انتشر الإسلام في السودان عبر الطرق الصوفية التي كانت أقرب لوجدان الإنسان السوداني وطبيعته السمحة المتسامحة فوجد نفسه فيها وجمعت بين مكوناته الثقافية والإثنية فوحدت بينهم في مقام العبودية الذي لا فرق فيه بين عربي أو عجمي إلا بالتقوى. نقول هذا بمناسبة الاحتفال الذي نظمه أبناء وأحباب الشيخ البروفيسور حسن الفاتح الشيخ قريب الله بالذكرى السادسة لرحيله تقديرا لإسهاماته الدينية والعلمية والثقافية والفكرية والاجتماعية وذلك مساء أمس الأول الجمعة بمسيدهم بأم درمان. الشيخ البروفيسور حسن أحد القلائل من مشائخ الطرق الصوفية الذين أحدثوا نقلة في الحراك الصوفي ودفعوا به للارتباط أكثر بحياة الناس وبالتطور العلمي والتقني الذي شمل جميع جوانب الحياة العامة, لم يحصروه في حلقات الذكر ولا في الحضرات والزوايا على أهمية ذلك وإنما جعلوا كل ذلك وسيلة لكسب الدنيا والآخرة. مشايخنا علمونا محبة كل المشائخ وأولياء الله الصالحين لا نفرق بينهم لأنهم جميعاً إنما ينهلون من النور الهادي دون إدعاء أو شعوذة فكلهم مفاتيح للهداية التي تنير لنا قلوبنا وعقولنا لنعمل على عمران الدنيا دون أن ننسى زادنا إلى الحياة الآخرة السرمدية، لذلك تعمقت الصلات بين مشائخنا في الطريقة العزمية مع كل الطرق وكانوا ومازالوا يتواصلون في المناسبات الدينية والاجتماعية وهناك رسائل تاريخية متبادلة بين مؤسس الطريقة العزمية الشيخ محمد ماضي أبو العزائم بين الشيخ قريب الله وامتدت العلاقة بين الشيخ سيف الدين محمد أحمد أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية وبين الشيخ الراحل المقيم الشيخ البروفيسور حسن الفاتح قريب الله وتزاملا أكثر من مرة في مناسبات دينية داخل البلاد وخارجها. كانا أيضاً ضمن وفد المشائخ الذين شهدوا وباركوا اتفاق السلام الذي وقع في نيفاشا، لذلك حرصت على تلبية الدعوة الكريمة التي بعث بها لي الشيخ محمد الشيخ حسن الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله بل وكل دعوة لمثل هذه الحضرات النورانية التي تخرجنا من دوامة اللهاث اليومي المادي إلى رحاب النور الهادي المستمد من الأنوار المحمدية. الراحل المقيم الشيخ البروفيسور حسن الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله له مؤلفات كثيرة باللغتين العربية والإنجليزية في شتي مجالات المعرفة، خاصة المعرفة الصوفية وعلاقتها بكل مجالات الحياة، لذلك لم يكن غريباً أن يؤلف كتابا عن الإعلام والصوفية لإيمانه بالدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام في نشر الثقافة الصوفية والحفاظ على تراثها الروحي عبر الأجيال. مهما تحدثنا عن الشيخ البروفيسور حسن الفاتح فإننا لن نوفيه حقه من التقدير والعرفان.. وما أحوجنا في هذه الأيام وسط تنامي تيارات التكفير وكراهية الآخر والعنف إلى العودة إلى منابع الصوفية السمحة وأنوارها الباقية التي جمعت بين مكونات الأمة المهددة بخلافات وأطماع الأجندة السياسية التي فرقت بين الناس وعادت بهم إلى الجهوية والقبلية والعصبية النتنة.