عمر موسي عمر – المحامي.. في الوقت الذي نادي فيه النظام الإسلامي في الخرطوم بجمهوريته الثانية يبدو واضحاً أن هذا النظام يعيش في كوكب آخر غير هذا الكوكب ولا يملك القدرة علي إستيعاب معطيات التغيير التي تجتاح العالم من حوله .. معطيات صعدت بتكتلات إسلامية إلي سدة الحكم عبر إنتخابات حرة نزيهة وليست إنتخابات بمفهوم ( الكيزان ) الجالسين الآن علي كراسي السلطة والذين يبدأون تاريخهم ب ( السيخ ) و( المطاوي ) بالجامعات ويختموا تاريخهم بفوهات البنادق يمارسون ( تخويف النفوس ) و ( إرهاب الدولة ) يتمسكون بالسلطة ويتمسحون بها لأنها الطريق إلي الأموال والنساء وزينة الحياة الدنيا ولا يتورعون عن إبادة معارضيهم ومسحهم من الوجود لا يردعهم وازع ديني ولا خوف من عقاب . متي يعلم هذا النظام أنه مصيره الزوال ومستقره الهاوية وهو يتنكب طريقه في غير هدي ؟؟ وقد فهمت الجماعات الإسلامية في دول الثورات والربيع العربي الرسالة وفهمت الدرس ودخلت قلوب الناس وعقولهم قبل أن تدخل بيوتهم وهي تدعوا إلي أنظمة وحكومات مدنية كأساس للحكم ويرتكز دستورها علي ثوابت الشريعة الإسلامية ومبادئها التي لا تأنفها النفس السوية والقلب السليم … لماذا يصر هذا النظام علي (العنف السياسي ) مع معارضيه والنظر من علوٍ إلي شعبه كأنه لا يستحق الحياة وإنه يزاحمهم الهواء الذي يتنفسونه ؟؟ الآن فشلت نداءات الإستغاثة من النظام إلي الأحزاب المعارضة للمشاركة في الحكومة التي يسمونها ( عريضة ) وإسقط في يد العصبة الحاكمة وباتت تهدد بتكوين الحكومة في وجود المعارضة أو عدمها ولم يفهم هذا النظام أنه بات معزولاً ولا زال يردد إسطوانته المشروخة حول شعبيته التي تتجاوز نسبتها ال (99%) والبلاد تمضي إلي الحضيض والموت يتخطف الجياع من أبناء هذا الوطن في الفيافي والوهاد والمرضي يموتون بالمستشفيات لأنهم لا يملكون ثمن الدواء ..ومئات الآلاف تحصدهم آلات الحروب التي يصنعها النظام كوسيلة لتصفية معارضيه وغايته حكم البلاد إلي ما لانهاية . وفي الوقت الذي يخطو فيه هذا العام خطوته النهائية نحو الإندثار … تبدو النهاية غير سعيدة لطبقة عريضة من هذا الشعب وهي تستقبل عيد الأضحي حزيناً وهي تري رئيس جمهوريتهم يتبرع بآلاف من رؤوس الأغنام لجيرانهم وينزل جام غضبه ويعمل السلاح في أبناءهم بولاية كسلا لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة كمواطنين في هذه البلاد .. وما يبدوا واضحاً للعيان أن الرئيس البشير لن يفهم الرسالة بعد رغم مرور أكثر من عقدين وهو يمتضي صهوة الحكم مع زمرته الحاكمة …. رسالة تعني أن رغبة الشعوب لا تنكسر وإرادتها لا تقهر . التنظيمات الإسلامية المتشددة في العالم أدركت الآن أن النظام العالمي ينبذ الأنظمة الإسلامية الراديكالية ولا يستسيغ طعمها ولا يحارب الإسلام وصارت تعزف علي وتر النظام ( الإسلامي المدني ) حرية في التعبير وشمولية في المشاركة في الحكم دون محاصصة أو محسوبية أو حزبية أو قبلية بغيضة لن تقدم البلاد قيد أنملة ..هذه الحكمة السياسية الذكية التي تنسجم مع الواقع ولا تجنح للخيال وجدت قبولاً من المجتمع الدولي ليس ذلك فحسب بل كانت مدعاة لدعم تلك الدول دعماً مالياً سخياً جعل لإقتصادها القابلية للوقوف علي قدميه مرة أخري ..في ذات الوقت الذي يخوض هذا النظام معارك في غير معترك ويرفض أي قابلية لتقبل الرأي الآخر .. معارك ضد مواطنيه في دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق تقدم لهم الموت بدلاً من التنمية والإزدهار ولا يمانع النظام من تصدير (تجارة الموت) هذه لدول الجوار وهو يدرك تماماً أن هذه المعارك في مجملها هي معارك خاسرة وضحيتها هو الشعب السوداني الذي لم يكتفي هذا النظام بإبادته بالسلاح الذي يشتريه من حر ماله وحرمانه من حق الحياة بل تبني هذا النظام ( حرب الوكالة ) في الدول الخارجية دون الخجل من إعلان تلك الحرب كأنها مصدر للفخر والإعتزاز . في لقاء خاص بثته قناة العربية بتاريخ 2/11/2011م مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ( لويس مورينو أوكامبو) لم يخفي ( أوكامبو) التعقيد المصاحب لأمر الرئيس البشير وصعوبة القبض عليه وعزا ذلك لإحجام منظمة الوحدة الأفريقية عن التعاون مع المحكمة الجنائية وأشار إلي أن ( الوقت قد حان ) لمراجعة المنظمة الأفريقية في هذا الموقف في الوقت الذي أشار فيه إلي إستمرار التحقيق في (مسالة إقليم دارفور ) منوهاً إلي أن المحكمة الجنائية في صدد إصدار مذكرة جلب بحق مسئول كبير في النظام الحاكم بالخرطوم ويرجح معظم المراقبين أن تلك الشخصية ربما كانت وزير الدفاع ( عبدالرحيم محمد حسين ) أو مساعد رئيس الجمهورية ( نافع علي نافع ) ..ويجيء ذلك متزامناً مع القرار الذي أصدره الرئيس أوباما بتجديد العقوبات علي السودان والنظام الحاكم في الخرطوم إلي مدة أخري مسبباً ذلك القرار أن النظام الحاكم في الخرطوم لا يزال يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي والسلام العالمي. متي يدرك رئيس الجمهورية أن السياسات العقيمة التي كرس لها نظامه الحاكم منذ إستيلائه علي الحكم قبل أكثر من إثنين وعشرين عاماً كان محصلته ( صفراً علي الشمال ) وأن قبضة نظامه علي مقاليد الأمور قد بدأت في التراخي كنتاج طبيعي لهذه السياسة الكسيحة التي أورثته ونظامه عزلة دولية وإنهيار في أركان الدولة والنظام والحرب تأكل أطراف ما تبقي من البلاد ومذكرات القبض تطارد أركان نظامه من المجتمع الدولي وهو علي رأس تلك القائمة في سابقة فريدة في التاريخ كأول رئيس عربي تصدر في حقه مذكرة قبض في العام (2008) وهم يفرون من العدالة الدولية التي ستطالهم عاجلاً أم عاجلاً .. ماذا يرجو رئيس الجمهورية من هذه السياسة التي مزقت البلاد وذهبت بإقتصاده إلي حجرة الموت .. ماذا يطلب رئيس الجمهورية وقد حصدت سياسته مئات الآلاف من الأرواح حرباً وجوعاً ومرضاً وذهبت ريح الدولة . رئيس الجمهورية لا يدرك أن فساد نظامه ودولته ورموز حزبه الذي أورد البلاد موارد الهلاك وإنتهاكه لحقوق الإنسان وإهدار كرامته بات أمراً معلوماً وموثقاً في عقل هذا الشعب ولن يخوض فيه الشعب بعد الآن لأنه مضيعة للوقت بعد أن صم النظام أذنيه عن سماع صوت العقل ونصيحة الحكماء والحادبين علي مصلحة البلاد .. الشعب الآن وأحزاب المعارضة يبحثون الآن في أسرع الطرق وأنجع الوسائل لإزاحة هذا النظام الذي جثم علي صدورهم وكتم أنفاسهم وسلب حقه في الحياة الكريمة …ولن تجدي سياسة ( إرهاب الدولة ) وتكميم الأفواه وتصفية المعارضين وإنتهاك حرماتهم وسفك دمائهم ومحاولات ( القرصنة ) علي المواقع الإلكترونية لمصادرة حرية التعبير ..متي يعي رئيس الجمهورية أن ( الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه ) ؟؟ متي يفهم رئيس الجمهورية الرسالة الآخيرة قبل فوات الأوان ؟؟ . [email protected]