طارق محيسي… العنوان المذكور أعلاه هو الإسم الثلاثي للشهيد الجندي شرطة الري في الليل يعقوب الذي غدرت به يد السلفية الحربية ، عند هجوم جماعة التكفير والهجرة على منطقة كمبو عشرة جنوب مدينة ودمدني في اليوم الأخير من العام 1996م ، وإحتلالهم لمسجد القرية وتكفيرهم للجميع وإعلان الجهاد عليهم . الشهيد الري في الليل يعقوب هو من أبناء ولاية النيل الأزرق ، وإشتهر بين زملائه بالإنضباط والإستقامة والمرح وخفة الظل والشجاعة ، وتجلت هذه الشجاعة عند مواجهته لهؤلاء المهووسين بعد أن هرب من أمامهم مدير شرطة الولاية ونائبه عقب فشل محاولتهما في التحاور معهم ، وذلك عندما إقتربا من المسجد الذي كانوا يحتلونه بالمنطقة المشار إليها ، وقاما بإلقاء تحية الإسلام عليهم ، فكان رد الجماعة التكفيرية على التحية بوابل من الرصاص وهم يرددون (وعليكم السلاح ولعنة الله ) ، ليطلق كل من المدير ونائبه ساقيه للريح ، ويتصدى لهم هذا الجندي الشجاع حتى فقد حياته ثمناً لواجب مهنته الذي لم تثبت من أجله أقدام الكبار . هذا الشاب الشجاع لا يذكره حالياً أحد سوي أسرته وأصدقائه . ولم تتكرم الدولة بتسمية قاعة ولاحتى طريق (ترابي) بإسمه ، لأنه لا يحمل رتبة رفيعة ، ولا ينتمي للتنظيم الحاكم ، ولا ينطبق عليه تعريف الشهادة وفقاً لقاموس (التوجه الحضاري) الذي يشترط في الشهيد أن يكون من المنتمين للتنظيم الحاكم أو حلفائه الأقربين ، وأن لا يخرج نسبه من المثلث (الكريم) ، كما يجب أن يكون قد فقد حياته في سبيل التوجه الحضاري وليس بسبب تداعياته. والأدهى والأمر هوقيام الدولة بتسمية إحدي قاعات المحضرات بذات الولاية التي شهدت الأحداث بإسم نائب المدير (الهارب) ، الذي كان قد توفي لاحقاً في حادث سير . بينما إستشهد الشهيد الري في الليل يعقوب في سبيل القيام بواجبه والإخلاص في أداء مهام وظيفته ، دون أن يكرمه أو يخلده أحد ، بل ويقوم النظام الحاكم في الدولة بقصف أهله بالنيل الأزرق بطائراته (العويرة) صباحاً ومساء . وحكاية الشهيد الري في الليل يعقوب متكررة ، فهناك العديد من الأمثلة لمن فقدوا أرواحهم نتيجة للصراعات التي فرضها النظام ، وارسل لها الأبرياء من المهنيين بدعوى أداء الواجب ، والبر بقسم التعيين ، بينما يتجول منسوبيه بين المواقع الآمنة البعيدة عن هذه الصراعات ، والتي عادةً ما يختارونها بأنفسهم . ويجدر هنا ذكر الشهيد الرائد شرطة بشير فرح ختام شريف الذي لبى نداء ربه بمنطقة الملم بجبل مرة في العام 2001م ، بعد أن أرسله النظام ضمن ما يسمى بشرطة المراحيل وهو في قمة إنكاره لوجود حركات مسلحة بدارفور ، وإصراره على أن الصراع في دارفور لا يخرج عن كونه تفلتات لعصابات النهب المسلح ، وصراعاً بين الرعاة والمزارعين ، رغم تأكيدات الشهيد نفسه للنظام في إشاراته التي أرسلها الى الخرطوم والتي ذكر فيها بأن المشكلة في دارفور أكبر من صراع رعاة ومزارعين ، ليتجاهلها النظام ويستمر في إقحام هؤلاء الأبرياء في صراع غير متكافئ ، كانت نتيجته الحتمية هي فقدانهم لأرواحهم . ليتبدل الحال بعدها ويعود النظام معترفاً بهذه الحركات ومتنقلاً من عاصمة الى أخرى للتفاوض معها ، ويتناوب زعمائها في دخول ومغادرة القصر الجمهوري ، الذي أصبح رئيسه طريداً للعدالة الدولية نتيجة لذات الأحداث ، دون أن يكترث لدماء الأبرياء التي سالت نتيجة لهذا الصراع الذي أججته تقديراته الخاطئة ، بل ولم يكلف أي من متنفذي النظام نفسه بالمشاركة في عزائهم ، كما نراهم يتجولون هذه الأيام بين خيام عزاء الملتحين من منسوبي النظام وحلفائهم من أنصار السنة وغيرهم من الذين ورد ذكرهم في صدر هذا المقال ، فالشهادة عند هذا النظام (خشم بيوت) . وحسناً فعل النظام بذلك ، فالعزاء الحقيقي للشهيد بشير فرح ختام شريف يتمثل في سيرته العطرة التي يتناقلها الجميع ، وفي ذكراه الجميلة التي تعيش مع والدته وأبناء دفعته ، والمكانة العظيمة التي يحتلها في دواخلهم ، للدرجة التي دفعت بعضهم الى إطلاق إسمه على مواليدهم تخليداً له ، لا سيما وأنه غادر هذه الفانية قبل أن يتزوج ، بينما تحفظ آخرون على إطلاق الإسم لأسباب نفسية وسياسية وأخرى تتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية . والجدير بالذكر أن الشهيد بشير فرح ختام شريف كان من أشد المعارضين والكارهين لحكم الإنقاذ ، وكان يجهر بهذا الأمر علناً في وقت انتشرت فيه سياسية (دعوني أعيش) ، فكان ينتقد جهاراً نهاراً ضعف القيادات وسيطرة (المنظمين) من الضباط علي إتخاذ القرارات في الشرطة ، وكان لا يخاف في قول الحق لومة لائم ، لذلك تم إبعاده عن الخرطوم بنقله الى دارفور ، والتي لو علم منسوبي حركاتها الثورية من الذين أطلقوا النار عليه ، مدى بغضه للإنقاذ وإنتقاده لها وإيمانه بقضاياهم العادلة ، لعلقوا على صدره وساماً بدلاً عن إطلاق النار عليه ، ليمضي بشيرفرح ختام شريف كما مضى قبله أخيه الري في الليل يعقوب بإسم الواجب ، الذي ينتدبون لتنفيذه المحترفين من المهنيين الذين يطيعون الأوامر دون نقاش ، ومن لا يملكون (الوساطات) التي تجنبهم مواقع التوتر والصراعات من (مساكين) الخدمة العامة . وعلى ذكر المساكين كان ناظر خط منطقة الشبارقة الناظر يوسف جميل يغضب بشدة عندما يرتكز الدفاع عن شخص معين بأنه مسكين ويتغير لون وجهه ويسب (المسكنة والمساكين) ويقول ( المسكين القال ليه يبقى مسكين منو؟؟؟) . وللأمانة والتاريخ لم يكن بشير فرح ختام شريف جباناً ولا متردداً ولا (مسكيناً) .