الجدل الذي أثاره تكريم المطربة ندى القلعة من قبل حكومة مدينة المناقل، طرح سؤالاً جوهرياً حول دوافع السلطة في تكريم بعض الرموز، وجرت مقارنات مريرة بين تكريم ندى القلعة والمواطن "ود قنجاري" الذي باع عربته "بوكس" لصيانة مدرسة. بل تساءل كُثر عن لماذا تكرم الحكومة ندى القلعة بينما أهملت في وقت سابق "ود قنجاري" رغم الفرق الشاسع فيما قدمه الرجل البسيط، وقيمة ما قدمه. القلعة لها جمهور عريض، ولا أدري دوافع التكريم من قبل حكومة المناقل، لكن الذي لا شك فيه أن السلطة التي تبحث دائماً عن المساحيق لتجميل وجهها لا يُمكن أن ترتكب حماقة وتكرِّم من يكشف خللها ويعريها أمام مواطنيها. إذ لا يُمكن تكريم "ود قنجاري" لأنه حلّ محل الدولة وتحمل مسؤوليتها من حُر ماله الذي بالكاد يكفيه قوت يومه. تكريم "ود قنجاري" هو تعرية للسلطة التي لا يحركها فصل منهار ولا مدرسة بلا سور، بقدر ما يحركها جلب الأصوات الانتخابية دون أي سقف أخلاقي، حتى لو تعارض هذا مع شعاراتها. وللذين فاتتهم قصة "ود قنجاري" هو رجل بسيط يسكن إحدى قرى الجزيرة، يملك هذا الرجل عربة (بوكس) يستغلها تجارياً، استفزه منظر مدرسة قريته عقب فصل الخريف الذي فعل فيها ما فعل، وبات التلاميذ بلا مأوى. ببساطة شديدة، الرجل استشعر عظم المسؤولية التي فقدتها مؤسسات الدولة.. باع سيارته ودفع قيمتها لإدارة المدرسة لإعادة إنشائها. وقريب من ذلك، قامت مجموعات شبابية بذات المسؤولية "شارع الحوادث" و"نفير".. بل أنها حاربتهم ما استطاعت حتى قضت عليهم. رغم أن السؤال "لماذا لا تُكرم الدولة هؤلاء" وتدعمهم وتطوِّر صنيعهم، يبدو منطقياً، إلا أنه وبالنظر إلى وضعية السلطة فإن السؤال تبدو إجابته واضحة. قبل أيام ساقت السلطة بعض مندوبيها لجماهير الفنان محمود عبد العزيز، لحصد الدعم في معركتها المنتظرة، لدرجة أحدثت انقساماً بين جماهير "الحوت" الذي أعلنت والدته دعمها وثارت موجة من الغضب. السلطة التي تبحث عن كتلة انتخابية عند جمهور الفنان محمود عبد العزيز بعدما أهانته وأذلته في حياته لا تتورع أن تواصل بحثها عن صورة مشرقة بين ثنايا جماهير أخرى، لكن أظنها تدري تماماً أنها "تُكَرِّه" الجماهير في محبيها. منطقي جداً إهمال من يستحق التكريم، طالما أنه يُعرِّي السلطة ويكشف فسادها. التيار