بمناسبة مرور سبع سنوات على اتفاقية السلام الشامل الثالث: تعمد حزب المؤتمر الوطني الحاكم على الخرق الواضح والفاضح لاتفاقية السلام الشامل بالإصرار على بقاء قوات الدفاع الشعبي، رغم إنها مناقضة للاتفاقية ودستور السودان. وكذلك وجود واستمرار قوات الأمن بذات شخوصها والقوانين التي تحكمها قبل الاتفاقية التي نصت على مراجعتها لتصبح جهاز مهنياً يقتصر دوره على جمع المعلومات وتقييمها وتقديمها إلى جهات الاختصاص، التي تقوم بالتنفيذ والمتابعة. عكس ذلك تحول جهاز الأمن إلى قوة ضاربة لها كتائب عدة وواصلت ممارسات الاستدعاء والاعتقال والتعذيب وتسبيح حرمات معاهد التعليم وتفض المظاهرات السلمية بفظاظة ووحشية بما في ذلك تظاهرات النساء مهما كانت عدالة مطالبها، أكثر من ذلك، فإن حزب المؤتمر الوطني يؤكد حتى يومنا هذا إصراره على السيطرة التامة على مقاليد الحكم – سلطة وثروة. وهذا ما حدث مع الانتخابات التي زيفت فيها إرادة شعب بأكمله. وفي التشكيل الوزاري الصوري الذي أشرك فيه الحزب الاتحادي الديمقراطي كديكور في محاولة بائسة لتجميل وجه النظام، ظهر هذا الإصرار المستميت للبقاء في السلطة منذ الأيام الأولى بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل والشروع في تنفيذها. ولم يكن الصراع على كراسي الوزارات بل وتكوين الحكومة نفسها هما المؤشران الوحيدان لذلك. بل هنالك مئات الأمثلة التي يضيق الحيز المتاح عن ذكرها ولكن نعيد التذكير بالسوابق التي طُمرت من قبل ويعاد نبشها من جديد. فالمؤتمر الوطني لا يلغي أجندته أو أهدافه، بل يؤجلها عندما يشتد ويتصاعد النضال ضدها، وينحني للعاصفة حتى تمر لينبشها ويعلقها من جديد. وهذا هو حال شعار العودة للحكم بالشريعة وأن تكون هي أساس التشريع. بينما الشريعة لم تطبق أصلاً تطبيقاً أصيلاً وصادقاً، ولو أنها طبقت بهذا المعنى لكان أهل المؤتمر الوطني أول من نُفِذت فيه حدود تحليل الربا وإهدار أموال الدولة بما فيها أموال الحج والعمرة والزكاة ومال (في سبيل الله) وغيرها من الفساد المقنن وغير المقنن الذي أشارت إليه كل تقارير ديوان المراجع العام منذ أول عام للإنقاذ في الحكم وحتى تقريره المرعب الأخير للعام 2010 أمام المجلس الوطني. ففي العام 2005 أوردت صحيفة (الأضواء) عدد 16/11/2005 تصريحاً للفريق مهندس عبد الرحيم أحمد حسين وزير الدفاع جاء فيه (أن أولويات الخطة المقترحة لبناء القوات المسلحة في الفترة القادمة تنصب في بناء قوات مسلحة ذات حجم أصغر وقدرات أكبر ومتشبعة بقيم العقيدة والدين). وتتابعت تصريحات رئيس الجمهورية عمر البشير في معظم المحافل التي تحدث فيها – بما فيها تصريحاته الأخيرة بعد(انتخابه) رئيساً للجمهورية – (لا تراجع عن تطبيق شرع الله). وأكد ذلك نواب رئيس الجمهورية وغيره من المتنفذين الذين يجيدون ترديد رجع الصدى لتلك التصريحات التي أوغرت صدور غير المسلمين في البلاد وصارت على رأس مصاعب الوحدة التي تحولت من الجذب إلى الطرد الفاضح. لقد شجعت تلك التصريحات البعض للسفور المنعم بالحقد والكراهية لإعلان (إعلاء قيم الجهاد والفداء في سبيل الله وحماية الأرض والعرض والهوية. والتأكيد على أن الانفصال هو أحد الخيارات الهامة).[راجع البنود – 3 و 8 – من برنامج منبر السلام العادل]. انعكست تلك التصريحات الغير مسؤولة والتي تتناقض مع ممارسات وأفعال من قالوها على كافة القوى السياسية ومن بينها ما جاء في تصريحات مني أركو مناوي ل(أجراس الحرية) عدد 14/5/2011، بعد إعلان تحالف تنظيمه مع عبد الواحد نور رئيس جيش تحرير السودان– قال: أن التحالف الذي سيضم آخرين في الأيام القادمة فرضته ضرورة المرحلة الحالية التي يمر بها السودان عامة ودارفور خاصة والتي وصفها بالخطيرة. وشدد على ضرورة إعادة صياغة السودان من جديد وإشراك كافة المكونات واحترام التعددية والهوية السودانية. فالمؤتمر الحاكم فرق البلاد بفرضه للهوية واللغة الواحدة. الآن وبعد أن تم توافق معظم القوى التي تحمل السلاح في تحالف كاودا وإجماعها على برنامج عمل موحد، ستتسع دائرة النضال ضد سلطة الرأسمالية الطفيلية وضد محاولاتها لفرض هويتها (المتصلبطة) فيها بشرع الله ولن يكون ذلك قاصراً على أهل دارفور، لأن تغيير سياسات الحكم جميعها والمخرج الوحيد من الأزمة بإسقاط النظام، هو خيار كل أهل السودان. وهو السبيل للحفاظ على وحدة ما تبقى من السودان. بل وللعمل المتواصل لكيفية إدارة التنوع الديني والعرقي والثقافي والتقسيم العادل المتوازن للسلطة والثروة بهدف إقناع أهلنا في الجنوب عبر الممارسة الجادة لاستعادة وحدة الوطن أرضاً وشعباً. ولهذا فإن إيقاف كافة أشكال التهميش والظلم والتمييز العنصري ووقف الفساد هو السبيل لانتشال البلاد من التفكك والانهيار. أما ثالثة الأثافي التي عمقت من الأزمة الشاملة وانفصال الجنوب، فتجسدت في عدم التقسيم العادل لعائدات البترول والعمل على التنمية في الجنوب لإقناع المواطن في جنوب الوطن، أنه مواطن من الدرجة الأولى ينطبق عليه كل ما جاء في اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي لعام 2005. لقد نبهنا منذ زمن بعيد يعود إلى مناقشة نواب الحزب الشيوعي في المجلس الوطني لموازنة 2008، عندما قلنا أن هذه الموازنة هي الثالثة بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل. ومع ذلك فإنها لم تأبه مثل سابقتيها لمطلوبات السلام والاستقرار في الجنوب ولم تخفض الصرف على القوات المسلحة والأمن، رغم وقف الحرب لصالح التنمية والخدمات في الجنوب وإعادة ما دمرته الحرب. وحذرنا في تلك الجلسة إلى أن كل الدلائل تشير إلى احتمال انفصال الجنوب إذا ما أصر الحزب الحاكم على مواصلة هذه السياسات الغير منصفة، بل والتي تكرس الغبن وتفاقم من الظلم الاجتماعي التي انغرست بذرته في قلب وعقل معظم المواطنين الجنوبيين. ففي تلك الموازنة لم تخصص أي أموال لإعادة إعمار الجنوب. بل يذهب الظلم إلى أبعد من ذلك عندما نجد في التقرير ربع السنوي لموازنة 2009 أن تحويلات حكومة الجنوب من عائدات النفط بلغت 31% فقط من الاعتمادات المقررة. وإن تحويلات الولاياتالجنوبية المنتجة للنفط بلغت 37.3% مقارنة ب(138.1%) في عام 2008. وهذا يفاقم من سوء الأوضاع في الجنوب. وطالبنا بتحويل أموال إضافية للجنوب من العائدات غير البترولية.