سفارة السودان بالقاهرة: تأخر جوازات المحظورين "إجرائي" والحقوق محفوظة    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق ” شيطان القضايا العالقة ” بين شمال السودان وجنوبه
نشر في حريات يوم 01 - 05 - 2012

….. هل يمكن أن تساهم ” النيران ” في ” اذابة أكوام الجليد ” المتراكه بين الطرفين…
علي محمد عثمان كمنجة….
وصلت الأزمة بين شمال السودان وجنوبه حول القضايا العالقة بينهم أقصي درجات تفاقهما بعد أن شهدت الاحداث هذا الشهر وما قبله موجة من التصعيدات العسكرية العنيفة من كلا الطرفان ، وقد مثل الهجوم الأخير الذي نفذته قوات الجيش الشعبي التابعة لجنوب السودان علي منطقة هجليج 13 أبريل الجاري أعنف هذه التصعيدات وأكثرها تأثيراً ، لكونه ينقل الموقف من خانة العدائيات والتوترات الحدودية المتفرقة إلي خانة جديدة تصبح فيها الدولتين غاب قوسين او أدني من اعلان الحرب الشاملة بينهم ، وبالطبع تعود الأسباب التي أدت لهذة الوضعية الملتهبة الي حالة الجمود التي تكتسي الموقف التفاوضي بين الدولتين حول القضايا العالقة بينهما ، لكن يظل السؤال وبعد أن اختار الطرفان الاحتكام الي البندقية بديلاً عن الحوار والنقاش هل يمكن ان تساهم هذه الاجواء الساخنة في ازابة اكوام الجليد المتراكمة بينهم ام أنها لن تؤدي الي شئء سوي مذيد من الاحتقان وتعقيد الموقف أكثر مما هو عليه ، وللاجابة علي هذا السؤال دعونا نتتبع تصاعد الاحداث التي ادت الي هذه المرحلة المعقدة وما هي الاهداف التي يخفيها كل طرف من وراء هذه النيران المشتعله .
كان قد أتفق شمال السودان وجنوبه علي معاهدة في العاشر من فبراير من هذا العام تتعلق بوقف الاعتداءات بينهما بشأن الخلافات الحدودية ، وقد نصت هذه المعاهدة علي تشكيل ” آلية مراقبة مشتركة ” تتكون من الدولتين والاتحاد الافريقي وتعطي المعاهدة الحق لكلا الطرفين في أن يتقدم بشكوى الي ” الية المراقبة المشتركة ” في حال وقوع أي اعتدائات على الحدود ، لكن بالرغم من ذلك أستمرت حكومة الجنوب في إتهام الخرطوم بقصف اراضيها وحقولها النفطية عبر سلاح الجو التابع الي القوات الملسحة السودانية مما أدي الي أن تتخذ جوبا موقفاً متجاوزاً لهذه المعاهدة وبالتحديد فيما يتعلق ” بالية المراقبة المشتركة ” وتطالب بنشر قوات أممية عازلة علي حدود الدولتيين تتكون من الاتحاد الافريقي والامم المتحدة ، بينما ترفض الخرطوم أن تكون الامم المتحدة من ضمن الاضلاع المكونة لألية المراقبة وتري أنها يجب أن تبقي في أطارها الافريقي ، مما أدي إلي خلق وضعية جديدة أصبحت فيها كل دولة تحمل في حقيبتها رؤية مختلفة عن الأخري حول المسألة الأمنية .
بتاريخ 26 مارس بينما كان الموقف التفاوضي يسير في أحسن حالته وكانت التحضيرات حينها جارية لعقد قمة رئاسية بين الدولتين ، هاجمت قوات جنوب السودان منطقة هجليج البترولية وأستولت عليها لعدة ساعات بعد أن أعتبرتها القاعدة التي تشن منها حكومة الشمال هجماتها الجويه علي اراضيه ، قصدت جوبا من ذلك أن تفرض ضرورة فتح التفاوض حول ” الملف الأمني ” المختلف حوله “ قبل إنعقاد القمة الرئاسية بين الطرفين ، وبالفعل فقد فرضت تداعيات الهجوم علي هجليج ضرورة استئناف التفاوض حول القضايا الامنية 2 ابريل المنصرم ، فيما كانت تعلم حكومة السودان نية جوبا في الدفع بمقترح ” القوات الاممية ” بديلاً عن ” الية المراقبة المشتركة ” المتفق عليها سابقاً ، لذلك تلكأت في ارسال رئيس لجنتها الأمنية ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين الي مقر المفاوضات وأرسلت وفداً برئاسة وزير الداخلية الذي ذكر أن وزير الدفاع ” مشغول ” ولا يستطيع أن يحضر نسبةً للاحداث الدائرة الان ولا يمكن للجيش أن يقاتل وفي نفس الوقت يذهب للتفاوض ، حينها أوشك أن يغادر الفريق جيمس هوث رئيس اللجنة الأمنية من جانب حكومة الجنوب مقر المفاوضات وهو يشتكي الي الوسيط الافريقي ثامبو امبيكي ولسان حاله يقول ” بينما نحن ننتظر رئيس وفد حكومة السودان هنا هو مشغول بقصف اراضي جنوب السودان هنالك ” الشيء الذي أدي الي أن تعدل الخرطوم موقفها وترسل وزير دفاعها الي مقر المفاوضات بعد أن أرفقت معه مقترحاً ” تكتيكيا ” تضعه الخرطوم علي طاولة المفاوضات ليكون مقابلاً لمقترح حكومة جنوب السودان الخاص بنشر ” القوات الاممية ” وهو مقترح أن تقدم دولة الجنوب اقرار مكتوب بعدم ايواءها للحركات المتمردة الشمالية وطرد زعماء الحركة الشعبية قطاع الشمال على رأسهم مالك عقار وعبدالعزيز الحلو وياسر عرمان على الفور ، وقد هدفت الخرطوم من تقديمها لهذا المقترح أن تعَقد الموقف التفاوضي حتي تطردت شبح القوات الاممية .
تقف الخرطوم ضد مقترح القوات الاممية لأنه أذا أصبح واقعاً سوف يهدد عملياتها الجوية التي تلجاء اليها من حين الي اخر حتي تضغط علي حكومة الجنوب كلما استعصي عليها التفاوض ، لكن الوثيقة التي قدمتها الوساطة الافريقية بعد أن درست مقترحات الطرفين قلبت الطاولة علي وفد حكومة السودان و ” لخبطت ” حساباته بعد أن أحتوت علي بنود تحث الخرطوم علي ضرورة أن تتبني مبداء الحوار السياسي لحل المشكلة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق والشروع في مفاوضة الحركات المناوئة للحكومة هنالك بجانب تكوين الية مشتركة بين الاتحاد الافريقي والامم المتحدة لمراقبة الحدود بين الدولتين ، اي نشر قوات اممية بديلا لألية المراقبة السابقة .
رفضت حكومة السودان هذه الوثيقة جملة وتفصيلا و غادر علي اثر ذلك الفريق عبد الرحيم حسين مقر المفاوضات عائداً الي الخرطوم بينما طار وفد جنوب السودان الي منطقة بانتيو حتي يرتب لهجوم جديد علي هجليج بهدف إجبار الخرطوم علي العودة لطاولة المفاوضات والتوقيع علي الوثيقة التي تحوي بند القوات الاممية ، وبالفعل هاجمت قوات جنوب السودان منطقة هجليج في 12 ابريل وأستولت عليها للمرة الثانية بعد أقل من 3 أسابيع من هجومها الاول في 26 مارس المنصرم، والمفارقة الغريبة هنا أن حكومة السودان ظلت تردد دائماً أن هنالك رصد عن طريق الاقمار الصناعية لخطوط الامداد والتشوين والقادة العسكريين وكل العمليات التي يقوم بها الجنوب لدعم التمرد في جنوب كردفان ولا ندري اين كانت هذه الاقمار عندما استولي الجنوب علي هجليج لمرتين خلال 3 اسابيع
اذاً تتلخص المشكلة بين شمال السودان وجنوبة في أن كل جانب يسعي الي حماية نفسه من الاعراض السالبة التي أفرزها تسونامي إنشطار السودان الي دولتين ، لان إنقسام أي دولة لا ينحصر فقط في الانقسام الجغرافي الي جزئين يطلق علي إحدهما شمال والاخر جنوب وإنما يتبع ذلك إنقسامات عديدة في مجالات أخري ما يهمنا منها في هذا المقام الانقسام الذي يحدث علي مستوي الموارد الاقتصادية الطبيعية ، كما في الحالة السودانية فأغلب الحقول المنتجة للبترول أصبحت بعد ” القسمة ” تقع جنوباً بينما تقع البني التحتية المكملة لعملية الانتاج والتصدير في الشمال ، ويمكن القول أن النزاع القائم الأن بين شمال السودان وجنوبة ترجع أسبابه في كثيرمن جوانبه الي عدم إتفاق الطرفين علي صيغة من شأنها أن تضمن إستفادتهما الاثنين معاً من الموارد البترولية .
وفي ظل هذا النزاع يفتقد حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان إلي كل ما يمكن أن يضغط به علي حكومة الجنوب بعد أن فقد كل كروته السابقة بعد أن تغيرت المعادلة بأنفصال الجنوب واصبحت معظم الثروات البترولية تحت سيطرة الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان ، ولذلك لم يتبقي للخرطوم خياراً سوي إستخدام القوة العسكرية للضغط علي حكومة الجنوب والخروج من ” مأزق شيطان التفاصيل ” بأقل الخسائر ، وبنفس القدر يستغل الجنوب سيطرته علي منابع النفط للضغط علي الطرف الاخر لنفس السبب .
أيضاً وفي اطار الاليات المستخدمة في هذا النزاع يسعي كل طرف إلي ضرب مراكز القوة التي يمتلكها الطرف الاخر ، وفي هذا المجال نجحت الخرطوم من خلال افتعالها لسلسلة من الاستفزازات التي ادت في نهايتها الي تعليق انتاج النفط وتجميد التفاوض حوله ، الشيء الذي يؤثر بالطبع سلبياً علي حكومة الجنوب اذا كان ذلك علي مستوي موقفها التفاوضي او علي مستوي جاهزيتها العسكرية في رد العدوان الذي تتعرض له ، وفي الجهه الاخري من هذا السياق ايضا تعمل حكومة الجنوب علي ضرب ما تستمد منه الخرطوم قوتها المتثملة في تلك التهديدات الجوية التي توجهها نحو اراضي وحقول النفط التابعة لجنوب السودان ، وتعتمد جوبا في ذلك علي ضرورة ان يتم فرض مقترحها الخاص بنشر قوات اممية علي حدود الدولتين حتي تكون بمثابة الجدار العازل الذي يغيها من هجمات الطرف الاخر وفي نفس الوقت يفقده ما يعتمد عليه في قوته ، وهذه الاخيرة تفسر لنا الاهداف السياسية التي اتخذت علي أساسها حكومة جنوب السودان قرارها الخاص بالهجوم علي منطقة هجليج ، تحت غطاء النزاع حول تبعيتها تارة او اعتبارها القاعدة التي تشن منها حكومة السودان هجماتها الجوية تارة اُخري ، فالأسباب الحقيقة وراء إختيار هجليج ” بالتحديد ” ترجع الي أهميتها القصوي بالنسبة للخرطوم وشركائها النفطيين وعليه فأن أي تهديدات أمنية تطالها سوف تكون في مصلحة تقوية المقترح الخاص بنشر القوات الاممية حسب الاعراف الدولية المتبعة في حل النزاعات ذات الطابع الدولي .
مع الوضع في الاعتبار ان هذه المسألة خاضعة بالطبع للمصالح الدولية المتقاطعة احياناً والمتعارضة في كثير من الاحيان ، ومن المتوقع أن حكومة السودان ستلعب علي هذه النقطه اذا افترضنا أن قضية نشر القوات الاممية أصبحت مسألة وقت بعد الاحداث الاخيرة في هجليج ، ستلعب الخرطوم علي تقاطعاتها الدولية بغرض تحول دون التنفيذ الفعلي لنشر القوات الاممية ، واذا تتبعنا الطريقة التي تعاملت بها الخرطوم مع أحداث هجليج نجد انها قد ذهبت بالفعل في هذا الاتجاه .
ويمكن ايجاز هذه الطريقة في الاتي ..
اولاً… امتنعت الخرطوم عن إتخاذ أي خطوات عسكرية جادة لمواجهة العدوان وتحرير المنطقة وأكتفت فقط بالادانة الواسعة التي ووجهها المجتمع الدولي ضد الهجوم علي هجليج
ثانيا… انشغلت الحكومة وحزبها الحاكم بمعركة اُخري داخلياً مع الاحزاب السياسية حول من منهم ادان الهجوم علي هجليج ومن لم يدينه
ثالثا… سارعت الحكومة في إتخاز خطوات قانونية عبر البرلمان تحدد كيفية التعامل مع الدولة المعتدية وايضاً خطوات دوبلوماسية بغرض استقطاب المجتمع الدولي الي جانبها
رابعا… اعتمدت الحكومة علي تقسيم الادوار ما بين جناح متشدد يدعو الي الحرب والتعامل بالمثل مع دولة الجنوب يقوده رئيس الجمهورية وجناح أخر يتصف بالمرونة و يعمل علي تهدئة الاوضاع والدعوة الي الحلول التفاوضية يقودة وزير الخارجية
من خلال ذلك يمكن لأي مراقب عادي أن يستنبط أن الخرطوم لذلك قدمت هزيمتها العسكرية التي تعرضت لها في هجليج عربوناً لتحقيق انتصارات سياسية علي المستويين الخارجي و الداخلي بعد ان ادركت ان معركتها لم تعد مع الجنوب وانما مع المجتمع الدولي ومجلس امنه ، وتتلخص الانتصارات السياسية التي قصدتها الخرطوم في كسب ود المجتمع الدولي بعد أن صورت له انها دولة راشدة ولا تتعامل بردود الافعال وملتزمة بمباديء السلم والأمن الدوليين ، أما داخلياً كسبت الخرطوم كل القوة السياسية في صفها بعد ان أعتمدت علي سياسة التخدير الاعلامي للمجموعات والاحزاب التي تتطالب الحكومة بأعلان الحرب علي الجنوب وقد لعب رئيس الجمهورية دوراً مهماً في ذلك عبر تصريحاته المتشددة التي اطلقها عقب الهجوم علي هجليج ووصفه للجنوبين ” بالحشرات ” فقد كانت تلك التصريحات بمثابة متنفس لهذه المجموعات .
في يوم 26 أبريل الجاري وبعد مرور شهر بالتمام والكمال علي البداية الفعلية لسلسلة التصعيدات العسكرية الاكثرعنفاً بين الدولتين ، دفعت الولايات المتحدة الامريكية بمشروع قرار لمجلس الامن لتبنى بيان مجلس السلم والامن الافريقي الذي أقترح خارطة لدولتي السودان وجنوب السودان لانفاذها خلال ثلاثة اشهر، علي أن يكون تحت البند السابع المتعلق بما يجب أن يتخذه مجلس الامن من تدابير في حالات تهديد الامن والسلم العالمي والتي من ضمنها استخدام القوة العسكرية ، وأذا أعتمد مجلس الامن هذا المشروع تكون قد أصبحت خارطة الطريق المقدمة من قبل مجلس السلم والامن الافريقي ملزمة بالنسبة للطرفين والا أن يواجها العقوبات التي يمكن أن يقرها مجلس الامن ضدهما ، المشكلة هنا أن خارطة الطريق هذه اكتفت فقط بالاشارة في مقترحاتها المقدمة الي إنشاء ” آلية مشتركة للرقابة على الحدود “ ولم تحدد صراحة شكل وطبيعة هذه الالية ، فهل ستنحصر المسألة في تفعيل اليات المراقبة السابقة التي كان قد اتفق عليها الطرفان في العاشر من فبراير السابق والتي تحصر تكوين الالية في طرفي النزاع والاتحاد الافريقي ؟؟ ام سيتم إعادة النقاش من جديد والاتفاق علي الية مراقبة جديدة ، لان هذا هو ” اُس المشكلة ” ، وكما وضحنا ذلك سابقاً بأن فتح النقاش من جديد حول طبيعة الية المراقبة يعني تغير كامل لما اُتفق عليه سابقاً مما يفتح الباب أمام تضمين مقترح ان تكون الامم المتحدة طرفاً ثالثاً في الاضلاع المكونة لالية الرقابة مما يعني عودة شبح القوات الاممية التي رفضته حكومة السودان من قبل ، وجدت رفضها له لاحقاً عشية إصدار مجلس الامن والسلم الافريقي لخارطته هذه كما جاء ذلك في بيان وزارة الخارجية الذي وضحت فيه ” أن حكومتها ترحب بقرارات مجلس السلم والامن الفريقي مع التشديد علي رفضها لنشر أية قوات دولية على الشريط الحدودي مع جنوب السودان عدا قوات اليونسفا الاثيوبية التي تتواجد في ابيي ” وبهذا فأن الخرطوم تريد أن تغلق الابواب أمام أي محاولات من شأنها أن تطرح مقترح القوات الاممية مرة أخري خصوصاً وأن حكومة جنوب السودان شرعت في ابتدار حملة دولية لدعم المقترح وقد ارسلت بالفعل وفداً عالي المستوي بقيادة كبير مفاوضيها ” فقان اموم ” الي بروكسل لمطالبة قيادات الاتحاد الاوربي بنشر قوات اوربية في المناطق التي تشهد نزاعات مع الدولة المجاورة .
وفي ظل كل ذلك تبقي الحقيقة الوحيدة ” الغائبة ” او ” المغيبة ” من تفاصيل كل هذا المشهد ، حقيقة أن هنالك خياراً واحد لا ثاني له وهو الضرورة التي تفرضها حقائق الواقع الماثل في أن يتعايش الطرفان نسبة للاشتراك ” لا فكاك منه ” بين شعبي شمال السودان وجنوبه في المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وترجع اسباب ” غياب او تغيب ” هذه الحقيقة في تقديرنا الي إنعدام الثقة المتبادلة بين حكومتي الشمال والجنوب ، وما نعنيه بأنعدام الثقة هنا ليس له علاقه بالعواطف وانما انعدام التقارب في الافكار والرؤي التي تقود بدورها الي تعزيز المصالح المشتركة بعد أن ينجلي الغبار الايدولوجي الذي يحد كثيراً من الرؤية المنطقية للاشياء ويتسبب في تدمير و ضياع المصالح المشتركة بين شعبي شمال السودان وجنوبه ، وفي ظل غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين يكون النزاع هو سيد الموقف حينها لن تكون هنالك حلولاً سوي أن يقول الشعب كلمته و يطيح بأطراف النزاع حفاظاً علي مصالحه المشتركة ، وهذا ما يحتاج منا الي مقال آخر كي نوضح ما هو مطلوب من الشعب أن يفعله شمالاً وجنوباً في هذا الصدد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.