اكتب هذا المقال اليوم وقلبى يتقطع دما ليس فقط حزنا على ضحايا المجزرة البشعة التى ارتكبتها جيش المؤتمر الوطنى ومليشياتها ضد المدنيين العزل بجنوب غربى مدينة الفاشر خلال اليومين الماضيين ، والتى راح ضحيتها ثمانية عشرة (18) من الاشخاص الابرياء قُتلوا وسُحلوا وقُذفوا بهم فى العراء كطعام للسباع والضباع ، كابلغ تعبير عملى للتطهير العرقى والابادة الجماعية التى يمارسها نظام الانقاذ ضد قبائل بعينها فى دار فور ، ولكنى ايضا اشفق واتألم من مواقف بعض ابناء دار فور الذين ما زالوا يصدقون ان المؤتمر الوطنى يسعى بجدية لحل مشكلة دار فور من خلال منبر الدوحة وصاروا يمشون زارافات الى الدوحة ملبين دعوة المؤتمر الوطنى والوساطة والتى هى فى الحقيقة ، وخاصة قطر شريك اصيل لهذا الحزب الكارثة . اورد بهذا الخصوص مقتبسين احدهما من بيان لحركة تحرير السودان جناح مناوى يعلن عن المجزرة والآخر تصريح للوزير القطرى آل محمود يبشر اهل دار فور بقرب قدوم السلام ويدعو (الحركات) الى توقيع وقف اطلاق النار مع الحكومة استهلالا للسلام القادم ! (كشف الوسيط القطرى لسلام دار فور ووزير الدولة للخارجية القطرى أحمد بن عبدالله آل محمود ، عن شروعهم فى اجراء اتصالات بهدف التوصل لاعلان وقف اطلاق النار ، والكف الفورى عن كل الاعمال العدائية فى اقليم دار فور . ) واضاف آل محمود (ان شركات قطرية ضخمة تعمل فى انحاء العالم ستتجه للعمل فى الاستثمار الزراعى فى دار فور ، وتسويق الانتاج دون الحصول على عمولات او فوائد بجانب العمل فى بناء الطرق حال التوصل لسلام المنشود) ( ارتكب نظام الانقاذ هذه الجريمة البشعة بعد ان اشغل الناس خلال الايام الماضية بمسرحيتها السيئة الاخراج والمسماة بمؤتمر “اصحاب المصلحة بدارفور” والذى حشد له من لا “مصلحة لهم” من اهل دار فور وغير اهل دار فور فى دولة قطر ، وبمجرد انفضاض المؤتمر ، وكأنها رسالة استفزاز واهانة لاهل دار فور الذين جمعهم المؤتمر الوطنى كالقطيع وفرقهم ايضا كالقطيع بعد (المؤتمر ) ، فكانت هذه المجزرة هدية خالصة لاهل دار فور ، اهل المصلحة ! ) المقتبسان يوضحان نهجان متناقضان لفهم ازمة دار فور وفرص حلها ، فى ظل وجود المؤتمر الوطنى كنظام حكم اوجد او خلق هذه الازمة وظل يديرها بطريقته ، طوال فترة الثمانية سنوات الماضية ،وهى عمر هذه الازمة . فهم وقناعة حركة تحرير السودان ازاء هذه الازمة – وربما يشاركها معظم الاطراف الدارفورية المعارضة – فانها لا تُحل فى ظل وجود المؤتمر الوطنى فى السلطة وان اى محاولات للتحاور مع هذا الحزب الحاكم هى فى الحقيقة تطويل وتعقيد للازمة لان المؤتمر الوطنى لا يفرد الارادة السياسية الفاعلة للحل وبل يحاول دائما كسب الوقت وكسر همة الطرف الآخر المفاوض وفرض امر واقع حسب اجندة الحزب السياسية والتى بالضرورة تتعارض مع المصالح العليا لاهل دار فور واهل الهامش بشكل عام . حركة تحرير السودان ترى ان سلطة الانقاذ ، يلزم التعامل معها باللغة التى يفهمها ، وهى لغة الحرب و القوة ، وهذا ما تعمل الحركة على تفعيلها ، وهى المواجهة العسكرية لاسقاطه حتى تحل ازمة دار فور فى اطار ازمة الحكم فى السودان بعد ذهاب هذا الحزب الفاشيستى . اما الاخوة فى قطر فهم قد اوجدوا انفسهم فى الساحة لتحقيق هدفين ، الهدف الاول هو توثيق العلاقة مع الاسلاميين بالسودان وتثبيب حكم البشير باعتباره حكما اسلاميا وعربيا ، والهدف الثانى هو العمل كمنبر لحل مشكلة مستعصية كمشكلة دار فور حتى يسجل لهم كانجاز ورصيد سياسى ودبلوماسى يؤهلهم للعب ادوارٍ اقليمية مستقبلية فى الساحة العربية والاسلامية ، وذلك بمحاولة سحب البساط من دول كبرى نسبيا فى هذا المحيط كانت تلعب مثل هذه الادوار بحكم اوزانها السياسية والاقتصادية كمصر والسعودية . ولكن مشكلة قطر الاساسية فى صراع دار فور هى انها غير محايدة وتستقى كل معلوماتها عن المشكلة من الحكومة السودانية ولا تعير اهتماما لوجة نظر الاطراف الاخرى وتنظر اليها بنفس نظرة حكومة المؤتمر الوطنى بانهم متمردون مخربون وخارجون عن القانون ! والاخطر من ذلك فان دولة قطر تعتقد انها ممكن ان تحل كل هذه القضايا رغم تعقيداتها المستعصية ، بالمال ، وبالمال فقط مع قليل من الدبلوماسية ! لذلك فانها تتكفل بكل نفقات الاعاشة والاقامة فى فنادق الخمسة نجوم للمئات من افراد الحركات المسلحة (الغير جادة) لسنوات وبل التزمت بانشاء بنك بمليارى دولار لاعمار دار فور وبل يبشر الوزير آل محمود اهل دار فور الآن ، و بعد اخراج (مسرحية ) وثيقة الدوحة الاخيرة ، بتوجيه الشركات القطرية الكبرى التى تستثمر فى مناطق مختلفة من العالم الى دار فور للعمل فى مجال الاستثمار الزراعى وتسويق منتجاتها وبناء الطرق حال التوصل للسلام المنشود . الحقيقة الغائبة على دولة قطر هى ان حكومة الانقاذ فى السودان لا تعصمها الاتفاقيات الموقعة مع الحركات المسلحة ، من الاستمرار فى ممارسة الابادة الجماعية والتطهير العرقى ضد الابرياء من افراد قبائل معينة فى دار فور ، واقول القبائل وليست الحركات المسلحة ، والا ما هو المنطق من قيام حملة عسكرية منظمة ومرتبة مع عصابات الجنجويد لاستهداف مواطنين ابرياء يحوشون مواشيهم بالفرقان والقبض عليهم بالعشرات وتسليم كل مواشيهم للجنجويد وبعد ذلك اعدامهم رميا بالرصاص والقاء جثثهم فى العراء ، دون حتى (اكرامهم ) بمقابر جماعية ؟ هذه الحادثة اثبتت بما لا يدع مجال للشك ان الحكومة قد وجهت قواتها وجنجويدها للقبض على افراد ابرياء من قبيلة بعينها وتجريدها من اموالها ومن ثم قتل المقبوض عليهم بدم بارد مع سبق الاصرار والترصد كتنفيذ واستمرار لسياسة التطهير العرقى والابادة الجماعية ضد هذه القبيلة ، ويؤيد هذا الاعتقاد سببين هما : اولا : وجود اكثر من خمسة اشخاص من الضحايا من عائلة واحدة يدحض اى اعتقاد او احتمال فى ان المقبوض عليهم كانوا اعضاء لعصابة او حركة مسلحة او قطاع طرق ، او اى سبب آخر يبرر للجيش والجنجويد مثل هذه الجريمة البشعة ثانيا : لا يمكن لاى قائد عسكرى مسئول مهما علا رتبته او تبعيته من القيام باعدام هذا العدد الكبير من المواطنين الابرياء العزٌل دون تلقى ضوء اخضر من جهات عليا ، والا يكون هو فى الاساس مكلف لتنفيذ مثل هذا العمل قبل خروجه لهذه المأمورية والحقيقة الغائبة الاخرى على دولة قطر هى اننا لا نرفض الاستثمار القطرى فى دار فور ولكننا نشك فى جدواه ونواياه ، لان التجربة اثبتت ان اى دعم لدارفور فى ظل هذا النظام لا يذهب الي اهلها وبل يذهب الى النظام لتقويته وتمكينه لضرب اهل دار فور الابرياء من جديد وممارسة التطهير العرقى والابادة الجماعية . عليه ، نقول فى الختام للوزير القطرى آل محمود اننا نفهم دعوتك للحكومة والحركات المسلحة للتوقيع على وقف اطلاق النار وايقاف العدائيات ، ولكن من يوقع مع الحكومة وقفا لاطلاق النار ممثلا للابرياء من اهل دار فور الذين يذبحهم الحكومة بالعشرات صباح مساء ؟ [email protected]