في هذا اليوم تمر الذكري الخامسة لتجربة اعتقالي المريرة و انا اكثر تماسكا و ادراكا و توازنا فقد تعلمت الكثير من هذه التجربة رغم انها لم تكن التجربة الاولي لي في الاعتقال لكنها كانت الاكثر انتهاكا و ايلاما و خسارة ، و من هنا اود التنويه بانني مواطنةسودانية احاول ان اعمل واجبي تجاه وطني ، لست مناضلة او ناشطة او اود تقديم نفسي بغير ما انا عليه ، فانا من دعاة الحرية و انصار السلام و طالبي العدالة لا غير ، لا انتمي لحزب او اي تنظيم ، كل ما قدمته في دارفور و جبال النوبة كان تطوعا مني و واجب لا اكثر و معي اخرين كُثُر يقومون بواجبهم بصمت و حب و تجرد لا متناهي ، ياتون من اقاصي الدنيا لمؤازرة اخوتهم و نقل معاناتهم دون اعلام و ترميز او تنافس بسوق النضال ، هؤلاء هم الاخوة و الزاد و من وصفهم الشاعر محمد المهدي عبد الوهاب في رائعة مصطفي سيد احمد ب ( و كانوا اخوان في الانسانية جلست معاهم و اتفاكرنا كم لفينا و كم ساهرنا كم مازحنا ليالي الصيف و كم غنينا للحرية ) اذن ما نقوم به هو الواجب تجاه شعبنا لا اكثر و هو ما يجب ان يفعله اي انسان لاجل حريته في سياق صراعه لاجل وطن ديمقراطي عادل و مواطنة بها حقوق مثلما لها واجبات ، سلكنا طريقا و نحن في كامل قناعتنا بما نفعل و لا نرجو شكر او عرفان كما اننا ما زلنا نقاتل لاجل ذات الهدف و قد فشلنا في صناعة التغيير الجذري الذي نتمناه ، اذن كنا نتوقع الاعتقال و الموت و السجون و اشياء اخري و ليس غريبا ان يتم اعتقالك او استهدافك بسبب تقاطع اجندتك الانسانية مع اجندتهم الامنية ، و انما الغريب في الامر هو انه عليك ان تُخطر ثوار الخرطوم اصحاب الاجندات السياسية عن من انت و ماذا تفعل و الي اين تذهب لانك ان لم تفعل سوف يتم التشكيك فيك و في كل ما قد حدث معك ليس لشيء فقط لانهم يعتبرونك منافسا لهم ، يتساءلون في بلاهة عن من انت ؟ و ماذا فعلت لتعتقل ؟ و كيف تعتقل و نحن اصلا لم نسمع بك او عن نشاطك ؟ تعلمت من هذه التجربة ان للنضال سوق و سماسرة و اسماء احتكارية و رموز هي من تسوق للمناضلين حسب تعريفهم للنضال و علي اساس المعرفة المسبقة للشخص او الانتماء الحزبي ، و هؤلاء للاسف مناطق وجودهم في الخرطوم لا يذهبون الي المناطق الملتهبة داخل البلاد مع اننا ناتي من خارج البلاد و نذهب اليها عبر الخرطوم ذاتها ، فرصد الانتهاكات يتطلب وجودك في ذات المناطق و يتطلب قناعتك بمشروعك الانساني و الفكري و هذا ما كنا نفعله متسلحين بان لكل اجلٍ كتاب و ان قدر لنا الموت و نحن نفعل ما نراه صائب فهذا هو قدرنا مثلما هو قدر الاف من الذين ماتوا في مناطقهم دون سبب يعلمونه غير ان الحكومة تستهدفهم لهويتهم ، المهم هو انني فعلت ما علي فعله و تعرضت لما هو متوقع ، و دفعت ثمن ذلك غبنا و قهرا و احساس بالهزيمة ، و تعرضت للكثير من الخسارات المعنوية علي راسها اني خسرت صديقتي راقية حسان ، انها خسارة تعادل جميع خساراتي المعنوية الاخري فقد كانت الصديقة الاخت ، ليس لدي صديقات في حياتي واحدة فقط صديقة الطفولة و فرقتنا الحياة و راقية ، تعرضت راقية للاعتقال من منزلها بسببي و تم استجوابها بخصوصي و انا كنت ما زلت رهن الاعتقال ، و عرفت ذلك بعد خروجي من المعتقل فطلبت منها ان تقوم بحظري علي فيسبوك حتي لا تحدث لها مشاكل بسببي و لم تطاوعها نفسها فاكتفت بالغاء الصداقة ، هذا الموقف سبب لي تانيب ضمير و احساس بالذنب فراقية حسان صحفية اقتصادية و سبق ان تعرضت كثيرا للاستدعاء لمكاتب الامن الاقتصادي بسبب عملها و لكن للمرة الاولي تعتقل لسبب يصنف سياسي ، لم تستطيع زيارتي للاطمئنان علي و لم استطيع زيارتها لذات السبب و التقينا في منزل اسرة صديق مشترك و هنالك عرفت موضوع اعتقالها و الاستجواب معها و نوع الأسئلة فخفت عليها لا سيما انني ساعود الي خارج الوطن و لكنها فيه و اي تقارب قد يعيدها للاعتقال مرةً اخري فتفارقنا و كلي اسف لما حدث لها بسببي ، و الي الان لم أستطيع مراسلتها و هي لم تفعل ايضا فهزمني الامن في راقية الراقية و لكنه لم يهزمني في صورتي امام نفسي و قناعاتي بما اؤمن به ، قلق اهلي و فقدان صديقتي كان رصيدي من الخسارات و احسبه من الخسارات الكبيرة جدا و لكنها لا تعني لهم شيئا و ما كان يعنيهم هو كسري معنويا و هزيمتي نفسيا و هذا ما لا يستطيع احدهم فعله ، فلا يعنيني من قام بتكذيبي لانه لا يعرفني او من شكك في صحة اعتقالي لانه يري هذا تنافسا له ، لست مناضلة او ناشطة او لي رغبة بالالقاب و الترميز فالحياة بهدوء اجمل ، حتي في مجال عملي الصحفي اكتب بمزاجي و وقتما اشاء لا احب الالتزام لاي شخص او تنظيم فانا من انصار الحرية لذلك لست سياسية و لا اود ، انتقد النظام وقتما اريد اكتب علي صفحتي ما اراه صحيحا من وجهة نظري و لا اهتم بمن لا يوافقني الراي فلست موجودة في مساحة للراي من اجل ارضاء الاخرين ، فكما قلت من قبل ( حينما يكون المستهدف وطناً يصبح الحياد خيانة و الصمت تواطوء) فالمكسب الحقيقي للانسان هو ان يكسب نفسه و ان تكون صلته بذاته متينة ، فتجربة الاعتقال الاخيرة لم تنتزع مني ذاتي و لم تقوم بتغيير قناعاتي رقم قساوتها و تداعياتها السابقة و اللاحقة ، و هنا احمد لذاتي المتانة و الصلابة و الاعتزاز بالنفس و كل ما افعله ، و اشكر كل من تواجد معي في ازمتي ابتداءا من قسم البوليس الي المستشفي الي تاميني حتي لحظة خروجي خارج الوطن و اشكر كل من ناصرني بكلمة او مقال او رسالة عبر الوسايط و كذلك اشكر المشككين و مؤلفي القصص و المواقف و هم لا يعرفوني في الاصل و لم نلتقي فكتبوا عني ما بادراكهم هم أشكرهم لانني عرفت الي اي مدي انا زاهدة في فيما يقوله الاخرون سلبا او ايجابا و واؤكد لهم بان معركتي مع جهاز الامن و العميد بابكر الفادني و ليس معهم ، طبعا اكيد لن اشكر جهاز الامن و المخابرات و ما زلت ازعج المحاميين من حين لاخر لمعرفة الي اين وصلت قضاياي ضدهم و لماذا كل هذا التاخير فياتي الرد بان مثل هذه القضايا تحتاج سنينا ليتم الفصل فيها ، ختاما ما اود قوله هو علينا ان نؤمن بانفسنا و نحترمها و ان نكون اخلاقيين و حسب ، هذا كل ما علينا فعله لتجاوز المحن و المصائب و بعدها لن تستطيع جيوش من البشر هزيمتنا معنويا او نفسيا طالما نحن علي قناعة باننا نعرف انفسنا اكثر من غيرنا و ان نؤمن بما نفعله و نقوله ، فما زال هنالك الكثير لنقدمه لاجل حريتنا و لبلادنا ، و طالما هنالك الالاف من ابناء هذا الشعب قدموا حياتهم مهراً للحرية و ما زالت الالاف في السجون و المعتقلات فلسنا باغلي من هؤلاء او أولئك لنمتن علي الوطن او نقدم انفسنا كرموز وطنية ، هذا لا يحق لنا فنحن قد فشلنا كشعب في انجاز ثورة شعبية لخلل فينا و في بنية وعينا الوطني ، فالتحالفات في العمل العام ضرورة مرحلية و لكن شخصنة العمل العام تحول دونها و توحيد الهدف لاجل الانعتاق ضروري و لكن اختلاف المطالب و تعريفها يحول دون ذلك ، و علي مستوي الاداء السياسي و التنظيمي امامنا الكثير المتعلق بالوعي الثوري و الوطنية حتي نقدم الوطن علي الاسماء و الاشخاص ، و لكن سيظل رهاننا علي الشعب لا غير فان قدر لهذا الوطن ان يصنع تغييرا فسيكون علي ايدي هذا الشعب و الكادحين و التنظيمات الشبابية و ليس طُلاب المناصب و السلطة من سياسي التراث ، نحن ابناء هذا الوطن و هذا الشعب لذلك سنعمل لأجله و لاجل خلاصنا بما نستطيع و نري دون ان ننتظر الاذن من اي شخص مهما تم ترميزه او تاليهه و لن نقبل الوصاية او تحديد مياه إقليمية لافعالنا و اقوالنا فمن اقدارنا اننا وجدنا بهذه الارض و علينا ان نقاتل من اجل ان نحيا ، فلنحيا بعزة او نموت بكرامة و لكن دعونا لا نستسلم و شمس الحرية حتما ستشرق .