفيعة في وقت كادت تنعدم مثل هذه المكاسب داخلياً.. باختصار، القرار يُعتبر بطاقة عبور للبشير إلى مرحلة جديدة. التيار [email protected]