تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسلامويون يبتهجون بتدخل الناتو العسكري في ليبيا ويعارضون حماية المدنيين في السودان !
نشر في حريات يوم 22 - 10 - 2011

تسعى (حريات) الى تمليك قرائها وجهات نظر متعددة لاغناء فهم الانتفاضات العربية الجارية حالياً .
وتقدم أدناه وجهة نظر المفكر المصري محمد حسنين هيكل – وهو مفكر قومي عربي ، تتصف تصوراته الفكرية بضعف الهم الديمقراطي ، مما يجعله يهون من بحث الشعوب العربية عن الكرامة والحريات ، ومع ذلك فان تحليله عن تكالب جديد حول موارد المنطقة فيه كثير من الوجاهة.
واللافت أن الحكومات الغربية تدعم (الربيع) العربي في عدة بلدان ، بما في ذلك بالقوة المسلحة ، رغم بروز التيارات الاسلاموية والسلفية في هذه البلدان الأمر الذي يشير الى ضعف احتمال انتصار الديمقراطية فيها ، وفي المقابل ترفض هذه الحكومات تفسها دعم المعارضة الديمقراطية في السودان ، بل وترفض مجرد فرض حظر جوي لحماية المدنيين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق (!) ، مما يرجح بأن أسباب (الدعم) هناك وعدمه هنا تتصل بمصالح استراتيجية واقتصادية وليس خيرية أو أخلاقية.
واذ يتبني الديمقراطيون مبدأ مسؤولية الحماية باتساق وفي جميع الحالات – مسؤولية المجتمع الدولي عن حماية المدنيين ، سواء في ليبيا أو سوريا أو اليمن أو السودان ، فان الاسلامويين – خصوصاً السودانيين – يبتهجون بدعم الناتو العسكري في ليبيا ، ويدعون الى التدخل الدولي في اليمن ، ولكنهم يعارضون ذات التدخل في السودان ! رغم ان اسبابه في السودان أعلى وأكبر من أسبابه في الدول الأخرى ! مما يؤكد ازدواجية معاييرهم ، وهو الأمر الذي يأخذونه ويكررونه دوماً في نقد الحكومات الغربية !!
أدناه تحليل محمد حسنين هيكل في حواره مع صحيفة (الاهرام) :
أكد الكاتب والمحلل السياسي محمد حسنين هيكل بأن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس « ربيعاً عربياً » وإنما « سايكس بيكو » جديد لتقسيم العالم العبي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن 3 مشاريع، الأول غربي « أوربي- امريكي » والثاني إيراني والثالث تركي بالإضافة إلى نصف مشروع اسرائيلي لإجهاض القضية الفلسطينية..
لافتاً إلى ان الاعتراف الامريكي الغربي بالاخوان المسلمين لم يأت قبولاً بحق لهم ولا اعجاباً ولا حكمة، لكنه جاء قبولاً بنصيحة عدد من المستشرقين لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين، مضيفاً بأن نشوة الاخوان بالاعتراف الأمريكي الغربي بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف.
وأشار هيكل إلى أن ما نراه الآن ليس مجرد ربيع عربي تهب نسماته على المنطقة، وإنما هو تغيير اقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة ويحدث آثاراً عميقة ومحفوفة بالمخاطر أيضاً.
وقال: « ما نراه في هذه اللحظة هو مشروع قومي يتهاوى، وبقاياه تجري إزاحتها الآن، ومشروعات أخرى تتسابق إلى الفراغ، بعد أن أضاع ذلك المشروع مكانه وزمانه ».. وأضاف: « أكاد أرى الآن خرائط كانت معلقة على الجدران ترفع الآن وتطوى، لأن المشاهد اختلفت، فالمواقع العصية تأدبت أو يجري تأديبها والمواقع الضائعة استعيدت أو انها تستعاد الآن، وكل ذلك تمهيد لفصل في شرق أوسط يعاد الآن تخطيطه وترتيبه وتأمينه، حتى لا يفلت مرة أخرى كما حدث عندما راود العرب حلم مشروعهم القومي، وتبدى لسنوات كأن هذا المشروع القومي العربي هو شكل المستقبل .
واشار إلى أن المشروع الغربي وهو أمريكي أوربي يزحف على خطين وبحركة كماشة على الجناحين تطوق وتحاصر، الخط الأول مرئي مسموع محسوس ومسعاه اغراق المنطقة في صراع اسلامي – اسلامي، وبالتحديد سني شيعي، وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات، عندما سقط النظام الامبراطوري في ايران، وحل محله نظام الثورة الاسلامية.. أما الخط الثاني لهذا المشروع الامريكي – الأوروبي فهو الخط الموازي لخط الفتنة والذي يزحف بسرعة لافتة حتى يسبق غيره والمتمثل بتقسيم المنطقة على طريقة « سايكس بيكو » مع تعديل ما تقتضيه متغيرات الاحوال
مبيناً أن « الخرائط الجديدة لا توزع إرث الخلافة العثمانية وإنما توزع إرث المشروع القومي العربي الذي تمكن من طرد الاستعمار الغربي في مرحلة سابقة وحاول أن يملأ الفراغ وعجز.. وأن دولة الخلافة العثمانية لم تستطع أن تحمي أملاكها، وهكذا جرى ارثها، وان المشروع العربي لم يستطع أن يحمي نفسه وهكذا اليوم يتوزع ارثه.
واستطرد هيكل قائلاً: « سايكس بيكو الأولى كانت خطاً على خريطة، يصل من (الكاف) إلى (الكاف).. الكاف في عكا والكاف في كركوك ويفصل الشمال.. هذه المرة ليس هناك خطاً فاصلاً، وانما هناك مواقع متناثرة.. التقسيم في المرة الأولى كان تقسيماً جغرافياً وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة تقسيم موارد ومواقع، وبوضوح فإن ما يجري تقسيمه الآن هو أولاً النفط وفوائضه.. نفط وفوائض ليبيا بعد نفط وفوائض العراق.
وفي رده على سؤال طلب منه إعطاء نموذج لتطبيق سايكس بيكو الجديدة عملياً على ما يجري الآن في ليبيا، أجاب هيكل قائلاً: « نحن نعلم مما نقرؤه الآن أن نفط ليبيا جرى توزيع امتيازاته فعلاً، وبنسب أذيعت على الملأ، كانت 30% لفرنسا (شركة توتال) و20% لبريطانيا (شركة بريتش بتروليم)، والحصة أقل لأن بريطانيا أخذت أكثر في نفط العراق.. وليست أمامي الآن نسب التوزيع فيما بقي، لكن ايطاليا تطالب بحق مكتسب (شركة إيني)، ثم ان الشركات الامريكية تلح على دخول قائمة الوارثين.. وبعد إرث الموارد هناك.
ثانياً تخصيص المواقع من خلال قاعدة للاسطول السادس في طرابلس لأمريكا ومركز مخابرات في بنغازي وطبرق لبريطانيا، وإيطاليا تحتج بانها تاريخياً تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها، وفرنسا عبر البحر لها مطالبها.. كل هذا وصوت المعارك لا يزال يدوي، وسيل الدماء لا يزال يتدفق.
ونقل هيكل اعترافاً جاء على لسان شخص قريب الصلة بالمجلس الانتقالي في لييبا بأنهم تصوروا بمجرد هبة في بنغازي ان يفعل القذافي مثل ما فعل بن علي في تونس ومبارك في مصر ويمشي.
وأشار هيكل إلى أن ما يجري في ليبيا لم يعد ثورة شعبية فقط، وانما يبدو الآن غزواً خارجياً، واستيلاء راح ضحيته حتى الآن أكثر من 30 الف رجل وامراة وطفل من الليبيين، وجرح منهم قرابة 70 الف، وقع تدمير مرافق ومنشآت.
وإذ شدد هيكل على أن نضج عناصر أي ثورة ضرورة لنجاح فعلها، قال: « بكل أمانة فالثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الاسلوب.. الثورات فعل لا يتم بطريقة (تسليم المفتاح)، أعني أنه ليست هناك ثورات تسليم مفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة.. هذه القوى الخارجية تريد مصالحها فقط، ولا يصح ان يتصور أحد انها بعد المصالح تريد تحرير شعب.. ولقد عرفنا مما سمعناه ورأيناه في شبه الجزيرة العربية عن بناء القصور بطريقة مقاولة (تسليم مفتاح) كما يقال في التعبير الشائع- وذلك حدث أيضاً في مجال الموانئ والمطارات، كله مدفوع نقداً ومقدماً برسم التسليم على المفتاح.. لكن الثورات شيء آخر.
وقال هيكل: « قرأت قبل أسابيع عنواناً في صحيفة بأن حلف الاطلنطي يفتح الطريق لتحرير طرابلس وأنا لا أعلم أن حلف الاطلنطي يريد أن يحرر شبراً عربياً
وأضاف: « لم يتعلم العرب في الماضي ولا في الحاضر أنه ليست هناك عهود للدول إلا ما تقتضيه أسباب القوة، فكلهم سوف يتنكرون لأي عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعته مصالحه
وعن المشروعين الايراني والتركي في المنطقة، أوضح هيكل بأن هناك مشروع ايراني وهو محدود في إطاره لأسباب عديدة تضعها الجغرافيا بالمسافات ويصنعها التاريخ بالثقافات، إلى جانب أن هذا المشروع تحت حصار، وعليه فان استراتيجيته الآن دفاع، وهناك أيضاً مشروع تركي لديه حظ أكبر لأن أساسه التاريخي لا يزال في الذاكرة وفي المواريث.. مذكراً بأن تركيا العثمانية كانت هي الضحية التي توزع ارثها على الآخرين في « سايكس بيكو » الأولى وهي الآن امام اغراء ان تكون شريكاً في الارث الجديد بعد ان كانت ضحيته في سابقه.
وقال بأن: « الاعتراف الامريكي والغربي بالاخوان المسلمين لم يجيء قبولاً بحق لهم، ولا تقديراً تجلت دواعيه فجأة امام المعترفين، ولا اعجاباً ولا حكمة، لكنه جاء قبولاً – ولو جزئياً- بنصيحة عدد من المستشرقين بينهم « برنارد لويس تطلب مدداً ليستكمل عزل ايران في العالم العربي والاسلامي بالفتنة المذهبية.
وأضاف هيكل بأن ما حدث في بداية القبول بنصائح « برنارد لويس » هو أن السياسة الامريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب لتحقيق المطلب، وعلقت أهمية ظاهرة على جهود الامراء والرؤساء في محاولة تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة من صراع (عربي اسرائيلي) إلى صراع (عربي فارسي) وأن النجاح لم يكن بمستوى ما يطلبه الكبار في واشنطن وغيرها، فتجددت نصيحة الاستشراق بان الافضل فاعلية للمواجهة لتصبح أقوى، إذا انتقلت من كونها حكومات امام حكومات لكي تصبح مجتمعات ضد مجتمعات، ولتكن المواجهة بين المذاهب الاسلامية كونها عداءً مباشراً وأعمق نفاذاً.
وتحدث هيكل عما حدث من تعديل في السياسة الامريكية نحو تشجيع وتوسيع عملية المواجهة بين جماعات سنة وجماعات شيعة.. وأضاف: بهذا القصد طرأت مسألة الاعتراف بالاخوان وبقبول مشاركتهم شرعياً فيما كان محظوراً عليهم من قبل، والاخوان تنظيم سني نشيط، ومن المفيد كذلك أن يرى أصحاب الطلب هذه اللحظة ان يكون للاخوان السنة دور على مستوى الشارع العربي في مواجهة مع الشيعة في قلبه.
وأردف قائلاً: كان من حق الاخوان ان يعترف بهم لكن واجبهم بعد النشوة ان يطلوا على بواعث الاعتراف، بمعنى ان حقهم صحيح لكن توظيف هذا الحق في تأجيج فتنة في الاسلام لصالح آخرين خطأً، خصوصاً في هذه الظروف.
وفي ذات الصعيد أكد عدد من المحللين والمراقبين ان مشاركة ايطاليا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقطر وأمريكا في تقاسم ثروات ليبيا قد باتت حتمية وبقوة، مستشهدين بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الحكومة البريطانية كاميرون إلى طرابلس أواخر أغسطس الماضي لحضور ما أسموه « حفلة تقاسم الكعكة النفطية الليبية » والتي خص فيها رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل « الحلفاء والاصدقاء » بان لهم الأولوية في عقود النفط، وبأن كل من ساعدت ليبيا سيكون له الأولوية في جميع الميادين، لا في قطاع الطاقة والنفط فحسب.
وقالوا ان ليبيا تشهد حالياً تسريعاً لوتيرة العمل في انتاج النفط بغية تأمين إيرادات الحكومة الجديدة وكونه أيضاً حاجة ملحة لدول الغرب، وخصوصاً انها على أبواب الشتاء وتحتاج إلى كميات من الغاز للتدفئة، وفيما تتأهب الشركات النفطية الأجنبية لاستئناف عملها في الحقول الليبية، تتأهب شركات أخرى تابعة للدول التي شاركت في عملية « الحامي الموحد » لحلف شمال الاطلنطي في ليبيا، للتمتع بامتيازات جديدة كعربون « وفاء » لوقفة دولها مع المعارضين الليبيين في عملية اطاحة نظام القذافي.
فإلى الحوار:
- كيف ترى «طقوس» الربيع العربى. هل هو نهاية لمشروع نظام عربى قديم أم هو «تنقيح» له؟
- ما نراه الآن ليس مجرد الربيع العربي تهب نسماته على المنطقة، وليس مجرد عاصفة تقتحم أجواءه برياحها وغبارها وعتمتها، وإنما هو في ذات الوقت تغيير إقليمي ودولي سياسي، يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة، ويحدث آثارا عميقة، وأيضا محفوفة بالخطر!
ما نراه الآن هو إزاحة وتصفية وكنس بقايا وعوالق مشروع نظام عربي، حاول عدد من رواد النهضة في هذه الأمة أن يبشروا به، وحاول ساسة على مسار هذه النهضة أن يمهدوا له، وحاولت شعوب كثيرة أن تقيم أعمدته – بعد غيبة عربية طويلة عن التاريخ، وقد تبدى في بعض سنين الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين أن هذا المشروع العربي قابل للبقاء وقابل للنجاح، ثم فجأة تخلى العرب عن مشروعهم، حين استجدت ظروف ومتغيرات، وبعد التخلي بدأ التراجع، وراحت تداعيات هذا التراجع تظهر يوما بعد يوم، وتحدث آثارها، حتى جاءت لحظة السقوط النهائي، فإذا المشروع يتهاوى كتلا وأحجارا وعوالق وزوائد، لم تكن في الحقيقة تمثله أو تعبر عنه، لأنها كانت رواسب مرحلة.
وهذا ما نراه هذه اللحظة: مشروع قومي يتهاوى، وبقاياه تجري إزاحتها الآن، كما أن هناك مشروعات أخرى تتسابق إلى الفراغ، بعد أن أضاع ذلك المشروع مكانه وزمانه.
- إذا كان المشروع القومى العربى يتهاوى الآن. فما هى نقطة البداية لهذا الانهيار أو السقوط؟
- يمكن أن نتوقف هنا لحظة لإيضاح أنبه به إلى أن المشروع لم يسقط كما يظن بعضنا نتيجة لضربة 1967، فكل المشروعات التاريخية الكبرى – وفيها المشروع الأمريكي – وفيها المشروع الأوروبي – وفيها المشروع الآسيوي – وغيرها خاضت الحروب، وتلقت الضربات، وتحملت النكسات، لكن مشروعاتها بقيت، دافعت عن نفسها، وواصلت دورها.
ثم إن المشروع العربي ذاته بعد ضربة 67 استعاد إرادته وقدراته، وخاض معركة سنة 1973، وأثبت – خصوصا في الأيام العشرة الأولى من تلك المعركة – أن بنيانه على ما فيه من ثغرات – قادر بموارده وإرادة شعوبه، وبجيوشه وتحالفاته – على الصمود.
وكذلك – وعلى نفس السياق فإنه ليس دقيقا إن يُقال أن المشروع العربي وقع مع نسف برجي التجارة في “نيويورك” 11 سبتمبر 2001، لأن هذه الحادثة مع بشاعتها، لا يتحملها العرب، وإذا كان شباب من المسلمين قاموا بها – حسب ما هو ظاهر – فإن المسئولية تعود إلى من حاولوا إعدادهم وتوظيفهم في حرب باسم “الجهاد الإسلامي” ضد الإلحاد الشيوعي في أفغانستان – كما قالوا.
وقد أضيف أن حادثة نيويورك – مع أنها كانت صدمة إنسانية وسياسية كبرى – إلا أنها لم تكن العملية الإرهابية الأكبر والأخطر في زمانها.
وفي الحقيقة فإن العملية الإرهابية الأكبر والأخطر في العصر الحديث لم تكن من صنع عشرة أو عشرين رجلا خطفوا ثلاث طائرات، حوَّلوها إلى قنابل بشرية قتلت مئات الأبرياء.
وإنما الأخطر مما حدث في سبتمبر 2001 هو ما حدث في “نيويورك” أيضا بعد ست سنوات أي في 2007، إرهاب قام به خمسون أو ستون فردا من رؤساء البنوك الكبرى، استهتروا واستغلوا وتصرفوا بما أدى إلى انهيار الأسواق المالية في العالم، وتهاوي الأحوال الاقتصادية، وإفلاس وصل بالاقتصاد الدولي كله إلى حافة الخراب!
بمعنى أن حوادث “نيويورك” مع آلامها الإنسانية مثلها مثل أي حادث من الحوادث البشعة المشهورة، كغرق عبَّارة في البحر الأحمر مثلا – أو مثل نسف عمارة آهلة بالسكان في “أوكلاهوما”، وغيرها يمكن استيعابه عذابا إنسانيا وألما، وأما ما جرى للاقتصاد العالمي فهو كارثة أصابت كل الأوطان وكل البلدان في حاضرها وفي مستقبلها وإلى زمان طويل، تستعصي آثاره على حساب مدخرات الشعوب!
والواقع رغم المفارقة في هذا الواقع – أنه إذا كان زعيم القاعدة “أسامة بن لادن” إرهابيا – فإن “آلان جرينسبان” رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي سابقا وخمسين أو ستين معه من رؤساء البنوك – تصرفوا بما أدى إلى إرهاب أكثر وحشية، لأن وحشية خراب على مستوى العالم أكبر من وحشية الدمار، حين تتعرض لها مدينة – حتى وإن كانت «نيويورك»! «عندما أثرت هذه المسألة فى مؤتمر للمستشرقين قبل سنوات عارضنى بعضهم، والآن لعل بينهم من يعيد تقديره لما جرى وآثاره التى لاتزال حتى هذه اللحظة تروع الاقتصاد العالمى».
- لنبقى فى قضية انهيار المشروع العربى ونتساءل: ما هو دور العرب أنفسهم فى هذا السقوط؟
- أعود إلى كلامي عن انهيار المشروع العربي كما نراه الآن – وبصفة عامة – هو موضوع له أسباب كثيرة، وهو يستحق بحثا أوسع وأعمق أكثر في مجال آخر غير لقائنا اليوم.
فإذا عُدنا إلى سياقنا الأًصلي فإن أحدا لا يستطيع إنكار أن النظام العربي راح يهتز منذ سنين، ثم يتآكل ويتداعى، وهذه عملية بدأت للدقة مع خروج مصر من العالم العربي بصلح منفرد مع إسرائيل – ثم تواصلت مع حرب أهلية في لبنان – ثم مع حرب ضد إيران – ثم مع غزو للكويت – ثم مع تدمير للعراق – ثم مع جهالة ليس لها نظير في إدارة القضية الفلسطينية، والقائمة طويلة، وأظهرها حماقات زادت عن الحد هنا وهناك في العالم العربي، وأثار بعضها من الاستهانة والاستهتار أكثر مما أثار من الاحترام والاعتبار، والأمثلة أمامنا.
وكذلك حلت مرحلة سقوط الأطلال، وإزاحة ما تهاوى من شظايا وبقايا.
وهذا بالضبط ما نراه الآن، ومعه وبالطبع فقد تفتحت الأبواب والنوافذ في المنطقة على مصراعيها لشيء مختلف، هو يقينا غير عربي، وهو على الارجح سيظل معنا إلى زمن طويل!
لا الطبيعة ولا التاريخ يصح فيهما فراغ، وإذا لم يستطع أهل منطقة ولا أهل عصر أن يملأوا فضاءها وفضاءه، فسوف تندفع القوى الأقرب لملء الفراغ، وهذا بالضبط ما يحدث الآن، العرب ينسحبون، وآخرون يتقدمون حاملين أسماء أخرى، وعلامات أخرى، وبيارق أخرى، ومبادئ ومطالب أخرى.
- هؤلاء الذين يتقدمون بينما ينسحب العرب. ماذا يفعلون تحديدا مع الملف الفلسطينى؟
- أكاد أرى حتى من مقعدي في هذا المكتب أن هناك حركة نشيطة تجري في مواقع صنع القرار في عواصم مؤثرة وفاعلة – ملفات جديدة تطرح وملفات غيرها تُرفع – وخرائط جديدة تجيء، وخرائط غيرها تطوى.
ملف الصراع “العربي – الإسرائيلي” مثلا يُزاح من اهتمامات البيت الأبيض، ويُحال إلى لجنة فرعية في الأمم المتحدة.
ملف التفاوض “الفلسطيني – الإسرائيلي” مثلا يخرج من مكتب “هيلاري كلينتون” (وزيرة الخارجية الأمريكية)، ليذهب إلى فندق “الكوخ” السويسري Swiss Cottage في القدس، حيث مكتب “توني بلير” الذي عُهد إليه بتمثيل اللجنة الرباعية فى إدارة مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، وهو في الحقيقة مجرد قناع ظاهر، لأن الذي يمسك بالملف فعلا هو “دنيس روس” موظف الخارجية الأمريكية الغامض، الذي أشرف منذ سنوات على كتم أنفاس أهم قضايا العرب.
وإذا كان هناك من يريد أن يعرف إلى أين وصلت قضية القضايا العربية وهي “فلسطين”، فعليه أن يطلع على مذكرة عمل طرحها “توني بلير” و”دنيس روس” على الدول الأعضاء فى الرباعية لمواجهة ما يطلبه الفلسطينيون من الأمم المتحدة، من الاعتراف بفلسطين دولة عضوا في الأمم المتحدة.
الاقتراح عُرض ونوقش جديا في عواصم كبرى.
مؤداه:
أنه بدلا من دولة فلسطينية كاملة العضوية فى الأمم المتحدة فانهم يعرضون ماسموه “خيار الفاتيكان” Vatican option، دولة مُعترف بها، لكنها ليست عضوا في الأمم المتحدة – وذلك وضع الفاتيكان.
وحاول “توني بلير” و”دنيس روس” إقناع عواصم كثيرة والمنطق أنه:
بدلا اعتراض أمريكا فيتو على دولة فلسطينية عضو في الأمم المتحدة.
وبدلا من إغضاب الولايات المتحدة والغرب.
لماذا لا يقبل الفلسطينيون الآن حلا مؤقتا يرضى طموحاتهم فى دولة أو بمعنى أدق نصف دولة يعترف بها العالم ولكنها ليست دولة أو لها حدود نصف دولة يعترف بها العالم، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على استعداد للاعتراف بمثل هذا الحل الذى يوفق بين مطالب الجميع.
ومع أن لدى شخصيا بعض التخوف من فكرة إعلان دولة فلسطينية بغير ضمانات محددة لحقوق اللاجئين وحق العودة تواجه حقوقا أساسية سوف تظل عالقة بعدها: القضية الرئيسية لفلسطين وكافة جوانبها؟! – حقوق اللاجئين وحق العودة – وداعى التخوف من أن تتحول الدولة الفلسطينية المقترحة أمام إسرائيل إلى دولة أمام دولة، ثم إن ما بينهما ساعتها مجرد مشكلة خلاف على حدود.
ومن حسن الحظ أن البعض تنبهوا إلى أن خيار الفاتيكان خيار مراسمي، وليس خيارا سياسيا، بمعنى أنه ينشئ شبه هيئة تُسمى نصف دولة، لاتتعدى سياستها جدران المسجد الأقصى في القدس حتى وإن رفعوا عليه علما عربيا أو اسلاميا وهو ما لا تمانع فيه إسرائيل، ثم إن المشكلة تنتهي به، وبدلا من الانتقال من نصف دولة إلى دولة، فإن قضية فلسطين سوف تُصفى ويلقى بها على الرصيف المجاور لحائط المسجد، وهناك تستطيع أن تعيش على صدقات المارة والعابرين!
وذلك تجديد في الفكر السياسي لا يتجاسر عليه إلا رجل مثل “توني بلير”، وآخر من طراز “دنيس روس”!
- القضية الفلسطينية على ما يبدو ليست وحدها التى تتعرض للتصفية. ماذا عن قضايا العرب الأخرى؟
- ملفات كثيرة أخرى تُزاح، ومع الملفات صور رجال ونساء أدوا أغراضهم، واستهلكوا فائدة وجودهم، وكعادة القوى الكبرى في التاريخ لا يهمها إطالة النظر إلى ألبومات الصور القديمة، وكذلك تلقى إلى سلال المهملات صور رجال كانوا ملء الساحة في الشرق الأوسط وفي العالم العربي.
فوق الملفات والصور، أكاد أرى الآن أن خرائط كانت معلقة على الجدران ترفع الآن وتُطوى، لأن المشاهد اختلفت: المواقع العصية تأدبت أو يجري تأديبها – والمواقع الضائعة استعيدت، أو أنها تُستعاد الآن.
وكل ذلك تمهيد لفصل في شرق أوسط يُعاد الآن تخطيطه وترتيبه وتأمينه، حتى لا يفلت مرة أخرى كما حدث عندما راود العرب حلم مشروعهم القومي، وتبدى لسنوات كأن هذا المشروع القومي العربي هو شكل المستقبل!
- فى إطار رؤيتك الثاقبة الراصدة لما يجرى على الساحة من هم اللاعبون الرئيسيون وماهى مشروعاتهم؟
- على الساحة الآن وبالتحديد 3 مشروعات ونصف!
الأول مشروع غربي يبدو مصمما ولديه فعلا من أدوات الفعل والتأثير ما يشجع طلابه – والثاني مشروع تركي يبدو طامحا – والثالث مشروع إيراني يؤذن من بعيد على استحياء – ثم أخيرا نصف مشروع أو شبح مشروع إسرائيلي يتسم بالغلاظة، وأقول إنه شبح مشروع، لأنه فيما أرى بلا مستقبل على المدى البعيد، وهذه قضية معقدة نناقشها فيما بعد، رغم أن هذا الشبح الإسرائيلي يبدو متشجعا هذه اللحظة وكأنه يتمدد، لكني أظن أن ما تراه إسرائيل نوعا من خداع البصر، سببه في الغالب هذه الحركة السريعة لتهاوي المشروع العربي والفراغ الواسع في المنطقة بعد سقوطه.
شيء وحيد يقلق إسرائيل الآن، وهو المخاوف من أن ما يجري الآن في مصر يؤثر على ما يُسمى “معاهدة سلام”!
- لنبدأ بالمشروع الغربى ماهى ملامحه وكيف يتحرك؟
- المشروع الغربي: وهو أمريكي أوروبي، وهو مشروع يؤرقني فعلا، وأراه أمامي يزحف على خطين وبحركة كماشة على الجناحين تطوق وتحاصر:
الخط الأول مرئي مسموع محسوس: ومسعاه إغراق المنطقة في صراع إسلامي – إسلامي، بالتحديد سني – شيعي، وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات، عندما سقط النظام “الإمبراطوري” في إيران، وحل محله نظام الثورة الإسلامية.
نتذكر أن الثورة الإسلامية ضد النظام “الإمبراطوري” في إيران كانت أكبر ضربة وجهت إلى الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة، وقد حاولت ولاتزال تحاول تعويضها – وجربت ولاتزال تجرب بوسائل الدعاية، وبوسائل المخابرات، وبوسائل الحرب، وبوسائل الحصار، ولم تنجح حتى هذه اللحظة، ثم نصح الناصحون من الخبراء وأولهم المستشرق الأشهر “برنارد لويس” بالتركيز على تناقض “عربي – فارسي” له جذور تاريخية، لكن العمل على هذا التناقض لم يبلغ مقصده، وكذلك جرى تطويره بالفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، ووجدت الفتنة من يساعدها في المنطقة، والغريب أن هؤلاء الذين يساعدونها من المنطقة كانوا أصدقاء لنظام “الشاه” وهو شيعي – ثم أصبحوا أعداء لنظام الثورة الإسلامية وهو شيعي، لكنهم تحملوا خلاف المذاهب مع الشاه ولم يزعجهم، وأما الثورة الإيرانية فإن الشيطان كله تجسَّد في المذهب، ومن الواضح أن المذهب ليس مكمن العداء، وإنما العداء سياسي، يُعاد فيه بعث مآسي الإسلام السابقة في خدمة مصالح غير اسلامية لاحقة الى جانب أن هذا البعث للفتنة يحول الانظار عن أى تهديد لهذه المصالح، وفي الحالتين – حالة الفتنة وحالة تحويل الأنظار – فإن المرغوب فيه حرب أهلية إسلامية مزقت العرب والمسلمين مرة، ومرات، والآن تجري استعادتها مرة أخرى.
- نريد مزيدا من الإيضاح هنا. كيف يعمل الغرب على تحويل الخلاف المذهبى السنى الشيعى إلى فتنة وصولا إلى استعادة تلك الحرب الأهلية بين المسلمين مرة أخرى؟
- هذه النقطة التي نحن عندها تذكرني بمسألة أشرت إليها من قبل حين تحدثت عن رفع الحظر الأمريكي والغربي أخيرا عن “الإخوان المسلمين”.
أريد أن أعود إلى ما أشرت إليه من قبل من أن الاعتراف الأمريكي والغربي بالإخوان المسلمين لم يجيء قبولا بحق لهم، ولا تقديرا تجلت دواعيه فجأة أمام المعترفين، ولا إعجابا ولا حكمة، لكنه جاء قبولا – ولو جزئيا – بنصيحة عدد من المستشرقين، بينهم “برنارد لويس” – أيضا!- تطلب مددا يستكمل عزل إيران في العالم الإسلامي والعربي بالفتنة المذهبية.
وما حدث أنه في بداية القبول بنصائح “برنارد لويس”، أن السياسة الأمريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب، سواء في ذلك أمراء السعودية من الملك “فهد” وغيره – أو رؤساء دول عربية مؤثرة مثل “مبارك” وغيره – لتحقيق المطلب!
وبالفعل علَّقت الولايات المتحدة أهمية ظاهرة على جهود الأمراء والرؤساء، وهم يحاولون تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة من كونه “عربيا – إسرائيليا”، حتى يصبح “عربيا – فارسيا”، ولم يكن نجاح هؤلاء الأمراء والرؤساء على مستوى ما يطلبه الكبار في واشنطن وغيرها.
وتجددت نصيحة الاستشراق بأن الأفضلية فاعلية المواجهة لتصبح اقوى اذ انتقلت من كونها حكومات أمام حكومات لكي تصبح مجتمعات ضد مجتمعات، أي أنه بدلا من مواجهة بين السعودية وبين إيران، فلتكن المواجهة بين المذاهب الإسلامية، فذلك عداء مباشر وأعمق نفاذا، وكذلك حدث تعديل في السياسة الأمريكية، بما يشجع ويوسع عملية المواجهة – اعتمادا على تجمعات جماهير من السنة تواجه تجمعات جماهير من الشيعة – وبالتالي تصبح المواجهة مزدوجة التأثير، مواجهة على مستوى دولة ودولة، وبالتوازي مواجهة على مستوى الجماهير بين جماعات وجماعات – سنة وشيعة!
بهذا القصد طرأت مسألة الاعتراف بالإخوان، وبقبول مشاركتهم شرعيا فيما كان محظورا عليهم من قبل، والإخوان تنظيم سنى نشيط، ومن المفيد – كذلك يرى أصحاب الطلب! – هذه اللحظة أن يكون للإخوان السنة دور على مستوى الشارع العربي في مواجهة مع الشيعة في قلبه!
- وما هو دور الإخوان بالضبط؟
- الحقيقة أنني لا أحسب أن الإخوان ضالعون في هذا القصد، وربما أن نشوة الاعتراف بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف.
وكان من حق الإخوان أن يُعترف بهم، لكن واجبهم بعد النشوة أن يطلوا على بواعثه.
بمعنى أن حقهم صحيح، ثم إن توظيف هذا الحق في تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين – خطأ، خصوصا في هذه الظروف.
ذلك هو الخط الأول في زحف المشروع الأمريكي والأوروبي.
- عودة إلى المشروعات المطروحة على الساحة العربية الآن. لنتحدث عن الخط الثانى للمشروع الأمريكى الأوروبى؟
- الخط الثاني لهذا المشروع الأمريكي الأوروبي هو الخط الموازي لخط الفتنة، هذا الخط الثاني هو الآخر يزحف، ويزحف بسرعة لافتة حتى يسبق غيره، وأيضا يسبق أي طوارئ محتملة في المنطقة، بسبب الربيع العربي، خصوصا في القاهرة. والمشروع الأمريكي الأوروبي هو تقسيم للمنطقة على طريقة “سايكس بيكو” مع تعديل ما تقتضيه متغيرات الأحوال.
تتذكرون بالقطع اتفاقية “سايكس بيكو” الشهيرة، كلنا يعرف ما جرى لنا بسببها، ولكننا نحتاج الآن إلى معرفة ملابساتها، والاطلاع على دخائلها كما تظهر في أوراقها ووقائعها لسبب أساسي هو أن الماضي أحيانا كاشف للحاضر.
لكي أوضح قصدي، سوف أستطرد قليلا:
اتفاقية “سايكس بيكو” هي اتفاق توزيع العالم العربي ضمن أملاك الخلافة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا، وقد جرى التوصل إلى هذه الاتفاقية بعد محادثات بين سياسي إنجليزي هو السير “مارك سايكس” (وكان عضوا في مجلس العموم، ومقربا من “ونستون تشرشل” عضو وزارة الحرب البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى) – وأمامه على المائدة السفير “فرانسوا بيكو” (وهو دبلوماسي فرنسي اهتم بالمشرق العربي، واعتبر أن لفرنسا حقا في الشام، لا يصح أن ينازعها عليه أحد).
وكان هدف محادثات الرجلين ترتيب توزيع الإرث، وانفراد الحليفين الكبيرين بالإرث العثماني في العالم العربي قبل نهاية الحرب، وفي غفلة وغيبة من كل الأطراف الدوليين خصوصا الكبار وبينهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد اتصالات ومحادثات واجتماعات بين الرجلين في لندن مرات، وفي باريس مرات أخرى – توصل الاثنان إلى خريطة توزيع العالم العربي نصفين، نصف يئول إلى بريطانيا، ونصف يؤول إلى فرنسا، وقد استقرا في النهاية على خط تقسيم الخريطة بين “عكا” على البحر الأبيض، وبين “كركوك” شمال الموصل وشمال الخليج، ليكون أساس توزيع الإرث بعد هزيمة دولة الخلافة وحلفائها.
وقد سمى الرجلان ما رسما بخط “ما بين “الكاف” و”الكاف”، إشارة إلى حرف الكاف في “عكا” وحرف الكاف في “كركوك”، وجنوب هذا الخط كتب “سايكس” بيده على جنوب الخريطة: نصيب بريطانيا، وعلى شمالها كتب بيده أيضا: نصيب فرنسا.
وبمقتضى الخريطة كانت فلسطين والخليج والعراق الجنوبي والأوسط من نصيب بريطانيا، إلى جانب مصر والسودان من قبل، وبمقتضى الاتفاقية أيضا كان إقليم الشام: سوريا – لبنان لفرنسا، إلى جانب المغرب العربي: تونس والمغرب والجزائر من قبل.
- هل اللعبة مازالت مستمرة أم أننا دخلنا فى لعبة جديدة بأطراف مختلفة؟
- كان هذا اتفاق “سايكس بيكو” الأول – والآن “سايكس بيكو” الجديد.
نحن أمام تقسيم جديد لعالم عربي ضاع منه مشروع نظامه، أو أضاع هو مشروع نظامه، ولذلك جاء إلى فضاء المنطقة من يرسم خرائطها الجديدة، في ظروف جديدة، لها مواصفاتها الجديدة.
الخرائط الجديدة لا توزع إرث الخلافة العثمانية، وإنما توزع إرث المشروع القومي العربي، الذي تمكَّن من طرد الاستعمار الغربي في مرحلة سابقة، وحاول أن يملأ الفراغ وعجز، أي أن التركة التي تورَّث الآن ليست أملاك الخلافة العثمانية، ولكن المشروع العربي القومي!
لم تستطع دولة الخلافة العثمانية أن تحمي أملاكها، وهكذا جرى إرثها.
لم يستطع المشروع العربي أن يحمي نفسه، وهكذا اليوم يتوزع إرثه.
أريد الوقوف معكم لحظة أمام خبايا ما يجري في عملية توزيع الإرث في الحاضر، ولكي أشرحه على صورة أقرب إلى الصحة، فإني أعود قليلا إلى مشاهد ترسمها الوثائق في إعلام الوراثة السابق لدولة الخلافة، فقد يكون في السابق الذي نراه إشارات إلى ما يجري في الحاضر أثناء إشهار إرث المشروع العربي القومي!
بعض الوثائق الملحقة باتفاقية “سايكس بيكو” الأولى مروعة! – فيها بالتحديد محضر جلسة جمعت بين رئيس وزراء بريطانيا “لويد جورج”، ورئيس وزراء فرنسا “كليمنسو” – وقد كنت بالأمس فقط منكبا على قراءته مرة رابعة أو خامسة!
كان الاجتماع في قصر “لانكستر” وسط لندن، وتاريخه بالضبط أول ديسمبر 1917.
وقد دار بين رئيس الوزراء البريطاني – ونظيره الفرنسي حوار، حول اتفاقية “سايكس بيكو” وكانت مطروحة عليهما، مع رغبة ملحة في ضرورة تعزيز التفاهم بين الحليفين الكبيرين: بريطانيا وفرنسا!
ووجَّه رئيس وزراء فرنسا “كليمنسو” سؤالا إلى رئيس وزراء بريطانيا “لويد جورج”:
- صارحني يا صديقي بما تريد حقيقة، حتى لا تظل بيننا فيما بعد شبهة خلاف.
- ويرد “لويد جورج”: مطلبي هو العراق وفلسطين، ويقاطعه رئيس الوزراء الفرنسي يسأله: هل هذا كل شيء؟! – قل لي ولاتخفى عنى، ويتردد رئيس الوزراء البريطاني، ثم قال على استحياء: أريد القدس (كانت القدس على الخريطة الأولى قد تركت لترتيبات دولية لاحقة، رغم أن فلسطين كلها كانت من نصيب بريطانيا).
- ويعود رئيس وزراء فرنسا إلى السؤال: حسنا، سوف أترك لك القدس! – ولكن هل هذه نهاية مطالبك – نريد إنهاء كل أسباب الخلاف بيننا، أسألك:
- هل القدس آخر الطلبات؟!
ثم يكرر السؤال:
- قل لي بحق صداقتنا هل لديك شيء لم تقله لي؟!
- ويرد رئيس وزراء بريطانيا وهو يتنهد تعبيرا عن الحرج:
- بصراحة – نعم. كذلك أريد الموصل (كانت الموصل حتى تلك اللحظة موضوعا معلقا في انتظار نهاية الحرب).
ويتنهد رئيس وزراء فرنسا كأنه يضيف بالصبر مكرمة جديدة، ويقول لرئيس وزراء بريطانيا:
- حاضر، خذ الموصل.
كأنما أقاليم الوطن العربي لعب في أيادٍ تملك اللعب بها، وبأقدارها ومصائرها وأهلها.
هل أزيد وأضيف من داخل المحاضر في هذا الاجتماع بين الرجلين حوارا أشعر بالإهانة كلما وقعت عيني عليه: فقد سأل رئيس وزراء فرنسا زميله البريطاني عن وعود عرف أن الإنجليز أعطوها للشريف حسين أمير مكة مقابل إعلان الجهاد الإسلامي ضد تركيا الخلافة، ويرد “لويد جورج” بقوله: هل تتصور يا صديقي أنني أقبل إلزام بريطانيا العظمى بورقة تعهد أعطيناها لقبائل بدو همجية؟! – كنا نريد الحصول على فتوى تريح الهنود المسلمين، لأنهم عنصر مهم في قواتنا، بالذات في الشرق الأوسط، كنا نطلب منهم وغالبيتهم مسلمون أن يحاربوا خليفتهم – وخشينا أن نعرضهم لأزمة ضمير، كنا محتاجين إلى إعطائهم فتوى بالجهاد ضد هذا الخليفة – فتوى ممن هو أقوى من الخليفة في وجوب طاعة المسلمين، فتوى باسم “محمد”، أليس هو الجد الأكبر للشريف “حسين”؟!
وبمقدار ما أن الشريف “حسين” في وسط ضباب “سايكس بيكو” الأولى راح يسمي نفسه: أمير المؤمنين، وملك العرب، وسلطان “الحجاز”، وحاكم “نجد” – فإن “معمر القذافي” وفي وسط ضباب “سايكس بيكو” الثانية راح يسمي نفسه زعيما تاريخيا، وقائدا أمميا، وملكا لملوك أفريقيا، والمصيبة أنه كان يقول ذلك بجد لا هزل فيه.
- هل هناك فوارق بين «سايكس بيكو» القديمة و «سايكس بيكو» الجديدة؟ وما أسباب ذلك؟
- هناك فوارق بالطبع بين “سايكس بيكو” القديمة، و”سايكس بيكو” الجديدة التي يجري رسمها الآن، وأول أسباب الاختلاف – متغيرات العصر.
“سايكس بيكو” الأولى كانت خطا على خريطة، يصل من “الكاف” إلى “الكاف”، “الكاف” في “عكا”، و”الكاف” في “كركوك”، ويفصل الشمال عن الجنوب.
هذه المرة ليس هناك خط فاصل، وإنما هناك مواقع متناثرة.
التقسيم في المرة الأولى كان تقسيم جغرافيا وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة تقسيم موارد ومواقع.
وبوضوح فإن ما يجري تقسيمه هو أولا النفط وفوائضه.
نفط وفوائض ليبيا بعد نفط وفوائض العراق.
والدواعي ظاهرة أولها: أن الحاجة إلى النفط لاتزال ماسة، وبدائله لم تحقق بعد جدواها الاقتصادية، (مع أن المحطات العملاقة لاستقبال الرياح بدأت تغطي جزءا من الاحتياجات النفطية)، إلا أن فجوة الطلب أعلى من ذلك كله بكثير.
تُضاف إلى ذلك فوائض مالية مكدسة.
- لنطبق «سايكس بيكو» الجديدة عمليا على ما يجرى الآن فى ليبيا.
- نحن نعلم مما نقرؤه الآن أن نفط ليبيا جرى توزيع امتيازاته فعلا، وبنسب أذيعت على الملأ، كانت:
30% لفرنسا (شركة توتال).
20% لبريطانيا (شركة بريتش بتروليم)، والحصة أقل لأن بريطانيا أخذت أكثر في نفط العراق!
وليست أمامي الآن نسب التوزيع فيما بقى، لكن إيطاليا تطالب بحق مكتسب (شركة ايني)، ثم إن الشركات الأمريكية تلح على دخول قائمة الوارثين.
بعد إرث الموارد – هناك ثانيا تخصيص المواقع.
قاعدة للأسطول السادس في “طرابلس” لأمريكا – ومراكز مخابرات في “بنغازي” و”طبرق” لبريطانيا – وإيطاليا تحتج بأنها تاريخيا تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها وفرنسا عبر البحر لها مطالبها.
كل هذا وصوت المعارك لايزال يدوي، وسيل الدماء لايزال يتدفق (حتى الآن ثلاثون ألف قتيل في ليبيا، وسبعون ألف جريح، ومرافق بلا حساب وقع تدميرها)!
وربما أن هذه التوزيعات للمواقع والموارد تجري بنفس الأسلوب الذي رأيناه في اجتماع رئيسى وزراء بريطانيا وفرنسا يوم أول من ديسمبر 1917!
والمؤلم أنه يبدو وكأن العرب لم يتغيروا، وكأنهم عادوا إلى حيث كانوا، وكأنهم مازالوا هناك عند “سايكس بيكو” الأولى، ثم إن ظاهر ما يسمعون يأخذهم إلى حيث تريد لهم أوهامهم!
- مادتم تتحدثون عن أوهام العرب فى زمن «سايكس بيكو» القديمة نسأل: ماهى أوهام العرب الجديدة وتحديدا الزعيم الليبى الفار معمر القذافى؟
- المدهش أن “معمر القذافي” فعل ما فعله من وصفهم “لويد جورج” بالبدو المتوحشين، تقطع لهم العهود أوقات الحاجة إليهم، ثم ينكرون عليهم كل شيء عندما تنتهي الحاجة إليهم.
قبل سنوات وعقب غزو العراق بدعوى حيازته لأسلحة دمار شامل، سلم القذافى كل ما كان لديها من مواد مشعة، وآلات ومعدات ورسوم، طلبا لغفران الإله الأمريكي الذي بدا غاضبا، منقضا على من يعصى له أمرا.
كان “كرم” “القذافي” يومها يفوق ما طلبوه منه -والحقيقة أنه بدا رجلا خائفا من مصير صدام حسين.
وضع كل ما عنده ووزنه 500 طن معدات وآلات وأوراق ورسومات وشحنه كله – من أوله لآخره – على مركب سافرت شمالا إلى قاعدة أمريكية فى نابولى، وهناك سلمت المركب حمولتها بلا قيد أو شرط، وذلك أدى إلى كشف آخرين ذنبهم أنهم ساعدوه، مثل العالم الباكستاني “عبد القدير خان”.
وانجرف “القذافي” إلى ما يتصوره جانب الاعتدال، لأنه لا يريد مشاكل، وصدَّر ابنه “سيف الإسلام” رسولا إلى الغرب باسمه، يعرض في عواصمه وجها جديدا جاهزا للتعلم من الآن!
ودفع بلايين الدولارات تعويضات في حادثة “لوكربي” التي صمم حتى آخر لحظة أنه برىء منها لم يحرض ولم يمول وليس له صلة من قريب أو من بعيد، وقد دفع بلايين الدولارات تعويضا، ومنطقه أنه يريد أن يشتري الأمان ويريح نفسه.
وكل ذلك لم ينفع.
لم يتعلم العرب لا في الماضي ولا في الحاضر، أنه ليست هناك عهود للدول الا ما تقتضيه أسباب القوة فكلهم سوف يتنكر لأى عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعته مصالحه!
وجاء التنكر للعهود هذه المرة فجا جلفا، فلا يغطي شيئا وإنما يتبجح، لأن الذين أنكروا العهود كانوا ملهوفين وعلى عجل، فهم بسبب أوضاعهم الاقتصادية كانوا مفلسين، يتعجلون خطف ثروة من الواهمين، وليس لديهم وقت لأي غطاء أو تزويق يغطى المستضعفين!
- فسر لنا أسباب هذا السقوط المريع للمشروع العربى ولنأخذ القذافى – مرة أخرى – مثالا؟
- في السنوات الأخيرة زادت الأوهام، واشتد تناقضها مع الحقائق، ووضعت المشروع العربي – وأمته – وشعوبه بين شقي رحى:
غير المعقول من ناحية، وغير المقبول من ناحية.
وبين غير المعقول وغير المقبول كان الطحين – علقما في مرارته.
والأكثر مرارة في هذا “الغير المعقول” هو ما كان يجري في ليبيا من نظام العقيد “معمر القذافي”.
السلطة المطلقة تفسد.
والثروة الطائلة أكثر مدعاة للفساد.
ثم إن الباحثين عن السلطة والمال في العالم العربي، قادرون على الغواية بلا حدود، وقد تسابق كثيرون منهم يعرضون بضاعتهم كلاما بلا مضمون، وخططا على الورق، وفي مقابلها تكون الاستجابة لما يطلبون، وعلى نفس الطريق مشى الأوربيون وإن بأسلوب مختلف، وكان المال وليس غيره هو الذى جعل مجتمعات أوروبا كلها تتعامل مع “القذافي” كأنه أمير مدلل، وكان الكثيرون من ساستها ونجومها ككلاب الصيد أمامه، فك مفتوح، ولسان يلهث، وأنفاس ساخنة وجائعة!
- إذا كان القذافى قد عومل كأمير مدلل يطلب وده الكثيرون إذن لماذا انقلب الغرب عليه؟
- فجأة وقعت وتوالت أحداث الربيع العربي، ووصلت أصداؤها إلى كل مكان، وبالطبع ليبيا، ثم بدأنا نسمع عن تحركات في “بنغازي”، لكنه كان باديا أنها مازالت إشارة وعلامة – بعدها طريق شاق يتعين السير فيه، ولا يمكن القفز عليه، لكن هناك من قفز!
ولقد كان أغرب ما سمعت عن أحداث ليبيا، هو ما سمعته من شخص قريب الصلة بالمجلس الانتقالي في ليبيا.
كنت أسأله: إذا كان نظام “القذافي” غير معقول، أليس استدعاء تدخل أجنبي عسكري – غير مقبول؟!
وكان الرد الذي تلقيته بما مؤداه: أن السامع يتفهم سؤالي، ولكنهم بالنص تقريبا تصوروا أن مجرد هبة في “بنغازي” فإن “القذافي” سوف يفعل مثل ما فعل “بن علي” في “تونس”، و”مبارك” في “مصر” ” ويمشي، «وكذلك خرجنا إلى الشوارع وانكشفنا، لكن «هذا الرجل المجنون» لم يمش، وبقى في ليبيا، ومعه جزء كبير من البلد وجزء كبير من الناس، وكذلك معظم الجيش، ومعظم القبائل أيضا، وكذلك اضطررنا إلى قبول أي مساعدة، لو أنه هرب وأراحنا، لما وقعنا في هذا المأزق – لكن المجنون لم يفعل”!
- كيف تنظرون إلى رد الغرب من خلال حلف الأطلنطى على ما جرى فى ليبيا؟
- الكارثة أن غير المقبول كان الرد على غير المعقول.
إنني قرأت بنفسي – وأرجو ألا تكون ملاحظتى متجاوزة – في “الأهرام” نفسه قبل أسابيع – عنوانا يقول بالنص: حلف الأطلنطي يفتح الطريق لتحرير “طرابلس”.
وأنا لا أعلم أن حلف الأطلنطي يريد أن يحرر شِبرا عربيا.
وبصراحة وأنا لا أداري في موقفي، فإن “القذافي” كان من الحق أن يسقط، ولكن الشعب الليبي هو من كان يجب أن يتحمل هذه المسئولية، وقد كانت هناك إشارات وعلامات فعلا وإن في بدايتها، وكان يجب للبداية أن تواصل حتى النهاية، وبشعب ليبيا، وليس بالطيران الأمريكي، ولا بأسراب صواريخ “الكروز” الأمريكية، ولا بالطيران الإنجليزي، ولا بالقوات الخاصة البريطانية، ولا بالأسطول الفرنسي، والقوات الفرنسية، ولا بالمخابرات من كل الأطراف!
هذا هو غير المقبول بعد غير المعقول.
- هل قفز الغرب على الأوضاع القبلية والعشائرية فى ليبيا، وكان همه فقط التخلص من القذافى بأى ثمن؟
- لقد فوجئ الغرب بالثورة في “تونس” وفي “مصر”، وبدا الربيع العربي وكأنه عالم مفتوح لكل شيء، ولكن هؤلاء نسوا أن نضج عناصر أي ثورة ضروري لنجاح فعلها، وكذلك لم يعد ما يجري في ليبيا ثورة شعبية وفقط، وإنما تبدو الآن غزوا خارجيا، واستيلاء راح ضحيته حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل من الليبيين، وجرح منهم قرابة سبعين ألفا، ووقع تدمير مرافق ومنشآت، والآن أرى أن المقاومة مستمرة وأظن أن الذين يقاومون مع “القذافي” يفعلون ذلك بانتمائهم إلى الوطن الليبي، ليس تمسكا ب “القذافي”، ولكن لأن هناك غزوا لليبيا، وأظن أن نفس الداعي سوف يصل بليبيا – مدنا وقبائل – إلى حافة حرب أهلية.
وبكل أمانة فالثورات لا تصنع، ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب.
- كيف؟
- الثورات فعل لا يتم بطريقة تسليم المفتاح، أعني أنه ليست هناك ثورات تسليم مفتاح من قوى خارجية تطلب السيطرة، هذه القوى الخارجية تريد مصالحها فقط، ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب!
ولقد عرفنا مما سمعنا ورأيناه فى شبه الجزيرة العربية عن بناء القصور بطريقة مقاولة “تسليم مفتاح” (كما يُقال في التعبير الشائع)، وذلك حدث أيضا في مجال الموانئ والمطارات، كله مدفوع نقدا ومقدما برسم التسليم على المفتاح – لكن الثورات شيء آخر.
باختصار حلف “الأطلنطي” لا يحرر بلدا أو شعبا، وإنما يسيطر على شعب وعلى بلد!
- لننتقل إلى ساحة أخرى ملتهبة بل متفجرة من ساحات «الربيع العربى» وهى سوريا. ما هو تقييمكم لما يحدث حاليا؟
- هناك غير مقبول آخر يجري في سوريا بعد ما سبقته هو الآخر مرحلة من غير المعقول.
يكفي في سوريا هذا الذي جرى في عملية توريث رئاسة الدولة، وكان سابقة خطيرة!
كان الإصرار على التوريث مهينا للشعب السوري بكل معيار.
بداية التوريث كان من الرئيس “حافظ” إلى شقيقه “رفعت الأسد”، ثم وقع الشقاق بين الأخ وأخيه.
وإذا إرث الرئاسة ينتقل بوضوح من الأخ الشقيق إلى الابن الكبير “باسل الأسد”، ثم تقع حادثة مؤلمة ل “باسل الأسد”، وإذا إرث رئاسة الدولة ينتقل منه إلى الأخ الأصغر “بشَّار”.
وهذا غير معقول في نظام جمهوري!
المؤلم أن غير المقبول فيما يجري في سوريا – بعد غير المعقول الذي سبقه – معضلة كبرى للأمة ذاتها.
التغيير في “سوريا” مطلوب، لكن تدخلا عسكريا أجنبيا فى سوريا في هذه اللحظة مخيف، وصحيح أن النظام أساء إلى شرعيته بقسوة، لكن البديل بالغزو الأجنبى في هذه الظروف يصعب تقدير عواقبه، خصوصا بعد ما جرى في “العراق” و”اليمن” و”السودان” وأخيرا “ليبيا، لا تتحمل المنطقة من “بغداد” إلى “بني غازي” بالعرض، ولا من “حلب” إلى “عدن” بالطول، كل هذا الذي يقع وبإلحاح وإصرار على أنها الإزاحة هنا، والآن وبواسطة تدخل جيوش وأساطيل أجنبية!
- بعض العرب يريدون تكرار سيناريو ليبيا فى سوريا. هل الأرض مهيأة والظروف سانحة؟
- تثير قلقي هذه الإنذارات التي توجهها بعض الدول العربية إلى “سوريا”، وكأنها تمهد الطريق لتدخل عسكري دولي، بنفس الأسلوب الذي رأيناه ونراه.
المهم أن الأزمة في “سوريا” بالفعل أزمة نظام جاوز اللامعقول، لكن علاج اللامعقول لا يجيء بدواء اللامقبول!
وبعض ما يجري في “سوريا” مقصود به “إيران” كهدف أساسي في ملء فضاء الشرق الأوسط.
والذين يغامرون باللامقبول لا تهمهم العواقب، وربما أن هذا سر غضب بعضهم، وبينهم الرئيس الفرنسي “ساركوزي” على البطريرك الماروني بشارة الراعي لأنه تحفَّظ تجاه ما يمكن أن يجري في سوريا على مستقبل موارنة لبنان!
ولم يكن “ساركوزي” وحده هو الذي انتقد البطريرك الماروني، ولكن سبقه بعض زعماء القبائل العرب، الذين لا يهمهم التاريخ القديم في “سايكس بيكو” الأولى – ولا يلفت نظرهم الجديد الكامن في “سايكس بيكو” الثانية.
هذا هو المشروع الغربي في ملء فراغ المنطقة، ويجيء بعد ذلك مشروعان وشبح مشروع لا مستقبل له فى ظنى.
- قلتم إن بعض ما يجرى فى سوريا مقصود به إيران. وهنا نسأل أين هو المشروع الإيرانى وما هى التمايزات بينه وبين المشروع التركى؟
- هناك مشروع إيراني وهو محدود في إطاره لأسباب عديدة، تضعها الجغرافيا بالمسافات، ويصنعها التاريخ بالثقافات، إلى جانب أن هذا المشروع تحت حصار، وعليه فإن إستراتيجيته الآن دفاع!
- وهناك أيضا مشروع تركي لديه حظ أكبر، لأن أساسه التاريخي لايزال في الذاكرة، ولايزال في المواريث.
وبمنتهى الأمانة فأنا لست متحمسا لهذه اللهجات بالغمز واللمز على تركيا، خصوصا في أعقاب زيارة رئيس وزرائها الطيب أردوغان.
كل منطقة في الدنيا أرض وموارد – وأهم من ذلك فضاء سياسي وثقافي وعسكري، فضاء نفوذ وقدرة وهيبة – وهذا الفضاء لا يقل أهمية عن الأرض والموارد.
وكان ظني أن أفضل الخيارات المطروحة هذه اللحظة أن يستطيع العرب تأمين توازن في موقفهم يصون مصالحهم، ولا يقمع طموحات مستقبلهم، ولا يكون مقاولة “تسليم مفتاح”!، وتأمين التوازن في الحالة العربية لابد أن يتم بدرجة من التعاون مع الجوار الإقليمي الإسلامي، بصرف النظر عن فرقة المذاهب، وأنا لا أحسبها فرقة، وإنما رؤى مختلفة في التاريخ وفي الثقافة.
لكن الظاهر من الخطاب الرسمي العربي السائد، هو عداء إيران، والتشكيك في تركيا.
والعداء لإيران بالتركيز على مذاهب سوف يؤدي إلى كوارث في شبه الجزيرة العربية، بدايتها ما نرى في “اليمن” و”البحرين”.
والتشكيك في تركيا واستدعاء الجانب المظلم من التجربة العثمانية القديمة، قد يرفع تركيا للانضمام إلى “سايكس بيكو” الجديدة – شراكة مع الغرب الأمريكي الأوروبي في نصيب من الموارد والمواقع.
كانت تركيا العثمانية هي الضحية التي توزع إرثها على الآخرين في “سايكس بيكو” الأولى.
والآن والإرث العربي القومي يوزع على الأطراف في “سايكس بيكو” الجديدة، فإن تركيا امام إغراء أن تكون شريكا في الإرث الجديد بعد أن كانت ضحية في سابقه.
- فى خضم كل ما يحدث فى العالم العربى أين مصر؟ وكيف تقيمون رد فعل صانعى القرار فيها؟
- أكثر ما يعنيني في هذه اللحظات الفارقة هى مصر – موقفها – أمنها – مطالبها الإستراتيجية – مصالحها!
وبصرف النظر عن الانتماء، وهل هو فرعوني، أو إسلامي – أو قومي عربي.؟!
وبصرف النظر عن كل شعارات مصر أولا، ومصر أخيرا.
وبصرف النظر عن دواعي الفخر من أول بناء أهرامات الجيزة، وحتى رفع الأعلام يوم 25 يناير فى ميدان التحرير، فإن مصر بلد حتى بمصالحه وأمنه وفى أضيق الحدود بلد له ضرورات:
هو لا يستطيع أن يحمي نفسه عسكريا على خطوط حدوده الدولية، ونظرة إلى الخريطة تكفي.
ثم إنه بلد لا يستطيع أن يحقق نموه بالاقتصار على موارده.
وأخيرا فإنه لا يستطيع وحده أن يؤكد بقاءه وثقافته ووعيه، حتى بالحياة نفسها في هذه الرقعة المُحاصرة بالصحاري على ضفاف النيل.
بلد يعتمد على مياه تجيء إليه من خارجه.
وبلد لا يستطيع أن يعزل نفسه، وهو ينطق ويفكر ويتصرف بنفس اللغة مع جواره.
وبلد لا يستطيع أن يبتعد عن محيطه الديني (مسلم ومسيحي) بكل دواعيه ومحركاته الحضارية.
- هل أنت قلق على الأحوال فى بر مصر؟
- ما يقلقني في هذه الساعة هو أن مصر في هذه الظروف كلها تبدو مستغرقة بالكامل، فى مشاكل آنية «تقسيم الدوائر الانتخابية. فردى أو نسبى. إلى آخره».
كانت ثورة يناير قد وضعتها في أعلى مقام في المنطقة، وتحت أسطع ضوء، وفي أبهى صورة، ثم جاءت اللحظة الحرجة من حولنا ونحن مشغولون عنها وكأنها لاتعنينا.
مشروع تاريخي ينزاح وهو يستحق، ونظام مستجد يزحف وليس له حق.
وملفات خطيرة تُستبعد، وملفات أخطر تُستحضر.
وحدود تُرسم، ومصالح تُوزع، وعوالم بأسرها تتغير، ونحن هنا – ودعونا ننظر إلى عناوين الصحف والإذاعات وشبكات التليفزيون – كما رأيناها أمس، وكما سوف نراها غدا!
أقول ذلك وأنا أرى الحركة الهادرة والفوران الذي تعيشه مصر هذه الأوقات، وما أراه يقلقنى ولكنه لايخيفنى أكثر من اللازم، فهذه على طول التاريخ أعراض وعوارض رحلة انتقال وسفر إلى المستقبل، يقوم به شعب، ووراءه تجربة تاريخية كبرى، وأمامه أفق واعد أوسع!
- ما هو الأمر الملح الآن فى نظركم؟
- قد يكون مناسبا وحتى لا يتشتت تركيزنا بين الداخل والاقليم، أن أتقدم باقتراح، إنشاء مجلس أمن قومي مصغَّر من داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو بجانبه، ويكلف بمتابعة ما يجري من حولنا، ويساعد على تحديد حركتنا إزاءه، لأن ما يجرى الآن سوف يقرر مستقبل المنطقة وشعوبها لعشرين سنة قادمة على أقل تقدير؟!
وأظننا لا نريد أن نجد أنفسنا داخل الخريطة الجديدة، حيث لا يليق – أو خارجها حيث لا يصح!
هذا في ظني ضرورة من ضرورات هذه اللحظة وفورا، ولأصحاب المستقبل رأيهم وقرارهم الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.