عندما قرأت في جريدة الشرق الاوسط قبل ايام موضوعاً عن الكاتب السوداني امير تاج السر, تألمت لعدم اهتمام السودانيين بكتابهم . و انا الان اعيد نشر هذا الموضوع الذي كتبته قبل عقد من الزمان . اقتباس الي شبابنا و ابنائنا ، نحن السودانيون نشتكي عادة من قلة كتابنا و قلة انتاجنا . المشكله اننا لا نعرف بعضنا . عثمان حامد سليمان المقيم في دولة الامارات منذ دهور كاتب يستحق مني اكثر من انحناءه و هو مثل امير تاج السر، لا يكتب فقط قصه بل يرسم لوحه و يكتب قصيده كامله في كل قصه قصيره . امثال عثمان يعقدونني فلا ادري من اين ياتون بكل هذه الجمل الرائعه و التعابير التي تتغلغل في داخلك . من المؤلم ان الكثيرين لا يعرفون عثمان حامد سليمان . و انا قد سمعت قديما بالمجموعه القصصيه مريم عسل الجنوب . و لم اتمكن من دراستها الا اخيرا . لماذا نذهب بعيدا و عندنا امثال الكاتب عثمان حامد سليمان و بدون اختيار سافتح بطريقه عفويه و اقرا لكم . اشتعل المساء بالبراكين المعباة في الزجاجات المثقلات بالذهب ، الدم الشاحب يغمر الحانه فينطفء الضجر . جلس امام الينابيع الورديه فاقتربت اشرعة الصباح العذب. انفتحت شوارع المدينه علي قلق النهار . اكداس المارة علي الارصفة الدبغه ، السماء الواقفة في ردائها الازرق تظلل كائنات الطريق الودود .هياج الحافلات يجدد الوان الميدان . دقة طبول الوحش في مهرجان الغياب ، اصواتها العاليه تذبح الغيوم الصغيره العابره . يلملم القمر ثوبه و يدخل في صمت القصدير ، يفتح باب حجرته الفضيه لا يحفل بدم البرق . و في قصة مريم عسل الجنوب يقول قال غبريال (اما انا فقد اقتفيت اثار الطير و النهر فحملني الي بعض القري الشماليه و عندما اكتملت لي اشارات النخيل و القمح ، وقفت علي حصداها حتي تواصل الغناء علي انغام الربابه و ضرب الاكف و خطوات رقص الحمام ، فلما تبعثرت روحي نشرت قلوعي ماضيا بدراستي العاليه لمعالجه علل القمح في المدائن البيضاء البعيده ، و قد عبرت لها البحار و اخترقت سماوات غابت عنها شمس الحراره الملتهبه . في تجوالي سكنت روحي الي قرنفله اهديتها قلبي فانجبت لي فتا نابها. جلبت له صغري شقيقاتي لتلقنه حروف لهجة ابائنا لتمتد جذوره عميقا و تطل شجرته علي الغابة الكبري ) . و كمعالجه شعريه لمشكلة الجنوب في قصة مريم عسل الجنوب يقول الرائع عثمان كل صباح تدخل الشمس من نفس النافذه ، كل صباح يدخل صوت النفير مع ضوء الشمس ، من النافذه . كل صباح اخرج من الباب بعد ان اتناول افطارا جافا . كل صباح نحصي عدد الجنود فنجد واحدا ناقصا . عندما تخرج الاخبار من غمدها و تعبر الشاطئ لتدخل في علبة الاثير النقاله ، يصبح الصباح فاذا بالمدينه البعيده ارملة اخري و حفنة اطفال تيتموا . ياتي المساء بسطوة الظلام و السكون ، و عندما تدخل الشمس من النافذه يتبعها صوت النفير ، و يصطف من تبقي من الجنود . لعثمان كذلك مجموعه قصصيه قديمه هي رائحة الموت . تلفون عثمان النقال الذي اعطيه لكم بدون اذنه هو 00971506172989 و بريده الاليكتروني هو [email protected] فالي شبابنا و كتابنا و ابنائنا ، هذا هو عثمان . انه لكم . الحديث معه رائع و كلماته كالدرر ، خذوه فالرحيق لا يبقي الي الابد . عندي نسخه واحده ادخرها لامير تاج السر اذا تحصلت علي عنوانه . و لكم التحيه شوقي السمكة عثمان حامد سليمان في قفزاتها المتتابعة تلفتت السمكة النزقة يمنة ويسرة ، ارهفت سمعها لاصوات الصيادين ، كانت امسية صيفية حارة و كان النهرهادئا متكاسلا . نجيمة السماء الزاهرة كانت ترسل شعاعها الواهن و ترمق السمكة وهي تخطو خطوة حذرة علي رمل الشاطيء ، خطت خطوة اخري ، توغلت في اليابسة ، فارقت اصوات النهر وتناهي الي سمعها بعض اصوات المدينة ، حثت السير ، تعثرت في الحصي ، جاهدت التراب والشوك واخذت تجد في سيرها ، تباعدت اصوات المدينة وانوارها ، تقرحت لهاتها بعد ان ملأت خياشيمها من هواء الليل ، دفنت نصفها في رمل الصحراء واخذت تتطلع الي السماء ، ابتسمت لها نجيمة السماء الزاهرة مشجعة وقالت ,, ستجف هذه المجنونة حين يجف ماء النهر من مسامها ،، . هبت عليها ريح الصحراء وانقلبت حالة الطقس ، غسلت جلدها بقطرات المطر و تمرغت في حبيبات الرمل المبللة ، وهذا الصباح اشرقت الشمس علي فضاء فسيح ، اجفلت الصبارة و مالت علي صاحبتها الصبارة و قالت لها ،، انظري الي هذه السمكة النزقة ، حدثتني عنها النجمة البعيدة الليلة البارحة فقالت انها فارقت النهر وستجف حتما .. آه لم يبق الا السمك حتي يجئ الي هنا ،، . ليلة بعد ليلة والسمكة تجاهد العيش ، تلتقط الرزاز حين تجود السماء و تتمرغ في نداوة الارض ، تكاد تجف عند طلوع الشمس ، تشاكس الصبار وتنقر حوافه و في ليلة فأجاها مخاض السمك و جاءتها الولادة و هي تبكي نادمة علي فراق النهر و اخرجت بويضاتها ، دفنتها في بطن الرمل ،خرجت من جوف الارض سميكات واهنات تلفتن ونظرن للصبارات و تراكضن هنا و هناك ، انهن لايشبهن صغار السمك في النهر . وفي الليل كانت النجمة ترسل ابتسامتها المشفقة الشاحبة و تجول بنظراتها الواهنة ، ترمق السمكة و هي تجمع صغيراتها من حولها لتقص عليهن قصة النهر و الاعيب صويحباتها و تحكي لصغارها عن السباحة في الاعماق و كيف كانت تفلت من شباك الصيادين و من انياب السمك الكبير. توارت النجمة بين السحاب فقالت السمكة ،، يا صغيراتي ان النهر صحراء كبيرة كبيرة ممتدة تفيض بالدموع ،، و بدأت السميكات الصغيرات يفهمن ان النهر ماء كثير ، ماء كثير ، ماء بعيد . [email protected]