1 اليوم، الاثنين 30 اكتوبر 2017، تجئ الذكري الثالثة والخمسين علي تنحي الفريق ابراهيم عبود من السلطة ، وحل المجلس العسكري الذي حكم البلاد من (17 نوفمبر 1958 وحتي 21 اكتوبر 1964) ، وتسليم الحكم للشعب. 2 *** في هذا اليوم قبل ثلاثة وخمسين عامآ مضت، ادي سر الختم الخليفة القسم كرئيس وزراء لحكومة انتقالية تحكم البلاد حتي الانتخابات القادمة، وبعد اداء القسم ودع الفريق ابراهيم عبود واعضاء المجلس القدامي القصر الجمهوري الي الابد، وركب عبود عربته الخاصة من القصر واتجه بها الي منزله المتواضع في حي "العمارات" بالخرطوم شارع 49، ثم بدأ يختفي تدريجياً عن المشهد السياسي في البلاد إلى أن رحل في عام سبتمبر (1983). 3 *** قال نبينا "الكريم محمد:(واعطوا لكل ذي حق حقه)، *** في هذه المقالة اليوم، رأيت (عملآ بنصيحة نبينا الكريم)، ان اكتب عن الراحل الفريق عبود، واعطيه حقه من الاحترام ، وان اذكر بعض من محاسنه، والتي كانت اولها التواضع الي الحد البعيد، وحبه للناس االبسطاء، قالت ابنة الراحل عبود ابنته (سلمى): "لم تكن تواجه زائري منزل القائد العام أو رئيس الدولة أي عقبات أو مشكلات عند رغبتهم في التواصل الاجتماعي مع أهل الدار، فعندما كنا نسكن في منزل شارع الجمهورية كان يوجد حرس في الجهة الشمالية من المنزل، أما الجهة الجنوبية فكانت خالية تماماً من الحراس، وكان الحائط قصيراً والباب قصيراً، وكان متاحاً للجميع الدخول عبره وما كان عليهم سوى مد يدهم إلى الداخل ومن ثم فتح الباب وتتم هذه العملية بكل يسر وسلاسة، أما عند انتقالنا للمبنى الملحق بالقصر الجمهوري فلم يختلف الأمر كثيراً، فقط كان يخبر الحرس الذي يقف أمام الباب والدتي بأن هناك زائراً أو زائرة، ويسمح لهم بعد ذلك بالدخول دون أي تقيُّد بمواعيد مسبقة أو إخطار قبل وقت كافٍ… في هذا المنزل البسيط المكوَّن من أربع غرف استقبل الفريق عبود أكبر زوَّار السودان في ذلك العهد وهما الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس ليونيد برجنيف). 4 *** كان الفريق ابراهيم عبود يتميز بالصرامة الشديدة بحكم انه تخرج وتدرب علي ايدي ضباط بريطانيين كانوا هم القادة العسكريين في (قوة دفاع السودان) ، انضباطه العسكري انعكس بصورة كبيرة علي قراراته الخاصة بالشأن السوداني، كانت قرارات تنفذ في الحال (ليس كما الحال الان في زمن المشير البشير، الذي اصبحت قراراته الجمهورية اشبه بورق المناديل بعد الاستعمال!!) . 5 *** كانت عنده (الكاريزما) التي اجبرت جميع رؤساء العالم علي احترامه، لهذا لم يكن غريبآ علي الاطلاق، انه عندما زار مدينة لندن 1961، طاف مع الملكة اليزابيث في شوارع المدينة علي مركبتها الملكية التي تجرها الاحصنة، وقامت الجماهير التي جاءت خصيصآ باستقباله احسن استقبال، وهو شيء غير عادي ان تطوف الملكة مع الرؤساء ،الا عند ما يكون الضيف صاحب مكانة عالمية. *** استقبله ملكة بريطانيا بكل احترام ، وهناك العديد من رؤساء دول لم تمنحهم الحكومة حتى تأشيرة الدخول!! 6 *** شتان ما بين زيارة الفريق عبود الي لندن، وزيارة المشير البشير الاخيرة الي دولة قطر قبل ايام قليلة مضت، حيث استقبله في مطار الدوحة وزير الثقافة والرياضة!!، والمشكلة الكبري،ان البشير حتي الان لم يفهم مغزي عدم استقبال الشيخ تميم له في المطار وارسال وزير بدل عنه!! 7 *** الفريق ابراهيم كانت عنده الهيبة والاحترام من الجميع، حتي الذين ناصبوه العداء امثال: (عبد الرحمن المهدي، اسماعيل الازهري، الشريف الهندي، الحزب الشيوعي السوداني، الشيخ علي عبد الرحمن رئيس "حزب الشعب الديمقراطي"، اتحاد العمال)، كانوا يحترمونه، ولم يحدث اطلاقآ ان قامت جهة معارضة باتهام عبود في شخصه وبانه كان فاسد ونهب من المال العادي، او اثري علي حساب عمولات واختلاسات. 8 *** في تحقيق صحفي اجرته جريدة (الحياة) مع الفريق الفاتح بشارة ، الذي شغل منصب مدير مكتب الرئيس طوال زمن عبود للبلاد، سال الصحفي الفريق بشارة السؤال التالي: ماذا حصل للفريق ابراهيم عبود في آخر يوم له في الحكم؟!! وكانت الاجابة: طلب مني وزراء حكومة سر الختم الخليفة في آخر يوم للفريق عبود في القصر الجمهوري أن أعرف منه تحديداً إن كانت له طلبات خاصة أو شخصية. فأبلغني بأنه يتمنى على الحكومة الجديدة أن توافق على استمرار قيام بنك السودان المصرف المركزي بتحويل مصاريف ابنه محمد الذي كان يدرس الهندسة في انكلترا. واجتمعت الحكومة ووافقت على الطلب، وأصدرت قراراً بأن يتحول الراتب الشهري للفريق عبود، وكان يبلغ (130) جنيهاً سودانياً، معاشاً دائماً. 9 *** خرج عبود من السلطة كما دخلها، وجاء في احدي الروايات عنه: (عبود انتقل من القصر الجمهوري ء مقره الرسمي الى منزل ابن أخيه الفاتح عبدون، ثم انتقل لاحقاً الى منزله في شارع 49 في حي امتدادا الدرجة الاولى في الخرطوم. وتفضل الرئيس السابق جعفر نميري فأمر بحراسة دائمة للفريق عبود، وذلك في اعقاب حادث اقتحام لص منزل الرئيس الراحل وتهديده بسكين معتقداً أن عبود يملك ثروة طائلة. واتصلت حرمه السيدة سكينة بنميري وأبلغته بالحادث فأمر فوراً بوضع حراسة دائمة أمام المنزل. 10 *** قال الفاتح بشارة ايضآ عن عبود: (أذكر أني اتصلت بالرئيس نميري وأبلغته بأن قرينة الفريق عبود مريضة، فأمر بأن تتحمل الدولة علاجها في بريطانيا مع مرافق. وأصدر لاحقاً قراراً آخر بتعديل معاش عبود). *** ومن المفارقات أن "حكومة اكتوبر" التي ارغمت عبود على التنحي هي التي سمته "رئيس دولة"، بينما كان هو يصف نفسه دوماً بلقب "رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة". كما أن تلك الحكومة نفسها منحته سلطات "رأس الدولة"، وكانت تلك السلطات موزعة في السابق على أعضاء المجلس الاعلى الحاكم. 11 *** كل الحكومات التي أتت بعد تنحيه من الحكم حرصت على احترامه والتعامل معه بما يحفظ له كرامته ومكانته لدى أبناء شعبه، وسعت "جبهة الهيئات" الى اعتقال عدد من زملائه ووزير الخارجية المحامي أحمد خير ونقلوا الى سجن زالنجي في أقصى غرب البلاد ، وهي من السلبيات التي تحسب على "جبهة الهيئات" ، وبعد ذلك حصلت الجبهة على أمر قضائي يقضي باعتقال الرئيس عبود، غير ان القائد العام للجيش ونائبه تدخلا لمنع تنفيذ القرار. 12 يكمل الفاتح بشارة ذكرياته عن عبود: *** كانت حرمه السيدة سكينة عليها الرحمة امرأة سودانية فاضلة ووقورة، ولم تكن تطيق البروتوكول ومتطلبات الزيارات الرسمية للرئيس، وأوقعنا ذلك في إشكالات كثيرة. أذكر أن جاكلين حرم الرئيس الاميركي جون كينيدي رفضت حضور مأدبة غداء رسمية أقامها زوجها في البيت الابيض على شرف الرئيس عبود، ما لم تحضرها زوجة الضيف. فأسقط في يدنا لأن قرينة الرئيس بقيت في الخرطوم، فاضطررنا الى "استعارة" زوجة سفير السودان لدى الولاياتالمتحدة لتقف بجوار عبود. 13 *** كان في سنواته الأخيرة يخلد الى التعبد. كان متديناً بطبعه. وذكر لي أنه أدى شعائر الحج والعمرة العام 1918وكان ضابطاً برتبة ملازم. وكان الحج آنذاك عملاً شاقاً، ينطوي على السفر بالجمال ثم بالسفن عبر البحر الاحمر. وقال لي الرئيس الراحل إنه اضطر للسير بين مكة وعرفات ومنى. 14 *** شتان مابين اول رئيس سوداني عسكري، بعد تنحيه سلم السودان لمن بعده موحد مترابطة كل اجزاءه ، وما بين الرئيس الحالي الذي رغم فشله فشل ذريع في حكم البلاد، وفرط في جنوب الوادي، وتساهل في استرداد حلايب والفشقة، ولا بسط نفوذه في منطقة ابيي، وباع القوات المسلحة للسعودية، رغم كل هذه المحن مازال في الحكم ويطمع في رئاسة ثالثة!! 15 *** شتان ما بين عبود الذي زار بريطانيا وامريكا، *** والبشير الذي ما استطاع ان يدخل معسكر "كلمة"!! 16 ملحوظة: كاتب هذه المقالة سبق ان اعتقل وسجن في زمن حكم عبود بسبب اشتراكه في مظاهرة نظمتها الاحزاب الوطنية تضمنآ مع النوبيين ضد قرار المجلس العسكري ترحيل كل النوبيين من مناطقهم في شمال البلاد الي منطقة "خشم القربة" التي انتشر فيها مرض سرطان "الاسبستوس"، ولكن رغم الاعتقال والسجن ، فان هذا لا يمنع ان اعطي عبود حقه من الاحترام. [email protected]