وأنا أتأمل بعض ما عليه حال البلاد وأوضاعها التي تراوحت ما بين مؤلمة ومأزومة ومن ضمنها ما عليه حال مهنة الصحافة التي نعمل بها، طافت بذهني حكاية قديمة سقط من الذاكرة اسم ناقلها الذي سمعتها منه مباشرةً وبالضرورة سقط ايضاً اسم صاحبها الاصلي، والحكاية حقيقية وواقعية كما يقول الراوي الناقل، وهى أن الراوي الاصلي عندما كان يتابع عروضاً للسيرك لفت نظره مشهد جانبي مؤثر للغاية جعله يهتف (سبحان الله وما دايم إلا وجه الله) وذلك عندما رأى لأول وهلة ما حسبه كلباً ليتضح له أنه أسد عندما دنا منه وتفحصه، لقد تقزم الاسد وتساقط شعره حتى بدا للرائي غير المدقق مثل الكلب أو قد يراه آخرون مثل الخروف، وكان هذا الاسد الهزيل الخجول يتمسح بجدران القفص ويشمشم في الارض، يقول الراوي وبينما هو مذهول من هذا الحال الذي آل اليه الاسد ملك الغابة وصاحب الحول والطول، إذا بمشهد آخر يزيده ذهولاً على ذهول، وذلك عندما تقدم ناحية الاسد احد المروضين وأخرج من جيب الجاكيت الذي كان يرتديه كيساً من الورق به سندوتش فول قسمه الى نصفين، قدم للاسد احدهما وبدأ هو في التهام الآخر، وكذا فعل الاسد الذي كان أيام عزه وسطوته يفطر بغزال كامل ويتغدى بحمار وحش ويتعشى ببضعة أرانب، فتدور عليه الدائرة ويخني عليه الذي أخنى على لبد، فيصبح نصف سندوتش فول وجبة دسمة يلتهمها بتلذذ وهو يتلمظ.. وحكاية سودانية أخرى لا ندري حقيقتها ولكنها على كل حال تروى على سبيل الطرفة وهى أيضاً تؤكد حقيقة أن لا دائم إلا وجه الله وتحقق مقتضى الآية الكريمة ( وتلك الايام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون) والحكاية تقول إن أحد الزعماء المايويين عندما تصبب عرقاً داخل إحدى زنزانات سجن كوبر العتيق في أحد النهارات الساخنة (التي تقلي الحبة) وكان قد حل نزيلاً بهذا السجن مع كوكبة أخرى من الزعامات المايوية على أيام انتفاضة أبريل، صرخ في رفقائه وهو يتميز من الغيظ والكتمة (ما قلنا ليكم كندشوا السجون) تحسباً لمثل هذا اليوم العبوس القمطرير.. وللشيخ القرضاوي عندما كان حبيساً في سجون مصر يعاني الامرّين، كلمة تصلح للتذكير بها في هذا المقام، مقام ان ما تسومه الآخرين من بطش وأنت على قوة وسطوة سيحيق بك لا محالة عندما تدور عليك الدائرة وتنقلب عليك الدنيا الدوارة وتفقد السلطة (ضل الضحى)، قال القرضاوي بعد أن وجد عنتاً ومشقة حتى عندما يريد ان يقضي حاجته، ما معناه أنهم كانوا يناضلون من أجل حرية القول ولكن عندما ادخلوهم السجون وعذبوهم نسوا حرية القول وصاروا يناضلون من أجل حرية البول.. كل هذه دروس وعبر لمن يعتبر وهو في سدة الحكم صاحب شوكة وسطوة وصولة، أن لا تسكره نشوة السلطة والسُلطان وتغريه القوة التي بين يديه بالغاً ما بلغت ومهما تطاول زمن بقائه على الحكم فانها الى زوال، ومن كان حاكماً اليوم سيصبح معارضاً في الغد، ولهذا عليه أن يراعي الحرمات ويرعى الحريات ويحترم الحقوق كافة، إن لم يكن من باب الحكم الراشد والرشيد، فليكن من باب تأمين حقه في المعارضة التي حتماً سينتقل الى صفوفها يوماً ما والحكمة تقول (لو دامت لغيرك لما آلت اليك)….