-خطيب مسجد ارباب العقائد (مسجد فاروق) هجوماً عنيفاً على الإنحلال الاخلاقي والفساد الذي يعانيه المجتمع، وحمل ما أسماه (الخلاعة والصياعة) مسؤولية الضنك وشظف العيش وإرتفاع الاسعار. -الرئيس السوداني عمر البشير يدعو المواطنين لتقليل الإستهلاك. -حملة الغالي المتروك لمقاطعة اللحوم . الإقتباس الأول لخبر ورد في صحيفة الراكوبة ، يذكرني بمقولة احدهم انه فقط و في الشرق الأوسط يجلس العالم و الطبيب و المهندس سويا ليتعلموا امور دنياهم من رجل فشل في الثانوية العامة من ان يصبح مثلهم بنسبة 50 % فالتحق بكلية الشريعة ليصبح خطيبا باحدى الجوامع. للعلم فقط فان من اساسيات المنهج العلمي لدارسي علم المجتمع تتبع اسباب ظهور العادات الشاذة و تحليلها والملم فقط بهذه الأساسيات سوف يستنتج ان ضنك العيش و ارتفاع الأسعار هما السبب للإنحلال الأخلاقي و الفساد و ليس العكس كما ادلى السيد الخطيب. الإقتباس الثاني للرئيس السوداني عمر البشير حيث يجافي كل المنطق و يدعو المواطنين الذين يعيش اكثر من 90% منهم فقط على متطلبات الحياة اليومية لتقليل الإستهلاك !! ، اعتقد ان هذا الإقتباس لا يحتاج لكثير من التحليل و التفنيد لبيان سذاجته. اما حملة الغالي المتروك فلا تقل عن تصريح الرئيس سذاجة ولكن ما يدعو للحيرة في الأمر انها لاقت رواجا واسعا من عدد لا يستهان به من فئات الشعب السوداني المختلفة !! اعتقد ان هناك تحليلين فقط لهذه المعضلة : أن عدد كبير من الشعب السوداني المشجع لهذه الحملة لم يتناول اللحم لمدة طويلة و يحقد على من يستطيع شرائها لدرجة انه ساهم في هذه الحملة ليتساوى مع الأغنياء في ميزة عدم تناول اللحوم أو أنهم يعتقدون فعلا ان السبب وراء غلائها جشع التجار و ذلك ما يقودنا الى الخلف خطوتين حيث تصريح السيد خطيب الجامع و عمر البشير لنستنتج من هذه المعطيات (سذاجة الشعب السوداني) !!!! اذا اتفقنا على فرضية سذاجة الشعب السوداني فلنا ان نجد تحليلات و استنتاجات منطقية كثيرة لأغلب مشاكلنا اليوم سياسيا و مجتمعيا ، ولكن كيف لنا أن نتفق ؟ لنتجرد من الإحساس بالإهانة عندما نطلق على انفسنا هذه الصفة ، لنكن حياديين في نقدنا لذاتنا ، لنضع هذا الإحتمال نصب اعيننا و نفكر سويا ، من الممكن على الأقل ان يكون الإحساس بمرارة هذه الصفة هو المخرج من هذه الأزمة ، لنعمل سويا لنلحق بباقي الأمم على اقل تقدير بان نكون فخورين بهويتنا السودانية !! القيادات السياسية السودانية هي نفسها لأربعة عقود ، القيادات الصحفية ايضا تشبه لحد بعيد تلك التي على جبهات السياسة ، و السبب في ذلك هي سذاجتنا كشعب ، تقليلنا لقدر انفسنا هو نتيجة لتلك السذاجة ، فشلنا في ان نبني هوية جامعة لنا كشعب ، تقديس ائمة الجوامع وعاظ السلاطين الذين يسبحون بحمد السلطان و يكتبون الفتوى على هوى مجالس قيادات المؤتمر الوطني ، معاداة المفكرين من ابناء الوطن ليجبروا على الهجرة الأبدية الى دول الغرب التي تحترم فكرهم وتتقدم في اليوم الف سنة عما نحن عليه ، في الوقت الذي تسيطر علينا نظرية المؤامرة ، و بتلك النغمة الموسيقية نستسيغ و نستحسن كل من يطلق عليها دول الغرب (الكافرة) ، كل ذلك نتيجة سذاجتنا. لا اريد ان اكون اقصائيا و لكن اذا اتفقنا على مبدأ التغيير للأفضل و ان السبب وراء ازمتنا السودانية هو سذاجتنا كشعب فلا بد لنا ان نستثني من تداولنا للأزمة السودانية كل الوجوه التي شاركت في تشكيل الوضع السوداني الراهن ، كل الأحزاب التقليدية التي تسيطر عليها نفس الأسماء منذ الأربعة عقود ، و كل من يمسك دفة يطبل لهم و هم يغنون ، و لنواجه انفسنا بكل الأمانة الانسانية و نتذكر دوما ان التاريخ سوف يسيء الينا يوما ما اذا لم نستطع النهوض بحالنا المائل . لنخض في العمق قليلا ، استغلال الدين من قبل الفئات المتعطشة للسلطة و من ثم احتكاراها و اخراَ السيطرة التامة على موارد الدولة و تعديل مصبها الى جيوب محتكري السلطة لطالما كانت هي السبب الرئيسي في تدهور الإقتصاد السوداني باختصار ، و استغلال جهل الشعب بالبدائل السياسية في ادارة دفة الدولة هو ما جعل الأمر اسهل لعصابة الجبهة الإسلامية ، فالإنسان و منذ قديم الأزل عدو لما يجهل ، جهلنا بمعاني الليبرالية و العلمانية و حتى الإنسانية جعلنا اعداء لها بكل بساطة و مرجعيتنا لذلك هي علمنا البسيط بتعاليم الدين الإسلامي ليسهل الأمر لحاملي الشعارات الدينية بايهام السذج من شعبنا و خدعهم بانه لا بديل لما يزعمون . الدين لله و الوطن للجميع !! اذا كنا نتفق في هذه المفاهيم الأساسية عزيزي المهتم/ة بالنهوض بالسودان ، فالإختلاف في ما دون ذلك هو الأساس في بناء دولة سليمة تحترم التعددية و الحوار الديمقراطي الذي دوما ما ينتهي الى نتائج ايجابية تزيد من سرعة عجلة التقدم الى الأمام ، معا لنبني وطنا سليما معافى يتبنى كل خيارت ابنائه الفكرية شرط ان تحترم خيارات الاخر . م.أحمد عمر طه