يبدو أن الزلزال الذي ضرب الشريط الجيلوجي الممتد بين إيران و العراق ..لم يكن إلا ململة عبر بها باطن الأرض عن قلقه وغضبه تجاه ما يحدث على ظهر التراب المبلل بدماء ودموع ضحايا السياسة التي يديرها في المنطقة ساسة لا يمكن وصفهم إلا بأنهم أرجوزات تتلاعب بخيوط حركتهم في إتجاه مصالحها أفيال القوى الكبرى و التي تمد كل الفرقاء المتحاربين بالسلاح والمال و التحريش سواء كانوا أنظمة حاكمة يراودها وهم الديمومة في السلطة أو تنظيمات حالمة يحدوها الهوس الرجعي بتحقيق المستحيل في زمان لم يعد فيه السيف وحده أصدق أنباءً في حسم المعارك ! وحتى لا نهوم بعيداً خلف دخان الحرائق التي تمددت واتسعت دائرتها في محيط الإقليم المنكوب بحكامه ومعارضيه الذين سلموا الخيط و المخيط للقوى التي تدير المعارك توزيعا لمناطق النفوذ واقتساما لكعكات المصالح مثلما إنتهى الأمر بالصراع السوري الطويل الذي بات طرفاه الأساسيان الروس والأمريكان هما المتحكمان فيه ضمانا لآمن الست المدللة اسرائيل وبينهما يقف الإيرانيون وتابعهم حزب الله اللبناني .. بينما النظام السوري بات مردوفا في إنتظار مايؤمر به من دورٍ في مرحلة ما بعد ماسمي بانتصار محور الممانعة على بقية اطراف اللعبة وأهمها داعش التي إنتهى دورها بمراسم اتفاق صانعيها ..! فلنبقى قريبا من التطورات الأخيرة التي أحدثت بركاناً من نوع آخر تمثل في الثورة الدراماتيكية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان الذي لم يكتفي بشد الذيل فقط وإنما لامس أنف الأسد مباشرة با ستهداف واعتقال مراكز القوى المنافسة له داخل العائلة الحاكمة من أبناء عمومته الملوك السابقين وأولياء العهود وأتبعهم برهط من أساطين المال والأعمال وبينهم أمراء نافذون وذلك بدعوى محاربة الفساد ! ثم ما لبث أن جاء اثناء ذلك صاروخ الحوثيين الذي حط بوهج استفزازه المتعمد عند تخوم العاصمة الرياض وهوالمعبأ بنيران الدعم الإيراني التي اشعلها خبراء حزب الله في صنعاء والذي جعل من المملكة كالنمر الجريح الهائج من مضاضة ألمها.. فقامت بايصاد كل منافذ الهواء عن متنفسات اليمن .. ومن ثم استدعت الإدارة السعودية رئيس الحكومة سعد الحريري من لبنان واستكتبته استقالة بثها من عاصمة خادم الحرمين .. و اشترطت كما غرد المفسرون لبقاء الرجل في الرياض أن يكون حسم سلاح حزب الله في لبنان شرطا لرضاها وفك اسر الفتى الغنى ليذهب الى بلاده وقد خلف والده القتيل بغدر الحزب الحاكم بسلاحه للبنان ليستمر في خانة وكيل السعودية الحارس لأموالها الطائلة التي أنفقتها في تعمير البلد الذي يسعى حسن نصر الله الى تدميره عنفاً بتكريس ولاية الفقيه التوسعية المطامع دون مراعاة لخصوصية هذا المنتجع السياحي والمسالم المتشعب الطوائف والصغير المساحة والناعم الملمس ! الحركة الإسلامية في جل المنطقة حيال كل ما يحدث من تجاذبات هنا وهناك هي أكثر الذين سيضيع لهم الدرب في تعرجاته وتقاطعاته مابين ولائها الخفي لإيران وتوجس السعودية و الإمارات وشكوكهما من مواقفها النفاقية تظاهرا بالحياد أوالنأي بالنفس ..خاصة وقد أوكلت الدولتان الحليفتان الغنيتان للرئيس المصري السيسي بالمضي الى آخر الجذور في اقتلاع أظافر ما تبقى من اصابع الأخوان المسلمين ..فاستطاع بدءاً تركيع حركة حماس بقبول العودة الى بيت طاعة أبومازن بعد أن نضب معين جدولها الذي كان يجلب لها السقيا من ايرانوقطر و تركيا عبر الأنفاق التي قبرت و البوابات التي سدت امام تلك الدول وقد كانت تدعمها بحكم صلات القربى الأيدلوجية ولكنها أصبحت مشغولة هي الأخرى بشد إيزارها على عوراتها الذاتية ..! الرئيس البشير حيال كل تلك المستجدات سيجدنفسه مضطرا لتبيان موقفه من المحور السعودي الإماراتي ..المقابل للمحور القطريالإيراني الذي يغمز له الإسلاميون بعين الرضاء ..وعليه أن يوضح بجلاء لا يقبل مسك العصا من نصفها وهوالموقف الذي عبر به أوحال المرحلة التي اعقبت مشاركته في عاصفة الحزم ..خاصة و قد زادت ريبة ابوظبي و الرياض تجاهه بعد زيارته الأخيرة الى قطر و التي قوبل فيها بفتور ليس سببه الأوحد توقيتها السيء مع جولة وزير الخارجية تيرلسون وتحديدا وجوده في قطر بقدرما كان السبب أن الدوحة تريده أن يعلن بشجاعة إن كان معها أو ضدها وما زيارة وزير الماليةالقطري للخرطوم الآن إلا استكمالا لإستنطاق البشير الذي لا يحسدعلى ماهو فيه من حرج ..! فهو إما أن ينسحب من المشاركة في حرب اليمن ويعيدجنوده بما حملوا من جراحات ويكتفي بما حصد من ثمن دمائهم ..فيكون قدخسر المودةالإماراتية السعودية التي يتدفأ في ثوبها غريمه اللدود الفريق طه والذي أوصله الى ذلك المحور ..وإما أن يضحي بالحركة الإسلامية وهو مطلب يبدو أنه مطروح بالحاح شديد من المحور السعودي الإماراتي ..والتسريبات تقول إن تحريض هذا المحور لعسكر البشير بازاحته في حالة تعنته عن تلبية مطلوبات هذا المحور سيكون الخيار الثالث .. وربما تستدعيه الرياض كما حدث لسعد الحريري ..ليعلن من هناك ..إما التسليم بما أراد السعوديون والإماراتيون وإما تسليم مقاليد سلطته لنائبه بكري حسن صالح في مقابل ضمان البقاء في مأمن من ملاحقة الجنائية. وتظل كل الإحتمالات واردة في اساليب تحولات السياسة وليست الشواهد والسوابق ببعيدة ..والوضع هنا يقبل إملاءات مصالح الأغنياء على فقراء الفكروالحكمة من حكامنا المتغولون على شعوب كم أذلوها كما يتذللون للآخرين .. فماذا يجب أن نتوقع منهم ..طالما أن من لا يملك قوته لايملك قراره ولا حتى ذرة من كرامته ! [email protected]