الرأى اليوم الموت فى الجنة صلاح جلال – الزمن له طريقته ، فى التعامل مع الأحياء والأشياء ، لا يترك شئى لا يفنيه المثل فى السودان بيقول (كان الناس خلتك،الزمن ما بخليك )، إستلفت عنوان الراى اليوم من مسلسل أمريكى Death in paradise، يقوم المسلسل على ضابط تحقيق جنائى شاطر، يرسله البوليس الفيدرالى ، لكشف غموض جرائم قتل فى شاطئى للأغنياء ، مبنى على أحدث طراز عمرانى ، وبه كل سبل الراحة والمتعة ، لكن به حالة غريبة لإختفاء الأفراد ،مع وجود كل ضمانات السلامة والأمان، فسمى المحقق ،عمليته السرية تحت عنوان (الموت فى الجنة )، الفكرة أن الخطر يأتى من مأمنه ، وهذه هى سر حِرفية عمل الزمن ،عندما يقرر الإنتصار عليك ، حيث يكمن لك فيما لا تتوقعه أبداً . – روبرت جبريل موقابى ، مناضل مميز من أجل حرية شعبه ، فقد قاد حركة الكفاح المسلح من أجل تحرير روديسيا ، فى مطلع الستينات من الألفية السابقة ،فقد عاصر عظام قادة حركة التحرير الأفريقية ، فى وسط وشرق أفريقيا ، نايريرى وكنياتا ونكروما ولوممبا ،وفى جنوب افريقيا مانديلا وفى غرب افريقيا أحمد سيكتورى وليبولد سنقور، فى شمال افريقيا جمال عبدالناصر وأحمد بن بيلا ، عاصر موقابى قادة التحرر الأفريقى من الإستعمار ، وكان مساهم نشط فى Pan African ، تمكن من قيادة الكفاح المسلح فى بلاده حتى نهاية نظام التفرقة العنصرية ، وكان أول رئيس وزراء لبلادة عام 1980، ومن ثم رئيس الجمهورية فى عام 1987م – السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، منذ بداية منتصف التسعينات ، بدأ موجابى فى الإنحدار ، لتاسيس نظام تسلطى ، يحتكر به السلطة لنفسة فقط ، فأجرى العديد من التعديلات الدستورية ، التى منحته سلطات واسعة لفعل مايريد فتضخم منصب رئيس الجمهورية ، وأصبح هو الدولة بكاملها ، إعلام وقضاء وقوات مسلحة وأجهزة أمن ، أمام هذا الواقع المؤسف ،إنقسمت حركة زانو التى يقودها ، وخرجت مجموعة معارضة لسلطته المطلقة ، بإسم حركة التغيير الديمقراطى بقيادة مرقان شنقراى ، الذى نافسه فى آخر إنتخابات رئاسية ، فاز موجابى فى الإنتخابات الأخيرة بالتزوير الفاضح ومنها بدأ فى تحصين سلطته المطلقة بترسانة من القوانيين، واسس جهاز أمن قابض يطارد معارضية ، كما أسس مليشيا شعبية مسلحة لإرهاب التحركات الجماهيرية ضدة من قدامى المحاربين ، وبعض منتسبى القبائل التى إستمالها لجانبه ،خلال فترة حكمه الممتددة لسبعة وثلاثون عام ، أصبح موجابى هو الدولة، فقد عينهم جميعاً من الغفير إلى الوزير ، وسيطر على الإقتصاد والمال والإعلام فى البلاد ، أما القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ،فقد كان يسميهم أبناءه ، وتوسع فى تسليح المليشيا المسماه إحتياطى جيش الدفاع الوطنى، أما الحزب الحاكم زانو ، هو خيال حزب ، يفعل ما يأمره به موقابى، تحت الضغط الأمنى والإختفاء القسري ،غادر معظم النشطاء المعارضين البلاد بما فيهم زعيم المعارضة مورقان شنقراى . – إعتقد موجابى بهذه الترسانة الدستورية والقانونية ، والأجهزة العسكرية والأمنية التابعة له ، أنه قد خلق جنته التى سيحكم فيها إلى الأبد ، وبعده يحكم شعب زيمبابوى بوصية من ميت ، تدخل الزمن، وبدأ فى إستخدام سحره المجرب ، فأنقلب الواقع المأمن للحكم من داخله إلى خطر داهم ، فقررت مجموعات من صناعة موجابية Mugabe Products ، أن تستولى على السلطة وتضعه تحت الإقامة الجبرية ، وتخرج ضده كل مؤسساته التى شيدها بيده لتقول كفاية ، إنتهى الدرس يا غبى . – ما حدث لروبرت جبريل موجابى فى زيمبابوى ،هو موت فى الجنة ،حيث أكلته الضباع التى كان يربيها ويعتنى بها ، نهاية موجابى رسالة حية لكل ديكتاتور يحكم ضد رغبة شعبه ، متسلطا ومستقوياً عليهم بمكنة الدولة من إعلام طبال وقضاء تابع وأجهزة قمعية، تفعل ما تؤمر به ، لكن الديكتاتور وعبر كل الحقب يغفل حكمة الزمن ،وقوته الخفية وسره الباتع ، الذى يبدل الأحوال من حال إلى حال ،وينسى الديكتاتور دائماً ، أنها لودامت لغيرك لما آلت إليك، لكن التسلط كما قال المفكر عبدالرحمن الكواكبى، يقرأ من صفحة واحده، روما تحترق ونيرون يرقص ويغنى. – ختامة التغيير هو الحقيقة الوحيدة الثابتة فى الكون ، ولا دائم غير وجه الله ، أنا أكتب وإياك أعنى يا جارة ، موقابى مات فى الجنة .