رغم استمرار مطالبة المعتصمين في ميدان التحرير وبعض ميادين مصر الكبيرة ببعض المطالب الإصلاحية المشروعة في إطار التغيير المنشود والمشروع بموجب نجاح الثورة المصرية المجيدة، يبقى موقف التيارات الإسلامية مستفزًّا ومائلاً للأنوية والفئوية التي ليست بالجديدة عليهم بالنظر إلى مواقفهم المتخاذلة من قبل، وكان آخرها الامتناع عن المشاركة في الثورة وتحريم الخروج في المظاهرات، فلم تكتف التيارات الإسلامية بالالتفاف على الثورة ومكتسباتها والانتفاع منها، وشرعوا في اختزال الثورة لأنفسهم والقفز على إرادة الشعب، كأنهم وكلاء قانونيون عن المجتمع المصري كله وليس فحسب الفصيل الإسلامي الذي يمثلونه. من أسوأ مواقف الإسلاميين التصريحات الهجومية التي خرجت بها الجماعة الإسلامية ضد المعتصمين في ميدان التحرير ووصفهم بأنهم قلة مخرِّبة، في محاولة للمصادرة والتشويش على حريات وحقوق الآخرين، وهي ثمة ليست غريبة عن أيديولوجية الجماعة الإسلامية التي أعلنت أيضًا أنها ستنظم مليونية لطرد المعتصمين في الميدان بالقوة، لا شك أن موقف الجماعة هو نوع من التملُّق ومسح الجوخ لجهة اتخاذ القرار للفوز بالتقرب منها، والعيش في جلبابها المدنس بالتلاعب في إرادة أمة دفعت من دمائها وكرامتها من أجل ثورة تتضافر الكثير من الأيادي لإجهاضها، ما أفصح عنه قادة الجماعة الإسلامية أصدق دليل على ديكتاتورية مبادئها، وانعكاس لسوء النية الذي تكنه الجماعة تجاه الخطوات المستقبلية من مصير الاستقرار في مصر، في الوقت الذي تدفع فيه كل جهدها لكسب ثقة الشارع المصري وتأييده لها، مختبئة خلف عباءة الدفاع عن الإسلام الذي تتحايل به وتتخذ منه كوبري للعبور إلى مطامع سياسية مشكوك في جدواها على وحدة النسيج المصري. لقد نسيت الجماعة الإسلامية البقعة السوداء الملتصقة بثوبها عندما لطَّخت نفسها بتبني مبدأ الجهاد المسلح في العقود الماضية، وعاد العقل الباطن لها يستحضر إمكانية تكرار نفس السيناريو ضد أبناء الوطن الذين ساهموا في إنجاح الثورة وإخراجهم من السجون، وبمجرد حصول هؤلاء المتأسلمين على الحرية بدؤوا يتفرعنوا على إخوانهم في الوطن، ووضعوهم موضع أعداء الدين والعقيدة، وهذا يبرهن على العجز الفكري والتصلب العقلي الذي يتسم به قادة الجماعة الإسلامية، وصدق احتمال عدائهم لأنفسهم. على نفس خط الجماعة الإسلامية تسير جماعة الإخوان المسلمين ولكن بخطى أكثر حكمة ودهاء، ليتمكنوا من الهيمنة والوصول إلى أمل عاش الإخوان عقودًا طويلة تحلم به وتعمل له- إذا صدق القول، لجأ الإخوان المسلمون لطريقة مغازلة الشعب والحكومة معا، مرة ترتمي في أحضان الشارع وتتوسل إليه لنيل تعاطفه مع الشعار الديني الذي ترفعه، مستخدمة حركات ساحر ماهر يريد خداع أنظار مشاهديه، ومرة أخرى تذهب الإخوان لتجلس تحت أقدام الباب العالي (جهة اتخاذ القرار) مقدمة قرابين الرضا، مرددة: السمع والطاعة يا مولاي، إعمالا لقول الله تعالي ” وأطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم، “، لقد بات المد الإسلامي في مصر الخطر الوحيد على الثورة المجيدة، خاصة بعد انكشاف القناع عنه تدريجيا وظهور الوجه الحقيقي لهؤلاء المتأسلمين من خلال أقوالهم التي تسبق أفعالهم ولا تتسق معا، وسباقهم مع بعضهم البعض كفصائل متفرقة متعددة الأيديولوجيات، لا يجمع بينها سوي عامل شكلي واحد هو “الدفاع عن العقيدة والدين الإسلامي” والزج به لتبرير الأجندات السياسية التي تقوم على تنفيذها. أصبح الآن التيار الديني المتصدر الساحة حاليا الوجه الآخر لفلول الحزب الوطني المنحل، الذي كان يحلل لنفسه كل الوسائل للوصول إلى غايته، وبالمثل، تعمل الجماعات والتنظيمات الإسلامية على تسخير كل الطرق والوسائل من أجل الحصول على هدف غير واضح المعالم، وفي وجهة نظري المتواضعة: أننا لو تركناهم وأفسحنا لهم الساحة، بالقطع سيفشلون، ووقتها نستطيع التصدي لهم، كأعداء للإصلاح والتغيير، ولنقطع على هؤلاء الإسلاميين ذريعة العيش في ثوب المضطهدين في الأرض، فالشعب المصري بريء من فلول الجماعات الإسلامية ومن أفعالهم.