م. أحمد عمر طه [email protected] -طريق طويل للسير في طريق الرقي الإنساني ، الكثير يتكلم عن ثورة وشيكة في الخرطوم ، والجميع ايضا يعلم تماما السبب الاساسي لهذه الثورة ، الثورة ضد الخطر المحدق بالشعب ، ثورة الجوع !! لو بدأنا في التفاؤل قليلا و طفنا بخيالاتنا الى ما بعد الثورة و استطعنا ان نتعدى مرحلة نهاية الحلم السعيد التي من الممكن التنبؤ بها و اعتقد انها احداث على شاكلة محاكمة البشير في محاكمات مفتوحة و متلفزة على الهواء مباشرة ، كل الشعب يشاهد و ينتقد ، الكل سعيد و يتنبأ بمستقبل مزهر ، اذا استطعنا الذهاب بمخيلتنا الى ما بعد هذه المرحلة اعتقد انه علينا ان نقلق قليلا !! علينا ان نقلق لأننا يبدو ان مسار تقدمنا يبدو دائريا ، لمحة سريعة لاخر ثورة ضد الحكم المايوي العسكري تؤكد ذلك ، وضع شبيه لدرجة كبيرة بين الوضع الاقتصادي الحالي و الوضع انذاك ، في حين ان التاريخ الإنساني لدول العالم الأول دائما ما تتغير معطياتها الثورية بالترتيب من الجوع الى تقييد الحرية الى الإرتقاء بالكرامة الإنسانية. هذا ما يبعث على القلق ، ثورتان متتاليتان (بافتراض قيام الثورة) المحرك الأساسي لهما (الجوع) ، ما الذي يمنع ان تكون الثالثة ايضا كذلك ؟؟ للأجابة على هذا السؤال يجب ان نستصحب تساؤلا اكثر عمقا و اهمية ، في اي مرحلة من مراحل الرقي الإنساني نحن الان ؟؟ لماذا لم يتحرك الإنسان السوداني عندما صودرت حريته و ما زالت حتى الان ؟ رد الفعل عند اغلاق جريدة او مصادرة عدد من اعدادها لم يتجاوز بيان من شبكة الصحفيين السودانيين يدين و يشجب وبعد ذلك يغلق ملف الموضوع و يصبح في عداد المفقودين !! لا نريد ان نكون محبطين فالكثير من النماذج تشبه الى حد بعيد ما نحن فيه الان ، ثورة ضد الجوع تنتهي بقفزة انسانية كبيرة لتتداول موضوع الحريات من اوسع ابوابها و تسير في طريق الرقي الإنساني القويم ، بل و الاجمل من ذلك الإحساس بعظمتنا كشعب عندما نتأكد اننا حققنا هذه القفزة و اصبحنا في الطريق الصحيح طريق الإرتقاء الإنساني. -التغيير بداية طريق وليس غاية .. هنا اتذكر مقولة الأروع دوما د.حيدر إبراهيم: التاريخ يبدأ الان!! وذلك عند سرده لتغيرات في تاريخ الشارع السوداني فشلنا فيها كشعب ان تكون تلك هي بدايات المشوار للإرتقاء بانسانيتنا. بداية من الاستقلال و حتى اتفاقية السلام مع الراحل د.جون قرنق ، هل ستلقى هذه الثورة نفس مصير تلك التغيرات في تاريخ الشعب السوداني ؟ أين مربط الفرس الذي دائما ما نفلته عند حدوث تلك التغيرات ؟ أهي ثقافة شعب لا يحسن التعامل مع البدايات ؟ ام استغلال الفئات السيئة لبساطة الشعب ؟ ام ان التغيير فقط هو قمة طموح الانسان السوداني و ما يليه هو مجرد رفاهية سياسية لا تستحق عناء التفكير و الاستعداد ؟ و بما أن المجتمع ما قبل التغيير يبقى هو نفسه بعده كان لزاما علينا ان نستنتج تحليلا مرضيا لواقعه الان لنتفادى المصائر الغير مرضية لما الت اليه تلك البدايات ، ولطالما كان اتخاذ موقف موحد من اركان المجتمع عامة تجاه هذا التغيير هو الأرضية الأقوى لبناء قاعدة قوية لمجتمع متماسك يتشارك ايدولوجية موحدة ابرز سماتها الرغبة القوية في التقدم الإنساني. ما يقودنا للعودة الى الواقع مرة أخرى و محاولة دراسة المجتمع السوداني الذي اصبح في مرحلة متأخرة من مراحل احتضار الهوية ، لنجد ان التباينات بين المجموعات المشكّلة للمجتمع انتقلت الى مرحلة الإنتماءات المتعصبة التي تستطيع الحكم سريعا على ان اغتيال الاخر واجب شرعي تمليه قوانين المنظومة. لتتطرف اكثر من ذلك و تحكم بالموت بكل راحة ضمير على الضد. هذا احد الجوانب التي من الممكن ان نتخذها كمثال للمجتمع السوداني و هو في حالة الإحتضار تلك ، و السبب في اعتقادي البسيط هو تغييب تام للمتمكنين علميا في ادارة جوانب المجتمع السوداني ، فالمتفق عليه اليوم عالميا و اصبح من المسلّمات القليلة في مجتمعات الرخاء الحضاري هو اتباع المنهج العلمي في كافة امور الدولة و المجتمع ، وذلك لما يتبناه المنهج العلمي من تحليل دقيق لكل الظواهر و الأساليب و يخلص إلى نتائج دقيقة، و للأمانة المحضة في عرض كافة المعلومات لكل من يريد التأكد من مصداقية التحليل و النتائج. هذا المنهج العلمي اصبح هو الموثوقية الوحيدة في تلك المجتمعات ليتخلص الناس من الأسلوب القديم في الثقة العمياء في أشخاص بعينهم ، و ذلك ما يحدث في المجتمع السوداني حتى اللحظة حيث القيادة لأشخاص لا يختلفون عنا كثيرا سوى ان لهم مكانة اجتماعية اكتسبوها اما بالوراثة او الإنتماء لكيان معين ، الشيء الذي جعل المتعلمين و المثقفين لا يجدون ترحيبا من المجتمع الأمر الذي دفعهم للبحث في اقطاب العالم عمن يقدر انتاجهم الفكري ، و ابعد من ذلك قليلا حيث اصبح رجل الدين خطيب الجمعة هو المحلل الإقتصادي و السياسي و الاجتماعي و في كثير من الأحيان الطبيب ، لتنتهي عملية اغتيال المتعلم و المثقف تماما لصالح ائمة الجوامع. و بالعودة لمقولة الدكتور حيدر ابراهيم – التاريخ يبدأ الان- ولكي نبدأ المضي قدما في مسار الرقي الإنساني لا بد لنا كمجتمع في اعادة الحسابات في تركيبة المجتمع او بتعبير ابسط: من يقود من ؟ او على اقل تقدير ان نتحرر جميعا من الإنتماءات المتعصبة و نفكر بموضوعية في ان نعيد التقدير لهذه الفئة من الشعب التي اجتهدت في سبيل التحصيل العلمي و المعرفي لتتوج كل سنوات هذا الاجتهاد بالنفي الى دول المهجر حيث تستفيد من ابداعاتهم الفكرية دول نتوهم انها ضدنا يروج لهذا المفهوم خطيب امليت عليه خطبته قبل ان يعتلي المنبر بلحظات. نعم لأن التاريخ يبدأ الان ، لنبدأ في تحليل انفسنا و اسباب الأزمة ، مهما كانت نتائج هذه التحليلات قاسية فلنستعد للقبول بها و لنبدأ التغيير ، لكل شعب عظيم حدث عظيم يفتخر به فلتكن بدايتنا القوية الناتجة عن نقدنا لذاتنا هي بداية طريقنا نحو عظمتنا. نشر بتاريخ 29-09-2011