ربما لا اجد اي فرق يذكر بين الكلام وبين الكتابة مخالفا بذلك تمييز دريدا بين الشكلين ، اعتقد ان الكلام او الكتابة هما ليسا اكثر من ترجمة للعملية الذهنية التي تسمى تفكير ، حين نفكر فإما ان نتكلم بما نفكر ، او نكتب ما نفكر فيه او حتى نفعل ما نفكر فيه بغير كتابة ولا كلام. لكنني ورغم عدم تخصصي في الطب ولا عمل الدماغ ، لكن لا بأس أن اشارك بملاحظتي عن الكتابة او الكلام او الفعل كتفعيل للتفكير ، باعتبارها اخراج ما هو بالذهن الى الخارج ، وهذه عملية تجسيد للتفكير ، وإلا يظل التفكير محتبسا في الذهن. هذا الامر له اهمية قانونية كبيرة جدا ، فالقانون الجنائي مثلا لا يعاقبنا على افكارنا الا اذا تجسدت بقول او كتابة او بنشاط (سلبي او ايجابي) او ما نسميه بالفعل رغم انه يشمل الامتناع عن الفعل ايضا. ولذلك فمهما فكرت في قتل انسان فإن القانون لا يعبأ بأفكارك هذه. ولكن بمجرد ان تتجسد فعليك الحذر من النتائج القانونية التي قد تترتب على ذلك. لكن هذا ليس مربط الفرس ، ان ما اود أن اجد له اجابة هو سؤال بسيط جدا ، وهو بأي لغة يفكر الأصم. راقب نفسك وراقب افكارك ستجدها تتم عبر لغتك ، ان تفكر في القتل ، هذا التفكير يتم بمفردات لغوية داخل الذهن ، راقب حديث النفس الذي هو تفكير ايضا وستجده يتم بلغة ، لأن اللغة تشكل تخيلنا للدوال ، تريد ان تحمل كرسي ، التفكير في الكرسي يستدعي كلمة الكرسي الى دماغك ، ستقول في ذهنك: سأحمل هذا الكرسي ، لا يمكنني ابدا ان اتخيل تفكيرا بغير لغة ، لأنه سيكون كالعمى الأبيض في رواية ساراماغو ، ولذلك فسؤالي عن بأي لغة يفكر الأصم لا يجد له اجابة ، هل للأصم لغته الخاصة التي يفكر بها؟ ذهبت الى قوقل وبحثت باللغة الانجليزية عن اجابة على هذا السؤال ولم اتعب كثيرا فقد وجدت موقعا للصم ممن تعلموا لغة تسمى بلغة العلامة الامريكية (ASL) او هكذا احسب ترجمتها والموقع اسمه قورا ، كتبت احدى المصابات بالصمم (ميشيل) انها تفكر عبر الصور ورموز لغة العلامة الامريكية هذه ولكن ليس من ضمن ادوات تفكيرها اللغة وان هذا لا يعني انها لا تمتلك صوتا داخليا inner voice اجابات باقي المتداخلين لم تكن مقنعة كإجابة ميشيل التي استندت الى انها تستخدم كافة حواسها للتفكير (ذوق ، شم ، رؤية) ما عدا السمع. ولكن من خلال مراقبتي لكتابات هؤلاء الصم وجدت ان الجمل التي يكتبونها لا تختلف ابدا عن جمل غيرهم من غير المصابين ، فالفقرات متسلسلة ومترابطة وتشي بذات التفكير المعقد الذي نتحدث نحن به ولا اعرف كيف يمكن للتفكير المعقد ان يتم بالصورة والرمز فقط. مع ذلك فاجابة ميشيل وبالرغم من انها مفيدة جدا لكنها لا تجيبنا عن وضع اولئك المصابين بإعاقات تكاد تكون شاملة (لا سمع ولا بصر) على وجه الخصوص ، كحالة هيلين كلر مثلا. كيف كانت هيلين وهي اديبة وناشطة سياسية تتمكن من التفكير بدون لا صوت ولا صورة؟ كيف كان دماغها يترجم المفاهيم بدون ان تحمل تلك المفاهيم اي تصورات تجسيدية كالصورة او الصوت؟