قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    مروي.. رصد مسيرات فوق ارتكازات الجيش السوداني    إقصاء الزعيم!    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع صحافيي المؤتمر الوطني ... فائز الشيخ السليك
نشر في سودانيل يوم 02 - 09 - 2010


استفتاء بلا عنف .. بلا دماء..

الكاتبة الرائعة خفيفة الظل والكلمة استيلا قايتانو تكتب في صدق وبحروف من دم عن واقعنا العام . وواقعها هي الشخصي. .فهي المنحدرة من قبيلة اللاتوكا في شرق الاستوائية والمولودة في الخرطوم. والتي تزوجت من الشمال وأنجبت ابناً ؛ كان يجب أن يكون مثل نواة الوحدة بين الشمال والجنوب. وجسر التواصل بين طرفي البلاد.. لكن ستيلا لما أخبرتها زرقاء اليمامة الأدبية عبر شفافيتها عن مصير مجهول يواجه السودانيين اقترحت أن تفتح الأمم المتحدة الأبواب لمن لا يريد أن يكون مع الشمال تحت جحيم المؤتمر الوطني. أو في الجنوب تحت سيطرة الجيش الشعبي.
وهي قصة تشبه الاف القصص. وحالة انسانية توضح حجم المأساة. هل يصبح شخص سوداني لاجئاً في وطنه بين عشية وضحاها. . أم تفصل أسرته بطرده هو من الشمال أو من الجنوب.. وما ذنب الأطفال.. وما ذنب الاف الأسر هنا وهناك.. . وهي نهديها لمن يتمنى ابعاد ملايين الجنوبيين من الشمال حال انفصال الجنوب.. ربما لم يختاروا الانفصال. فمن يدري. .حتى لو اختاروا فمن يحدد جنسية السودانيين.. وهل يمكن أن يصدر قانون بنزع الجنسيات من الملايين.. وكيف تتم عملية الانتزاع..
والأستاذ الهندي عز الدين كما ذكرت يوم أمس تحدث عن " وحدة راسخة. أو انفصال كامل. وهذا رأي نحترمه برغم " قطعياته" . وقد كتب في واحد من سلسلة مقالات خصصها لهذا الغرض " { نحن وحدويُّون، ولكنِّنا نحدثكم عن الواقع وتقديرات الموقف، وما أحداث (الثلاثاء) الأسود، ببعيدة عن الأذهان.. يوم أن حمل الشماليون أسلحتهم البيضاء وفتكوا بالجنوبيين في وسط الخرطوم وأطراف أم درمان وبحري وشرق النيل كرد فعل عنيف على هجمات الجنوبيين يوم (الأثنين) الموافق الأول من أغسطس 2005. وهو تقدير وتوقع ربما يحدث. أو تتكرر ذات السيناريوهات . ولكن لو حدث فانها هي " الحرب يا سيدي" ولأن للصحافة دورها التوعوي والتثقيفي أتمنى أن يعمل الأستاذ الهندي. وغيره من كتاب الرأي. ما في وسعهم لتفادي حدوث مثل هذا السيناريو. وهو دور مهم فالوطن مثقل بالجراح. وسيكون هناك واقع جديد لا يزيد العتمة سوى قتامة. ولا يزيد الجرح سوى ايلاما. وبدلاً من مخاطبة العواطف فلنلج كذلك إلى العقول. ولنحترم كل الخيارات بلا دماء. بلا عنف. بلا تخويف.
هو واجب علينا بحكم التاريخ " والجيرة ان حصلت" وحقوق الانسان. والانسانية. ولا أظنك أستاذ الهندي سوف تسعد ان رأيت أحد السودانيين من الشمال أو الجنوب يحمل في يده عبوةً من الكراهية وشحنةً من الموت لتدمير اخرين لدوافع عرقية أو دينية.. وهو ما نريد تداركه. ونطالب مخاطبة القضايا عبر وسائل الاعلام الجماهيرية بشيئ من التروي. والهدوء .
وهناك مصالح أخرى فابعاد ملايين الشمال يعني حرمان قبائل شمالية كبيرة من المرعى والتحرك جنوباً عبر مسارات الرعي. والترحال الموسمي . ولذلك فاننا؛ و حين ندعو لاستفتاء " سلس " يقود الى " وحدة على أسس جديدة" . أو إلى " انفصال مخملي" نضع في الحسبان تلك الوقائع. وندرك أن ما بيننا من القواسم المشتركة كبير للغاية. .فبيننا تاريخ الاف القرون من ممالك النوبة وكوش حضارات البيجراوية .. لمن يذهب هذا التاريخ. .وبيننا ثقافات مشتركة. .ومصالح اقتصادية بمفهوم " برقماتي " سياسي. وهنا أشير الى ما ذكره أحد القادة في المؤتمر الوطني نفسه. وتجدني أتفق تماماً مع ما ذكره الاقتصادي الدكتور بابكر علي التوم رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان في صحيفة " الصحافة " يوم أمس؛ فقد رأى " ان الانفصال السلس سيكون له ما بعده لجهة التعاون والتكامل والمصالح الاقتصادية والامنية المشتركة، والتي يمكن ان تعيد البلاد مرة اخرى بعد سنوات لمربع الوحدة، كما انه يمكن ان يغري دائني السودان بإعفاء ديونهم ، خاصة وان السودان مستحق لمبادرة الهيبك الخاصة بإعفاء ديون الدول الفقيرة وستنتفي كافة الاسباب التي تقف وراء تعطيلها بعد ان يظهر السودان كدولة تحترم الاتفاقات وتلتزم بالمعايير الدولية وتخدم الديمقراطية، واكد ان قضية الديون يمكن ان تتسبب في الحرب او تحرم الشمال من الاعفاء اذا لم يدار النقاش فيها بحكمة، وشدد على ضرورة مناقشة القضية كمسؤولية مشتركة".
وللانفصال كذلك مخاطره على الشمال. لذلك تمنينا وما نيل المطالب بالتمني بأن نعمل من أجل " وحدة راسخة" لكنها على أسس جديدة. تعيد الثقة المفقودة. وتضمد الجراحات العميقة. وتؤكد أن قوتنا في وحدتنا لكن لن يصوت الجنوبيين ؛ لا في الشمال أو في الجنوب لوحدة تعيد انتاج الأزمة وتعيدنا للمربع الأول. ولذلك كان حق تقرير المصير حقاً انسانياً وديمقراطياً نص عليه اتفاق السلام الشامل, وطالما أن الاتفاق نص على حق تقرير المصير فهو يعني الاعتراف بوجود أزمة. وهو تأكيد على أن الوحدة القديمة ما عادت صالحة.
وأهل الشمال عليهم احترام الخيار. والتأسيس لعلاقة جديدة. أما " كونفدرالية" أو "حريات أربع وجنسية مزدوجة. وبعد ذلك يمكن اعادة الحوار في المستقبل من أجل " الوحدة" وهي فرضية قابلة للتحقق؛ وأختلف تماماً مع الأستاذ الهندي في قوله " في العالم من حولنا، تقف تجربة استقلال إريتريا عن إثيوبيا شاهدة على (سذاجة) الادِّعاء بإمكانيَّة عودة الجنوب إلى الشمال في دولة واحدة بعد إقرار الانفصال في استفتاء تقرير المصير العام المقبل، فقد أعلنت إريتريا استقلالها عام 1991م، وتم الاعتراف - رسمياً - بالدولة الوليدة والاحتفال بتكوينها في العام 1993، فهل هناك أي أمل - الآن - ولو بنسبة «واحد» من «ألف» في المئة.. في توحيد «إريتريا» و«إثيوبيا» مرةً أخرى في دولة واحدة؟! ولأن المساحة لا تسع لمواصلة الحوار والتعليق فسوف أكتب غداً عن تجربة اريتريا واثيوبيا على وجه التحديد..
-8-
اريتريا وأثيوبيا
قبل أن أدلف الى تناول تجربة اثيوبيا واريتريا أشير إلى أن هناك عدد من تجارب استفتاء حق تقرير المصير، أو حتى الانفصال القسري في العالم، أبرز تجارب الاستقلال والانفصال كانت ألمانيا الغربية والشرقية وجدار برلين الشهير بينهما، واليمن الجنوبي والشمالي، والهند وباكستان ، ثم تجارب دول شرق أوروبا بعد الزلزال الذي تضرب المنظومة الشيوعية في بداية تسعينات القرن الماضي، وما نتج عن هذا الزلزال من تمزق وتشرذم وانشطارات لما كان يسمى في السابق بالاتحاد السوفيتي ودوله الصديقة الأخرى.
ومعروف أن وحدة تلك البلدان كانت تفرض بقوة الحديد والنار، في سياق دكتاتورية البوليتارية، والهيمنة الشيوعية في أزمنة التسابق ما بين الشرق والغرب. ولم تكن تلك الدول قومية واحدة، بل كانت عبارة عن شعوب مختلفة الثقافات واللغات والأديان.
ورأينا بعد ذلك كيف توحدت المانيا وانهار الجدار الأسطورة، وتوزعت صخورها هدايا تذكارية للسياح الأجانب.
لكن سأتوقف قليلاً عند تجربة اريتريا وأثيوبيا والتي يأخذها كثير من السودانيين كنموذج لاستفتاء أدى الى " انفصال"، وربما للقرب الجغرافي والوجداني لنا مع أديس أبابا وأسمرا. لكن السؤال المركزي ، والذي يغفل السودانيون عن طرحه، هو هل كانت أثوبيا وأريتريا دولةً واحدةً؟. ومتى تبلورت هذه الدولة في حيز الوجود؟. وهل أثيوبيا وأريتريا قومية واحدة مثلما يظن كثير من السودانيين برغم هذا القرب الوجداني والجغرافي؟.
شخصياً أزعم أن فترة وجودي في العاصمة الاريترية اسمرا لسنوات عديدة ، جاءت بعد نيل اريتريا استقلالها أتاحت لي معرفة بعض التفاصيل، والخفايا ، ولا أقول كل التفاصيل، ولا أدعي معرفةً كاملةً بكل حقائق القرن الأفريقي، لكن المؤكد أن العلاقة بين البلدين كانت علاقة "استعمارية" لأن اريتريا لم تكن جزءً من أثيوبيا في التاريخ القريب، بل كانت اريتريا دولة قائمة بذاتها، بل أن اريتريا كانت تتبع للاستعمار الايطالي حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد هزيمة الطليان في مدينة كرن غربي أسمرا، قامت الدول الأربع الكبرى بتصفية مستعمرات ايطاليا السابقة في أفريقيا (الصومال ليبيا اريتريا) بعد هزيمة ايطاليا وألمانيا في الحرب العالمية الثانية، فاحتلت بريطانيا ارتريا بانتداب من دول الحلفاء ( أمريكا وبريطانيا والسوفيت ) باسم الحماية والوصاية الدولية على المستعمرات الايطالية في افريقيا والتي من ضمنها ارتريا و ذلك لفترة عشر سنوات من ( 1941م –1951م ) ، وبعد ذلك سلمت بريطانيا ارتريا الى اثيوبيا عبراتحاد فيدرالي عام 1952م لتكتمل الحقلقة في عام 1962 بقرار من الأمم المتحدة تم ضم اريتريا إلى أثيوبيا، وكان قبلها قد بدأ الاريتريون ثورةً مسلحة منذ سبتمبر 1061قادها حامد ادريس عواتي، وطوال حرب التحرير الطويلة ، والتي سجل فيها الأريتريون أروع فصول الكفاح والمقاومة لم يدر في خلدهم أنهم جزءً من أثيوبيا، وحتى قبل الاستعمار المباشر كانت الأحزاب تحمل أسم الاستقلال والديمقراطية عدا حزب واحد أطلق على نفسه أسم " حزب الوحدة أو الاتحاد " .
وحتى الحرب الأخيرة التي اندلعت في الفترة من 1989 بسبب صراع حدودي لجأ الطرفان للتحكيم الدولي وصدر القرار وفق حدود 1902 و1901 الاستعمارية، وهو ما يؤكد أن العلاقة بينهما لم تكن علاقة شعب واحد أو دولة واحدة، أما فيما يتعلق بمسألة الثقافات واللغات فليست هناك ثقافة واحدة في أي من الدولتين، فاثيوبيا دولة متعددة الأعراق والثقافات واللغات ، وكذا اريتريا، ومع تشابه السحنات والملامح لكم أن تعلموا أن ما يربط اثيوبيا واريتريا قوميتان فقط ؛ هما " التغرنجة – تقراي" وقومية العفر ، أما ما يربط اريتريا مع السودان فيبلغ 3 قوميات هي المجموعة التي تتحدث لغة التقري بفروعها المختلفة ونطلق عليها هنا في تعميم " بني عامر" ، ثم البداويت، أو مجموعات الهدندوة ويعرفون هناك باسم " الحدارب" بالاضافة الى قومية الرشايدة، فيما ساهم النزوح في خلق قوميات مشتركة مع "البلين" و" النارا" .
ومع ذلك كانت هناك محاولات لتقسيم اريتريا بضم مرتفعاتها الى اثيوبيا ومنخفضاتها الى السودان، " وسنواصل
-8-
وعاء في الشمال لحماية خيارات الجنوبيين
المقارنة بين تجربة اريتريا وأثيوبيا وتجربة استفتاء جنوب السودان ليست في مكانها؛ فالثورة الاريترية وعلى مدار ثلاثين عاماً من الكفاح المسلح رفعت شعار " تحرير اريتريا ، ابتداءً من حركة التحرير الاريترية ، وجبهة التحرير، وحتى الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا التي حسمت المعركة عسكرياً بعد حرب ضروس انتهت في مايو 1991 ، باقتحام قوات الثوار لمدينة اسمرا، في وقت متزامن مع ثوار أثيوبيين مناوئين لتهميش مناطق تقراي ، ورافضين لهيمنة الأمهرا وسياسات الرئيس السابق منقستو هيلا مريام، اقحتموا العاصمة أديس ابابا بعد تنسيق وتعاون بين الجبهتين الاريترية والأثيوبية، أدى الى استقلال سلس أعلن رسمياً بعد استفتاء الاريتريين الذين اختاوا الاستقلال الكامل بنسبة 99% كموقف متوقع، وحتمي لمجريات الأمور ولطبيعة الصراع.
أما الجيش الشعبي لتحرير السودان فقد ظل طوال حربه في الجنوب يرفع راية الوحدة " على أسس جديدة" مع وجود تيارات انفصالية بنسبة لا يستهان بها، وظلت الحركة الشعبية تدعو لتغيير هيكلي كامل في بنية الدولة السودانية، وخلال الحرب كان الجيش الشعبي يقاتل الانفصاليين الجنوبيين، ولسخرية الأقدار أن الخرطوم هي التي كانت تدعم الانفصاليين في سياق تكتيك لا يرى أبعد من أربنة الأنف، وتعامل مع الأوضاع بطريقة " رزق اليوم باليوم"!.
وخلال الحرب الاريترية الأثيبوية طرحت مبادرات كثيرة لمنح الاريتريين " الحكم الذاتي" أو حتى " الكونفدرالي" لكن لم يقبلوا هذه الأطروحات لايمانهم أنهم دولة مستقلة، تعرضت لاستعمار من دولة مجاورة، وربما يكون الاعتقاد لدى أثيوبيين كثر هو عكس ذلك، وهو ما كان واحداً من دوافع الحرب الأخيرة بين دولتي القرن الأفريقي؛ اذ أزكت بعض التيارات التوسعية والاستعمارية نيران الخلاف بين رفيقي السلاح وقريبي الدم والمكان " زيناوي وأفورقي" ، وهي ضمن قضايا أخرى بينها ترسيم الحدود، والموارد والعملة، والموانيئ، والسيادة، وبعد الحرب لجأ الطرفان لمفوضية التحكيم الدولية والتي قضت بمنح اريتريا منطقة بادمي أحد أسباب الصراع، أو القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان يمكن أن تشكل أسمرا وأديس أبابا أنموذجاً للتعاون المشترك لما يربطهما من مصالح مثل المواننئ والجيرة ، وبعض القبائل المشتركة ، وتاريخ النضال كذلك، فهي علاقة دم وتاريخ، والدم كان دم نضال وقرابة، لكن السياسة هزمت كل هذا الواقع، ودخل " الاخوة الأعداء" في حرب شريرة، لم يجن منها الطرفان سوى التوتر وموت مئات آلاف من الجانبين، وتدمير مدن مهمة على الحدود المشتركة، ولا زالا في حالة اللا حرب واللاسلم.
أما هنا فندعو للاستفادة من التجربة فيما يتعلق بقضايا وترتيبات ما بعد الاستفتاء، فمثلاً فان أديس أبابا المغلقة، والبعيدة عن المنافذ البحرية؛ كانت تستخدم ميناء عصب الاريتري على البحر الأحمر لعدة سنوات فكانت الفائدة للطرفين، كما أن ترسيم الحدود لم يكن مكتملاً ، وهما حالاتان تشبهان " النفط" ، والحدود، في حالة جنوب السودان، فكما هو معروف فان نسبة 70% من موارد الخزانة العامة هي موارد نفطية، فيما تبلغ النسبة 98% بالنسبة للجنوب، لكن النفط ينتج في حقول الجنوب، ويصدر عبر موانئ الشمال، وبالتالي لا بد من حوار عميق وقوي، وشفاف للخروج باتفاق يحفظ للجانبين حقوقهما لأن غير ذلك سيكون حال آبار النفط مثل حال ميناء عصب، بعد أن تحولت أثيوبيا لموانيئ بعيدة في السودان، وفقدت اريتريا عائدات الرسوم والايجار، وآلاف الوظائف لعمال وعاملات في مناطق الموانئ التي تحولت الى أمكنة مهجورة تروي مأساة الحرب. ولا يمكن اغفال التدخلات الدولية في المنطقة ، وكذلك الفعل المشين بطرد الناس هنا وهناك، فهو أمر له ما بعده مثل ما كان له ما في وقته.
إن الوضع في السودان أكثر تعقيداً؛ لا سيما ما يتعلق بالجنسية والمواطنة، ففي الشمال " ملايين السودانيين من الجنوبيين، أو ذوي الأصول الجنوبية " برغم أن ذات الحكومة كانت تقول إن عددهم (500 ألف" فقط!!، وهو يعكس كذب الانقاذ، وعدم حيائها، الا اذا ما أنجب كل جنوبي في الخرطوم بما في ذلك الأطفال أكثر من 4 اطفال خلال الأشهر القليلة!!. المهم هؤلاء الجنوبيون هم سودانيون، ويحملون الجنسية السودانية، ويسافرون بجواز سفر سوداني، على عكس الاريتريين ، حيث كانوا يستخدمون جوازات سفر سودانية، وصومالية، وربما يمينة، أو جوازات سفر دول أخرى، سوى شرائح محدودة لم تصتطع مغادرة البلاد، ورضخت لقوانين الاستعمار. كما أن هناك مئات الآلاف من الشماليين، وبين هؤلاء قبائل رعوية عريقة، وكبيرة ظلت في حالة تواصل عبر مسارات بين الشمال والجنوب.
وهؤلاء السودانيون الجنوبيون هم أصحاب حق أصيل، في السودان، وبالمناسبة فقد استغربت من شعار حكومة الجنوب " عد لوطنك"، فهي تعني أن هؤلاء "لاجئون" ، وهو أمر سيستغله " العنصريون" في شن حملات ضد هؤلاء الأبرياء بعد ظهور نتائج الاستفتاء، لو كانت انفصالا.
ورغم ذلك
و نتوقع من السودانيين الشماليين عدم الاستجابة لأصوات الاثارة، ودعاة الفتنة، ومن يضربون طبول الحرب، ليرقصوا بعدها فوق أشلاء الوطن الجريح؛ بعدم الاستجابة لأي استفزازات، ونقترح الدخول في حوار جدي حول ضرورة التعايش، واحترام الآخرين، كي نبعد شبح الحرب، وهزيمة هذا الشبح اللعين هي أمر مقدس، وواجب لكل السودانيين في الشمال، وفي الجنوب، وندعو لتشكيل تدعو للتسامح، والسلام، واجراء الاستفتاء في حرية.
وهنا أدعم المقترح الذي دفع بها لموقع سودانيز أونلاين الأستاذ بخاري عثمان حول تكوين وعاء شعبي بالشمال لحماية ما يقرره " نصفنا الجنوبي" في الاستفتاء. وهو واجب المرحلة، فالاستفتاء الحر والنزيه،وأجواء ذلك هي التي تحدد مستقبل السودان، ومع توفر كل هذه الشروط يجب أن ندير الحوار، ومن يريد الوحدة، فليعمل من أجل ذلك، وأقول ان من يريد الوحدة يجب أن يقدم التنازلات، أما الحديث حول حملة علاقات عامة، ربما تهدف الى تعطيل اجراء الاستفتاء فهو لن يجدي فتيلا، وندعو بدل الالتفاف على القضايا الى الولوج في لب القضية، فعلي أي اٍسس نريد الوحدة؟. وبعد ذلك ماذا سيخسر الشمال من الانفصال؟. وماذا يربح الجنوب؟. وماذا سيكسب الطرفان من الوحدة؟ مع التركيز على أن الجنوبيين هم الذين يحددون، وما على الآخرين سوى احترام الخيار، والتأسيس لعلاقات جديدة في الحالتين.
حوار مع صحافيي المؤتمر الوطني " الأخيرة"
ذاكرة الماء ورسالتان من الشمال والجنوب
اتصلات هاتفية ورسائل عبر الايميل وصلتني من قراء، ومن زملاء ، وأصدقاء خارج السودان يعلقون على ما كتبته من سلسلة أعمدة ومقالات، أدعو فيها الزملاء الصحافيين في المؤتمر الوطني لحوار هادف وبناء من أجل السلام ونزاهة الاستفتاء، وازالة شحنات التوتر في هذا الظرف الحساس؛ وبلادنا في مفترق الطرق، البعض اعتبر كتابني "نقلة جديدة في الطرح الصحفي بشكل عام، وكذلك في كتباتي الخاصة، ، فيما رأى آخرون أنني " أنفخ في قربة مقدودة"، ويستشهدون بقصتي عن الفأر داخل البئر، ذلك الفأر الذي لا يعرف الكون سوى عبر فوهة البئر الصغيرة، و لكنني عبرت عن وجهة نظري المخالفة لأصدقائي، وقلت لهم ليس بالضرورة أن يكون الحوار أخذ ورد، أو مساجلات، بل المهم أن يتراجع من يدرك الخطأ عن خطئه، وأن يبصرنا نحن كذلك بخطئنا بكل الطرق، فالحقيقة نسبية، وكلنا خطاءون، و قابلون للانفعال، وللاثارة، و نتمنى أن نتمكن من تجاوز "شخصنة" القضايا، و"نرجسية الطرح"، والتمركز حول الذات .
وكعادة السودانيين فاننا ميالون للمشافهة، والمهاتفة، أكثر من المكاتبة، ، وأمسك عن رسائل الزملاء الصحافيين لأسباب خاصة. وأكتفي يتناول رسالتين من القراء، من الشمال، ومن الجنوب؛ لأنهما يقفان على النقيض، و أولى الرسائل من قارئ اسمه أحمد ابراهيم سليمان ، وصب علي اللوم فيما كتبته في الحلقات الأولى ، وقال " وأن يا شيخ السليك لم تكن عادلا ولا منصفا في كلامك، والدليل القاطع أنك لم تتكلم عن عنصرية اخوانك الجنوبيين، خد مثال الم تسمع بتصريحات سفيركم في امريكا خليك من كلام اخوك اموم ام هي نظرتك القاصره للامور؟. اذا كنت تتقبل الراي الاخر كما تدعي نحن مع الانفصال اليوم قبل الغد.. أنت لم تكتوي بنار عنصرية اخوانك ولم تسمع عن اخواننا التجار في الجنوب، والسلام.
أما الرسالة الثانية فقد وصلتني من الأستاذ ألور دينق أروب من مدينة جوبا، وهي عكس الرسالة الأولى، ويقول فيها دينق استاذ فائز اسعد اللة نهارك ، قرأت مقالك المعنون "حوار مع صحافيي المؤتمر الوطني" ، و ومحتوى الرسالة هو أهمية تناول الفضايا بشيء من الصدق بعيدا عن الانطباعات العابرة ,لكن يا استاذ انت بتحاور "طرش" ,وأشار دينق لما كتبه أحد الأساتذة الزملاء، وخلص من ذلك أن العنصرية لم تبارح عقول مثقفي السودان عموماً، والشمال خصوصاً يدعو للشك في مبارحت العنصرية عقول مثقفيي السودان عموما و الشمال خصوصا.
هذا نموذجان لغياب الحوار، وأنا أتفق مع الأخ ألور في أن العنصرية لم تبرح العقول؛ مع اختلافي معه في التعميم، لأن هناك من عبر بحور الأولوان، والتنوع الثقافي، والعرقي ، والتعدد الديني، وهم في الشمال، وفي الجنوب، لكن ربما صدمة الأستاذ ألور في أن "العنصرية تأتي من قادة الرأي فما بال الشارع العادي؟".
أما الأستاذ أحمد ابراهيم؛ فيريد أن يعيد إلينا جدلاً قديماً حول أوضاع التجار الشماليين في الجنوب، ونقول لها أنا شخصياً ذهبت لجوبا كثيراً، وقابلت عشرات التجار، ولم أسمع منهم تلك القصص التي ترويها بعض صحف الخرطوم، ولكن رغم ذلك أرفض كل اعتداء حصل، أو يمكن أن يحصل، ولست بصدد الدفاع عن أي موقف "عنصري"، أو غير ديمقراطي" ، وشخصياً أعتد بأن لي مئات الأصدقاء من السودانيين الجنوبيين، ولم أجد منهم سوى الاحترام والمحبة والصدق، وهذا لا يلغي وجود عنصريين جنوبيين، مثلما هناك مثلهم في الشمال، وفي أي مكان، أما أحاديث السياسيين فلست بصدد الدفاع عنها هنا، بل كانت مقالاتي كلها تتركز حول ضرورة التسامح، والسلام، ونبذ الفتن، لأن الوطن في مرحلة مخاض عسير، وهي دعوة تشكل جزءً من مبادئي التي أكتب من أجلها، فلا للحرب، ولا للعنصرية، ولا للكتابات التي تصب الزيت على النار، وقبل كل ذلك ،و قبل أن نلوم الضحية، يجب أن نبحث عن الجاني، وبدلاُ عن زرف دموع التماسيح، يجب أن نقف مع النفس.
وأعيد القول أن الكاتب الجزائري واسيني الأعرج كتب روايته "ذاكرة الماء"؛ والرواية تحكي ذاكرة الماء. وهل للماء ذاكرة!! بل هي ذاكرة واسيني الأعرج أو بعضاً منها، ذاكرة جيله الذي ينقرض الآن داخل البشاعة والسرعة المذهلة والصمت المطبق، ذنبه الوحيد أنه تعلم، وتيقن أنه لا بديل عن النور سوى النور في زمن قاتم نزلت ظلمته على الصدور لتستأصل الذاكرة قبل أن تطمس العيون.
هو مجرد صرخة من أعماق الظلام ضد الظلام، ومن داخل البشاعة، ونشيد مكسور للنور وهو ينسحب بخطى حثيثة لندخل زمناً لا شيء فيه ينتمي إلى الزمن الذي نعيشه"، لكن ذات الاحساس أحياناً يتملكني، والجزائريون مثلنا تماماً؛ هم ثوار، وفي ذات الوقت محبطون للغاية، وواقع واسيني الأعرج المخيف هو مثل واقعنا؛ ذات الظلام، وذات مفترق الطرق، والقاسم أنهم يقولون أننا "أرض المليون شهيد"، ونحن نقول "أننا ارض المليون ميل، أو مليون خيبة".ولكن هل حتى هذه ستكون حقيقةً بعد أشهر قليلة؟.
وهنا في السودان نمتهن حالة الاتفاف حول القضايا، ونتحدث عن مؤامرة التقسيم ، ومؤامرة الاستهداف الاسرائيلي، لكن في ذات الوقت نتعامل مع "المؤامرة الداخلية" بطريقة النعام، مثلما يقول صديقنا الدكتور أبكر آدم اسماعيل، "تدفن رأسها في شنطة البوليس"، ووسط ذلك تنمو خفافيش مثل خفافيش الجزائر التي حولت أرض الثوار الى مدن الخوف، والى شلالات الدماء، وأوكار الجريمة والضياع، وهو ما يغرس الخوف في نفوس المثقفين، وتنتاب البلاد حالة التسلل، والنزوح هرباً من الجحيم، ومن الموت المجاني، فتصير الذاكرة هناك مثل الماء، تتفلت، وتتسرب، وهنا في السودان يدمن بعضنا ذات الحالة، وربما ضعف الذاكرة، أو خرابها يشوش علينا أحياناً وتختلط الصور بين البطل والخائن، والمنقذ والمجرم، والجلاد والضحية.
Faiz Alsilaik [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.