لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    في شنو تفاوض (جاك ديارا) وتسجل (بخيت خميس)؟!    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    حركة متمرّدة جديدة بقيادة عضو سابق في المجلس التشريعي الوطني    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجن الترحيل
نشر في حريات يوم 31 - 05 - 2012


بقلم صالح إبراهيم انجابا
من اراد ان يتخرج من المدرسة الحربية الواقعية بجدارة وحذاقة عليه ان يعرج الى مقديشو التى ارتوت تربتها بدم الأبرياء لتنبت فيها شتى انواع الأسلحة المدمرة وتحصد فيها اشواك العنف . الموت متوفر بالأطنان واسبابه متنوعة .هنا لا عاصم من الهلاك سوف تقتل فى بيتك وفى الشارع وانت تحارب او تهادن, الكل يجيد عزف السلاح ,والأذن اعتادت على زئيره وانينه . فى تلك المدينة التاريخية نشأ طاهر ولعب فى حواريها ,واذقتها ,واشتد عوده ,ونال قسط لا بأس به من العلم وتَذَوَقَ فيها مجاج السنين اللذيذة, ولكن الأحوال تبدلت ,والحياة كشرت انيابها ,وغرست اظافرها فى قلب السلام لتزهق روحه الى اجلٍ مسمى, فلذا قرر ان يفارق عشيقته التى لم تعد تتحدث عن الحب والرومانسية . قبل الفراق ذهب الى شاطئ المحيط الهادى الذى جاد بالنفيس والغالى لسكان عروس المدن منذ الآف السنين دون ان يكل او يمل. اراد ان يجلس على حبيبات الرمال الذهبية التى تكسو شاطئه الجميل للتأمل والتفكر والتدبر , لكنه وجد الرياح تزمجر كانها غاضبة على ما يحدث من خراب ودمار وإنتقام , وعدم اكتراث للأرواح التى تزهق , و البحر يثور وتتلاطم امواجه ذات الأذرع الطويلة لتصفعه فى وجهه , كأنه يحذره من مغبة المغامرة على متن مركبة ليقطعه الى اقرب دولة جارة , اوكأنه يرسل شارات رمزية تقول “ان قبرك سوف يكون فى جوفى العميق” . انتابت طاهر رعشة وتشنج وحزن ودار الى الخلف مسرعاَ فى خطوه الى البيت , ولملم اشيائة المبعثرة وحزمها فى شنطة قديمة ,وغادر الى المملكة العربية السعودية على ظهر مركبة قديمة هزيلة شقت عباب البحر بعد عوص وعسر .
استقبله فى هذه الأرض المباركة اقربائه الذين سكن معهم لستة اشهر فى مكة المكرمة التى ولد فيها رسول الإنسانية محمد (ص) . فى هذه البقعة الطاهرة ,انطلقت رسالة الإسلام السامية لتغير احوال امم , لم تسمع عن الجزيرة العربية لا من قريب اوبعيد لتتبؤ الدور الرائد فى ارساء دعائم العدل والمساواة.
الحياة هنا تختلف تماماً عن الواقع الذى كان يعيشه إذ تحتاج الى كفيل تابع للملكة العربية السعودية ( علاقة سيد بعبد) بإمكانه يُرَحِلك او يستنزف اموالك , ولوكان بإستطاعته لمنعك الهواء الذى تستنشقه اى مصيرك مربوط به وحريتك رهناً فى يديه . مكة ضاقت بما رحبت ,حيث لا يمكنه ان يتحرك خارج البيت ,وكل اخ اوصديق يزوره يحذره ان يمكث بين حظيرة الدار, وان حريته مرهونة بين اركانه , اى اختار سجن فى داخل سجن كبير. صار لا يستطيع ان يحلق فى سماء الإنعتاق لأن جناحاه هاضت بسبب قانون الكفالة. بدأ يلوم نفسه على قرار ترك مدينته التى كان فيهاً حراً طليقاً كلأسد,اما الان صار فأراً يسكن فى جحر يخاف من الظهوركى لا يوضع فى قفص ,. صبره نفد لعدم اعتياده على حياة الإنكسار والإزلال ,و على نمط العيش الحقير. قرر ذات يوم ان يتحرر من القيود التى كبلته طيلة هذه الفترة , فخرج رغم تحذيرات الأخوان والأصدقاء , وفى غرارة نفسه اختار الترحيل ليدفن فى تراب مقديشو بلد الأحرار, وفعلاً سار متجهاً الى سوق مكة , وبعد مسافة ربع ساعة اوقفه شرطى سائِلاً ” هويتك يا رجَّال؟”
رد طاهر ناظراً الى قبعته ” هويتى مسلم”
ونظر الشرطى الى اعلى لطول قامته بإستخفاف قائلاً” مسلم يا سلام عجيب ما كنت عارف”
فرد بإستهتار وبنفس اسلوبه” عندك شك فى هويتى الإسلامية”
تعصب الشرطى غضباً وظهرت عروق رقبته وقال” هل عندك إقامة وما هو وضعك القانونى فى المملكة العربية السعودية؟” .
فقال طاهر بإستنكار” ماذا تقصد ؟ كيف تريدنى ان ادفع جزية لأُ قيم فى أرض الرسول (ص) والصحابة؟ ” وواصل فى الكلام ” او كيف تتوقع ان يكفلنى احد لأُقيم فى مكة التى بدأت فيها اول ثورة ضد الظلم والعبودية وانطلق فيها موج التغيير من اجل الحرية والإنعتاق”
إحتار الشرطى وتلعثم قائلاً” بلاش فلسفة وسفسطة اركب العربة الى مخفر الشرطة بدون كلام انت رجل غريب التصرفات والردود!!!”
رد طاهر ” اتعرف انا منذ قدومى الى هذه التربة الطاهرة كنت مسجون , فلذلك لا فرق اذا اخذتنى الى السجن او المخفر”
وصل طاهر الى المخفر وقدمه الشرطى الى ضابط كبير بعد ان سرد له كل الحديث الذى دار .
استقبله المسئول بسخرية فى القول والنظرة وسأله ” ما اسمك ؟ ومن اى بلد؟” اجاب بكل اعتزاز وفخر” اسمى طاهر روبلى وجنسيتى صومالى”
قال الضابط ” الآن عرفت سر اسلوبك فى الحديث لأنك صومالى دمر ارضه وجاء الى المملكة لكى يمارس نفس الفوضة”
فاشتاط طاهر غضباً وقال” لا يحق لك ان تتكلم عن دماربلدى لأن هذا الشأن يخصنى و يخص الصوماليين الذين كنتم بالأمس القريب تأتون اليهم لتعيشوا بينهم ,وتعملوا فى ارضهم دون إقامة او تصريح”
ضحك الضابط بأعلى صوته وقال ” نحن نأتى اليكم هذا كلام لا يصدقه العقل !!!!” فأجاب طاهر وفى نبرات صوته العزة والكرامة” نعم كنتم تأتون الى بلادنا وتنعمون بخيراتها ,وإذا كنت لا تعرف او جاهل فعد الى ذاكرةالتاريخ القريب” وواصل قائلاً “ حين جاء دوركم لتردوا الجميل خذ لتم اخوانكم فى الجيرة والدين ,ولكن صدقنى سوف يعود السلام الى ارض الخير ,ويعود الصومال معافى كما كان سابقاً , ويكون رافداً من روافد العطاء”
فنظر اليه نظرة طويلة بعينٍ يتطاير منها الشرر ورد” انا ما عندى وقت اضيعه مع رجل بلا هوية ” وامر الشرطى ان يأخذه الى سجن الترحيل.
سجن الترحيل ملئ من كل اجناس البسيطة ينتظرون الترحيل الى بلدانهم ,التى غابوا عنها سنين عددا .عند دخوله تفحص الوجوه فلمح شخص فى ركن السجن يشبه صومالى الجنسية فجاء اليه وحياه بتحية الإسلام و سأله” انت من الصومال؟”
فرد الرجل الذى ارتسم الحزن العميق فى كل تفاصيل وجهه ” لا انا من ارتريا اى ابن عمك وجارك”
فقال طاهر ” نعم كلنا اخوان من شرق افريقيا التعيس”
بعد فترة صمت دام اكثر من ساعة جاء اليهم سودانى بزيه المميز وعمامته الكبيرة التى تدور على راسه كما تدور افعى الأناكوندة على فريستها وجلس بالقرب منهم وعرفهم بنفسه قائلاً ” انا اسمى العاقب من السودان ومن قلب الخرطوم “.
فرد طاهر ” اهلاٌ وسهلاً بين اخوانك واهلك من شرق افريقيا “.
ابن السودان كان مميز بإنتقاداته الصريحة لممارسات غيرانسانية صارت سمات بطش وازلال لكل من ياتى الى السعودية باحثاً عن لقمة العيش الكريم . ابن ارتريا الذى ولد وترعرع فى كرن الجمال والطبيعة كان سارحاً الى عالم بعيد يفكر كيف سَيُرحَّل الى ارض يسرح ويمرح ,ويعيث فيها فساداً نظام متغطرس؟ . كان يناجى نفسه كيف يحزن الإنسان من العودة الى اهله ؟ومدينته التى تكتسى طول العام بلون فستقى اى لون الحياة والجمال الذى انعكس فى وجهه و بشرته الإرترية ,ولكن فى هذه اللحظة والموقف اللون تبخر من وجهه ولون الفحم لون دنياه فى سجن الترحيل .
وفجأة قطع حبل تفكيره العاقب السودانى الذى رشق الكلمات بسرعة وبدون توقف قائلاً” مالى ار اك حزيناً نحن سوف نعود الى بلادنا واهلنا ليس بذاهبين الى سجن ويمكننا ان نبدأ حياة سعيدة بلا كفيل ولا ترديد الكلام الممل مثل طويل العمر , طويل الأنف , حياك الله يا شيخنا , نعم كلامك صحيح دون ان تسأل او تستفسر”
وقاطعه طاهر ” صراحة هذه حياة لا تطاق , بلدى افضل واحسن لأن لى اختيارين اما الموت بعز وشرف واما اكون مثل عنترة العبسى رافعاً راسى بين عشيرتى وقبيلتى “
واصل العاقب فى الكلام ” انا شخصياً تعبت من التوسل الى الكفيل وتعبت من المعاملات الجافة التى سوف تدفعنى لأرتكب جريمة لا يحمد عقباها, فلذا العودة سواء كانت اختيارية او إجبارية هى الحل والدواء الناجع”
الحديث متواصل بين طاهر والعاقب وما زال همد صامت يسمع خرير النقاش ولا يتفاعل ,وعيناه تركز فى النظر على حائط السجن كأنه ينظر الى فيلم تراجيدى سوف يعيشه حين يعود الى الوطن مجبوراً .فى ظل غياب غير متعمد من جو النقاش العاقب هز كتفه قائلاً” اخى من شرق افريقيا التعيس لماذا لا تشاركنا فى الحديث وعرفنا فى اى عالم كنت نحن ايضاً اخوانك ونريد ان نشاركك همومك”
تنفس هُمَد نفس طويل وعميق ونفخ فى الهواء واعتدل فى جلسته قائلاً” مشكلتى معقدة انا كنت املك متجر كبير مسجل بإسم الكفيل لأن القانون لا يسمح لى حق الإمتلاك و حين رأى الكفيل الريالات السعودية تسيل من متجرى فكر ان يسطو عليه عن طريق القوانين المجحفة وفعلاً حدث له ما اراد وطبخ مؤامرة ترحيلى الى ارتريا التى تعنى تجنيد إجبارى لمدى الحياة حيث لا تراعى فيها شرط العمر او اذا كنت عائل لأسرة كبيرة اى عبودية فريدة من نوعها لم تعرفها الإنسانية ابداً وإذا اعترضت اووجهت تساؤلات حول بعض الأمور سوف اقبع فى سجن تحت الأرض فى مكان مجهول لا ينفذ النور من خلاله ” ويواصل همد دون توقف ” انا اعرف ان الصومال فيه الحرب ولكن رغم ذلك فيه حرية الإختيار فى الإنضواء تحت لواء اى تنظيم او الهروب تحت مظلة القبيلة اى بصريح العبارة تختار نوع الموت الذى تريده اما السودان فيه هامش من الحرية حتى لو كانت مزيفة “
فتدخل العاقب فى وسط الحديث وقال” لقد ابكيتنى يا اخى الإرترى اتعرف لو كنا فى بلاد الخواجات(بلاد الغرب) الذين ننعتهم بالكفر لما سجنونا وسجنوك وفكروا فى اعادتك الى نظام يضرب بيدٍ من حديد “
طاهر يقطع الكلام ” المفروض اى بلد اسلامى يحترم حقوق اللاجئ لأن الإسلام سبق كل القوانين الحامية للأجئين فى تشريعاته السمحاء “
العاقب بعد ان سمع كلامه زاد فيه معلقاً”
ولهذا قال أنطونيو جوتيرس المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين ((لقد شكلت التقاليد والأعراف العربية منذ أمدٍ بعيد الأساس الراسخ لحماية بني البشر والمحافظة على كرامتهم. وما استخدام مفردات مثل الإجارة والاستجارة والإيواء وغيرها الا تعبيرا واضحا عن فكرة الحماية التي هي اليوم في صميم ولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين, وجاءت الشريعة الإسلامية لتكرس مبادئ إنسانية للأخوّة والمساواة والتسامح بين البشر. إن إغاثة الملهوف وإجارة المحتاج وحمايته وإيوائه ومنحه الأمان دون الرجوع عنه حتى لمن كان من الأعداء هي من ضمن الشرائع الإسلاميةالتي سبقت بقرون عديدة القوانين والمواثيق الدولية الحديثة لحقوق الإنسان ومنها حق اللجوء وعدم جواز إرجاع اللاجئ وذلك حفاظا على سلامته وتحاشيا لتعريضه للاضطهاد أو القتل ))
فقال هُمَد معجباٌ بهذا الكلام وفى نفس الوقت محبط من بعض الدول التى تدعى الإسلام” اتعرفون الشباب الإرترى يفضل الهروب الى الدول الغربية من الإقامة فى الدول العربية التى لا تحترم انسانيتهم وتبعهم فى ذلك المضمار السوادنيون والأفارقة “
فقال طاهروفى عينه الشفقة والتأثر للشعوب العربية” ماذا تنتظر من حكومات تدوس على كرامة مواطنيها ؟علينا ان نكون واقعيين ونعمل على اقتلاع جذور الظلم من اراضينا التى ارتوت بدماء الأبرياء والمقهوريين “
وهنا يقطعه العاقب ” كفى جلد الذات علينا ان نتسلح بقوة الإرادة وتضافر الجهود لنغيير الإنظمة الفاسدة فى بلداننا والآن هيا نأكل الكبسة (اكلة خليجية تتكون من الرز ولحم الدجاج المتبل و المطبوخ) .
طاهر يقول ضاحكاً “نعم اتفق معك فيما قلته ولكن يا اخى العزيز اراك زدت وزناً وعرضاً من اكل هذه الوجبة”
يرد العاقب ضاحكاً ” نعم يا ابن عمى تحسدنى حتى فى داخل السجن الآ تعرف انا استعد لمصارعت الذئاب فى بلدى الذى تتحكم فيه عصابة مارقة وظالمة بإسم الدين”
هكذا قضوا شهر كامل ملئ بالذكريات التى وحدت ثلاثة مواطنين من دول مختلفة المفترض تكون دولة واحدة لأن تاريخهم وجذورهم متشابكة .
سجن الترحيل تجسدت فيه اسمى معانى الإخاء والإحساس بظروف شرق افريقيا و نشات فيه ديمقراطية لم يجدوها فى حكوماتهم الطاردة والقاهرة لشعوبها التى تشردت فى كل بقاع العالم .
رُحِّل العاقب الى السودان ليواصل حياته العادية و يواجه اعاصير الظروف العصية,ويناضل لمقارعت النظام البغيض الذى يدعى الإسلام ويمارس كل الوسائل للضغط على اصحاب الأقلام الشريفة والحادبيين على السودان .
بعد ان استقر العاقب قرر ان يزور ويتفقد احوال جاره الذى يسكن فى الحدود الشرقية للسودان وفعلاً سافر الى كرن التى الهمت الشعراء والفنانين بجمالها الساحر وطقسها الخلاب الذى يعيد النشوة والنشاط والإنتعاش .استقبله اهل كرن اصحاب القلوب اللطيفة كلطافة نسيم مدينتهم استقبال حارليحس بدفء مدينة الخرطوم . منذ وصوله شرع يسأل عن هُمَد صديق احلك الظروف فحذره الناس من هكذا سؤال لأنه يمكن ان يسجن كما سجن تحت الأرض فى مكان مجهول و لا يعرف اذا كان حياً او ميتاَ لرفضه التجنيد غير المحدد وعبر عن سخطه وغضبه للمارسات الوحشية ضد الشعب الإرترى . عاد الى السودان وعقله تشبع بالهموم والتفكير المستمر فى مصير همد .
فى احدى المرات بعد عودته من إرتريا اشترى جريدة سودانية واستوقفته صورة رجل فارق الحياة رجليه منفرجتين واليد الأولى تستريح على بطنه اما الثانية ممدودة و ينام على ظهره على رمال الشاطئ تفحص الصورة بدقة ليطل وجه طاهر الجميل الذى يشع منه الإعتزاز بالنفس .قرأ الموضوع بلهفة فعلم ان خمسين صومالياً قد غرقت بهم مركبة اعادتها دولة جارة الى مقديشوولم ينجوا منها الا عشرة افراد صارعوا الأمواج العاتية لمدة اربعين دقيقة.
كان البحر صادقاً حين امتعض من هروب طويل القامة وحلو الصفات وكان صادقاً حين حذره بلغته التى كان يفهمها طاهر لوحده من مغبة المخاطرة .
انتابت العاقب هزة نفسية وحزن قوى فجر فيه شلال من الدموع ليبلل وجهه الثائر. عادت كل الذكريات الجميلة التى ربطته بطاهر, وهمد فى سجن تحول الى جنة لتقطف منه عناقيد العشرة الأصيلة كأصالة اهل القرن الإفريقى .إنشطر قلبه الى نصفين نصف اعتلاه الشجن على رحيل اخاه رفيق السجن الهمام والشجاع من وجه البسيطة ليكون مثواه الأخير الصومال كما كان يتمنى والنصف الآخر اعتلاه الغم على غياب جاره وصديقه الإرترى الذى لا يعرف مصيره حتى الآن.
تحسر العاقب على الكوارث التى تجتاح هذه المنطقة الحيوية ,والتاريخية التى كانت وما تزال بوابة العالم العربى للقارة السمراء . صار الإنسان فيها رخيصاً . حياته لا تسوى شئ فى عالم وصل الى قمة التكنلوجية ,ولكنه افلس من النواحى الإنسانية , ووصل الى الحضيض وطفق يسالُ كثيراً هل سوف تستمر المعاناة ؟ وهل سوف تطغى العدالة يوماً فى ارضٍ استقبلت اول فوج من اللأجئين القادميين من جزيرة العرب؟
اقسم ابن السودان ان لا يقف مكتوف اليد فى مساعدت كل اللأجئين فى وطنه ,واقسم ان يعرى النظام الدكتاتورى فى إرتريا متسلحاً بالإرادة والعزيمة الثورية التى تغلغلت فى كل جوانحه, وبدأ يعمل فى متابعت قضية صديقه الإرترى الذى سجن فى مكان مجهول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.