تعود الحركات الإسلامية بقوة إلى ساحة الحكم عبر بوابة تونس الخضراء مفجرة ثورات الربيع العربي فيعود معها من طردهم نظام بني علي وشرد بهم عبر دول العالم المختلفة يعود الشعب الأشعث الأغبر من كل حدب وصوب آمين تونس الخضراء التي حرموا أرضها سنين عددا و مع هذه العودة و عودات أخرى متوقعة لإسلامي ليبيا ومصر و اليمن وحماة الديار الحقيقيين في سوريا تقفز للخاطر منقصات تكدر صفو الخاطر و أولها تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية و التي قبرت سريعاً فدخلت بعدها الجزائر في أزمة كبرى و أريقت فيها دماء الأبرياء و قتل من قتل بفتاوى شيطانية لا علاقة للإسلام و الإسلاميين بها وخسر الإسلام الكثير من صورته المشرقة عبر العالم فصور الإسلام دين عنف وقتل فالمسلم إرهابي بالتعريف . وفي قصة مشابهة لقصة جبهة الإنقاذ تفوز حماس بانتخابات السلطة و المجلس التشريعي في فلسطين السليبة ويرفض كل الغرب التعامل مع نتائج الانتخابات بدعوى مواقف حماس من السلام و تشجيع العنف و الإرهاب. وفعلاً بدء الإسلام يفقد الكثير من جراء أفعال بعض الحركات اليائسة و الفئات الضالة و أخرى مندسة فدفنت في طياتها الكثير من تعاليم الإسلام السمحة فقتل بين ظهرانينا المعاهد و المستأمن وذبح الصحفي وقطع رأس السائح فقدمنا صورة مقيتة للإسلام و المسلمين لعالم كان المفترض أن نقدم له صورة الدين الخاتم الذي جعل حياة الإنسان كلها فضيلة كل حركات الإنسان وسكناته لله خالصة نبتغي الفضيلة و الرحمة ونهدي العالمين السلام و المحبة قال تعالى: “قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت و أنا أول المسلمين” وفي صورة مغايرة عما كان علية الحال في تجربتي جهة الإنقاذ الإسلامية و حركة حماس قفزت الجبهة الإسلامية إلى واجهت الأحداث في سقطة أخلاقية في الثلاثين من يونيو من عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانون بطريقة يتحفظ عليها الكثير من أئمة المسلمين فالتآمر والخروج و الانقلاب على السلطان من المنكرات في الدين بالضرورة خاصة عند الحنابلة منهم ولكن ولحسن حظ الحركة الإسلامية في السودان لم يشاع بيننا مثل هذا النوع من الفقه بل كثير منا صفق وهلل لهذه الحركة الانقلابية و التي وجدت دعما لا نظير له من جيل الشباب و الطلاب في بداياتها فتغنى الكثير بأناشيد هب هبي رياح الجنة و أنشد البعض أمريكا روسيا قد دنا عذابها وتدفق الشباب إلى ساحات الجهاد زرافات و وحدانا فأستشهد من أستشهد و جرح من جرح وعاد من عاد. ثم ظهرت فينا سياسة التمكين التي قبلها بعض من أهل السودان على مضض وشرد الآلاف من الخدمة المدنية وصنف الناس في الأحياء و القرى و البوادي على أساس أهل الولاء و السابقين و أصبح الكل يخشى من الكل فغاب حكم وسيادة القانون و أخذ الناس بالشبهات و أسند الآمر لغير أهله ومات الضمير في الكيل للزميل و القريب لمجرد التقرب للسلطان ولعمري هي أسفل دركات الفساد ويقيني أنها أولى عتبات الفساد و المحسوبية التي غرقت فيها الإنقاذ الآن بشهادة الرئيس البشير حتى أمر بتشكيل مفوضية للفساد. كانت الطامة الكبرى لتجربة الإسلاميين في السودان باختلافهم على السلطة و تقاتلهم عليها فعاد المجاهدون الحرب ووجدوا أن شيوخهم قد أخذتهم الدنيا ببهائها وركنوا لنعيمها الزائل و أغراهم طول الأمل فكفر التلاميذ شيخهم و خرج هو بفتاوى أنكرت شهادة الشهداء و حور الحور العين لم يعد أي من المعسكرين إلى رشده بل أصلوا للتشاحن و التباغض حتى رأينا خيل الله التي كانت تسرج لغزو الجنوب الكافر في نظرهم تسرج إلى أمدرمان البقعة المباركة فغذى ابن الحركة الإسلامية البار و أحد أمراء المجاهدين د.خليل إبراهيم البقعة التي يحكمها رهط من الإسلاميين فلا غردون باشا بها ولا ونجت باشا يحكم سرايا الخرطوم بل بها جحافل الحركة الإسلامية وفي طليعتهم الشيخ على عثمان. تأمل معي أخي الكريم مما تتشكل حركة العدل و المساواة ومما يتشكل جيشها أليس هم قيادات الحركة الإسلامية في الجامعات السودانية في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي فدونكم أحمد حسين و المجاهد عبد العزيز عشر و أحمد تقد و و .. ألخ . و أكثر ما فقع مرارة المجاهدين العائدين و الشهداء في قبورهم اتفاقية نيفاشا ونتائجها الكارثية و التي نعيشها الآن من كان يظن أن خريطة السودان تبدو بهذا التشوه و القبح هل ظن الإسلاميون يوماً أن الجنوب سوف يذهب إلى غير رجعة و أن هنالك جنوب جديد في مسقط رأسي النيل الأزرق و جبال النوبة سوف يظهر إلى العلن بكل قسمات وملامح الجنوب المفصول الدبابات و الراجمات و الصواريخ في كل مكان وتقرع طبول الحرب كل اليوم و في أي موقع من كان يظن أن يكون في أبو نعامة الهادئة ألوية من المدرعات وجحافل من الجيوش المرابطة ومن ظن أن قرية الديسة التي لا يعرفها أغلب سكان النيل الأزرق و سنار أن يرابط بها عشرات ألاف الجنود المتحفزين للقتال و هل توقع أعظم المنجمين أن تستقبل ود النيل الجميلة مئات ألاف النازحين من جحيم الحرب وأن الدمازين الآمنة المطمئنة ينزح أهلها إنها حكمة الحركة الإسلامية السودانية وبصيرة قادتها الذين غرهم بالله الغرور ونعيم الدنيا الزائل فلم يحفظوا من الدين إلا آية التعدد فتطاولوا في البنيان ونكحوا من النساء مثنى وثلاث و رباع. كل أملي و أمل الكثير من المسلمين أن يوفق الله حركة النهضة و يهديها سبيل الرشاد و أن تقدم لنا نموذجاً جديداً لحكم الإسلاميين و أن لا تخذل من اختارها وأن تنؤ بجانبها عن الصراعات الدولية و أن لا تحشر أنفها في ما لا يهم أهل تونس فيجب أن يكون همها اليوم هو رفاهية وسعادة شعب تونس الخضراء وحسناً فعلت بتطمين الأحزاب التونسية و التونسيين في بيانها الأول بعد فوزها وفي ذلك رسالة لكل العالم أن الإسلاميين يمكن لهم أن يتعايشوا مع أنظمة مدنية وديمقراطية و يعترفون بحقوق الآخر و أن الإسلام دين التسامح لا دين العنف و جز الرؤوس وقتل الأبرياء فلا مجال هنا لتاءات القاعدة وفقهها الذي أورثنا دار البوار .