السياسة على الأرض بين كل صباح و مساء تعطى الموعظة الحسنة و الموعظة الخشنة لمن يريد ... و مع ذلك فهناك حاكمون يكرهون الموعظة بنوعيها ... هؤلاء هم بالضبط من يمد لهم التاريخ لسانه متهكّما ... لكن هذا النموذج من الحكّام لا يأبه بالتاريخ و لا بلسانه ! أجراس الحرية تدّق فى هرارى لا فى الخرطوم ... فالحرية فى الخرطوم لها شارع و ميدان و صحف و لها شهداء أموات و شهود أحياء و لذلك لا تحتاج الحرية فى السودان الى من يقرع لها الأجراس ... فالأجراس فى كل السودان لا تقرع الا فى المدارس و الكنائس ... أما فى زيمبابوى فمن حق الأجراس أن تقرع اذ تسمح قوانين الانتخابات هناك لديكتاتور عجوز بلغ الرابعة بعد الثمانين طلب تجديد الثقة فيه! روبرت موجابى الرئيس الحالى أو السابق أو ربما اللاحق يمر بأقسى أيامه ... فافادات الانتخابات التى خاضها تفيد انّها آتية لغير صالحه و لا لصالح حزبه زانو ... و انّ عهد حزب زانو قد انتهى ليبدأ حزب زابو دورته ... انتهى عهد حاكم يتوهّم انّه وحده من يمثل حركة التحرير منذ أربعين سنة و أنّه كذلك مفوّض من شعبه لأربعين عام قادمة لقيادة حركة التغيير ... فانتهى الأمر بموجابى انّ رفاقه يختلفون الآن حول من يخبره بالهزيمة : وزراؤه أم حزبه أم أمنه أم شرطته أم الجيش! روبرت موجابى لم يأت الى الحكم عبر انقلاب عسكرى و لا بعصابة مسلّحة زحفت من زامبيا الى زيمبابوى ... فقد أتت به أولا حركة تحرير ثمّ عملية انتخابات ... و مع ذلك لفظه شعبه أخيرا ... فقد أخرجهم من عهد عنصرية بيضاء ليدخلهم الى عنصرية سوداء ! سيذهب موجابى أو يبقى ... سيقدّم للمحاكمة أو لا يقدم ... سينتهى الموضوع بصفقة أو لا ينتهى ... لكن ستبقى الموعظة الخشنة ! الموعظة الخشنة هى أنّ بعض الحكّام يعلنون كل يوم أن الحكم عبء و أنّ كرسيه غير مريح و مع ذلك يقاتلون من أجل الاستمرار فى الجلوس على كرسى غير مريح ... لا تثنيهم عن ذلك رجاءات و لا انتخابات ... و لا عمر الثمانينات !!