كنت متوقعاً تماماً السيناريو الذي حدث نهار الأمس حتى المتظاهرات كنا متوقعين ماذا سيحدث تماماً وهو شيء محفوظ. وقد قلنا هنا أنّ الحكومة هذه في منتهى الغباء الذي سيجعلها تختلق الأحداث وتشوّه صورتها على المستوى الدولي.. حتى يخال المرء أنّ هناك من يعمل داخل هذا النظام لهدمه من الداخل.. ماذا كان سيحدث إن تركت الحكومة المتظاهرات يعبرن عن إدانتهنّ للطريقة الوحشية التي تعامل بها المرأة السودانية وكيف أنّها مكبلة بقوانين ليست لها علاقة بالإسلام على الإطلاق، فالقوانين التي شرعت باسم الإسلام إن كان ذلك للنظام العام أو حتى الجنائي فهي بعيدة جداً عنه، فكم تحدث الناس، وكم اعترض حتى الحزب الحاكم في ذات نفسه على الطريقة الانتقائية التي تقوم بها شرطة النظام بالخرطوم وبعض الولايات الأخرى في إلقاء القبض على النساء بسبب اللبس بطريقة تحيّر المرء، كيف يكون لبساً فاضحا وأخريات غير ذلك.. إنه أمر لابد من حسمه فلا يعقل أن يتم تصميم القانون على هوى ومزاج من يطبقه، وهو الذي يحدث الآن، فيمكن أن تقبض امرأة ما في أول الشارع بسبب اللبس وهناك في آخر الشارع تجد أخريات لبسهن بالنسبة للمقبوضة الأولى يعتبر حجاباً و… وهكذا.. إنّ التحرّك النسوي الراهن لأمر إيجابي وجيد خاصة بعد أن تقاعست الأحزاب السياسية التي كانت تصادم النظام، فدور الأحزاب تراجع في الشارع السوداني والأحزاب يعلمون بأنّه ليس لهذا النظام أي قوة أخلاقية أو صدقية يمكن أن تجعل مواطناً ما يدافع عنه.. فالإسلاميون غير موجودين على الإطلاق في الشارع إلا عن طريق أجهزة تطبيق القانون من شرطة وأمن وخدمة وإعلام مهول يقوم بالتشويش على الأحداث قبل قيامها، وتنشر الرعب في النفوس وتشكك في إمكانيات القائمين على تنظيم المسيرات والاعتصامات.. غير ذلك لايوجد ما يُسمى بالحركة الإسلامية وهو ما تدركه كل الأحزاب… ولكن..!!! ولكن كل حزب تدعوه لمؤتمر صحفي في دارها أو حتى في مكان ما ويطلع الميكرفونات والفلاشات… وانتهت الحفلة.. ويرجعون مكاتبهم وهم راضون عن أنفسهم بل نجدهم يتهامسون.. (والله درشنا الحكومة درش؟؟) وهكذا.. لهذا رأينا كيف أنّ الفئات المختلفة من الشعب السوداني أصبحت تنظم نفسها في مواجهة هذه الحركة غير الإسلامية، ورأينا كيف واجهت النساء النظام لأكثر من مرة، وذلك رفضاً منهنّ لقوانين النظام العام والقوانين الأخرى التي تنتهك حرياتهنّ وتحط من إرادتهنّ وتميز بينهنّ ورصفائهنّ من الرجال..! واجهن النظام وتمّ ضربهنّ للمرة الثانية والثالثة والرابعة ويدخلن الحراسات مرفوعات الرأس وفي كل مرة نجدهنّ يُنظمن الصفوف أفضل من أول. رأينا كيف أنّ الصحفيين قدموا المذكرات وراء المذكرات وكيف واجهوا هذا النظام في معارك عديدة مرتبطة بالمهنة وهكذا، فأصبحنا نرى الأحزاب تخرج فقط لتدين وتشجب.. كفى هذا التقاعس الذي جعل كل فئات الشعب السوداني تتحرك.. الكل حسب إمكانياته وقدراته.. ولكن الحقيقة هي أنّه من الأفيد لكل الناس ولصالح الشعب السوداني أن تعيد الأحزاب هذا المنهج من العمل.. من الأهمية لها أن تتحرك ولا تجلس في منتهى الكسل دون أن يكون له دور ريادي في الشارع، وإلا فإنّ النساء قادمات… قادمات، وفي منتهى الجسارة مثلما فعلن في المرة السابقة، وفعلنها الآن، فالمؤكد أنّهنّ سيأتين في قادمات الأيام الآتية مُتحصنات بالخبرة التي اكتسبنها حتى الآن ولابد لليل أن ينجلي. **** تأملت وتحسرت عندما علمت بأنّ قيادة الشرطة عندما دعت لاجتماع مع قيادات الأجهزة الإعلامية والصحفية بالذات – للأسف الشرطة ورئاسة الجمهورية حتى الآن لا يدعون (أجراس الحرية) في مؤتمراتها ولا حتى الأنشطة المختلفة- قلت أنني تحسرت عندما ركزت الشرطة على مسائل في تقديرنا لم تكن هي المهمة والمطلوبة من مؤتمرها الصحفي.. فتركيز الشرطة على البحث عمّن سرّب الشريط لم يكن هو الأمر المهم للشعب السوداني الذي تأذى جداً بما حدث للفتاة وهو حدث لم يستطع أن يدافع عنه حتى الإسلاميين أنفسهم وصحفهم وحتى المؤتمر الصحفي الذي زوّد الصحفيين بصحيفة سوابق البنت هو شيء ليس ذا قيمة على الإطلاق أمام الجُرم الذي حدث في طريقة تنفيذ العقوبة والتبشيع الذي حدث لها بتصويرها والتلذذ باستغاثاتها المؤلمة.. الصحيح كان ألا تبحث قيادة الشرطة عن أي (أشياء) أو مؤامرات خلف التوقيت.. فهل كان الأمر عادياً إن لم يكن التوقيت سيئاً مثلاً؟ بالطبع لا، فالأمر ليس كذلك بل هناك مظاهر اعترفت بها قيادة الشرطة ويجب فقط أن تتجه نحوها بإصلاحها وبصورة فورية، فإذا فقد المواطن الثقة في الشرطة فإنّ جهاز الشرطة سوف يكون معزولاً عن الجماهير وسوف تتحول إلى جهاز معادي في نظر المواطن ولا اعتقد أنّ قيادة الشرطة ترغب في ذلك. حتى الآن الطريقة التي خرجت بها الشرطة للناس في أمر الفيديو غير مقبولة.. فثقة الناس ليست على يقين من أن العدالة سوف تسود في هذه القضية وتأخذ فتاة الفيديو وكل امرأة سودانية تضررت حقها كاملاً، وأنّ الشرطة سوف تسد الثغرات التي ظهرت في هذه القضيّة… ليس لشيء إلا للخبرة في قضايا سابقة وكذا الطريقة التي خاطبت بها الشرطة القضية كانت طريقة غير متوقعة… وأنظروا ماذا قالت القضائية.. بوضوح… ودون أن تحتاج لأي مؤتمر صحفي وانتقاء الصحفيين. **** ليس بعيداً عن هذا الأمر بل في عمق هذا الموضوع.. وحول بالأمس الخال الطيب مصطفى حمّل “أجراس الحرية” مسؤولية تصعيد القضية.. وأنّها احتفت بالقضية وأنّها في طريقها لتدويلها….الخ، طبعاً لازم يدبج اسم الرفيق ياسر عرمان وفاقان أموم في الأمر.. ولكن ما لا يعلمه الخال الطيب مصطفى أنّ كل الصحف السودانية بما فيها أخوات الانتباهة أدانت الحدث ورفضت الحدث وسلوك من ظهروا بل ولفتت إلى تقاعس المسؤولين عن تدارك مثل هذه الأخطاء.. جميع الصحف رفضت ذلك إلا الانتباهة.. لماذا يا ترى..؟؟ ولكن وجب أن نوضح للخال الطيب مصطفى أن (أجراس الحرية) ليس لها ذم في الأمر.. فهي لم تجلد الفتاة بالوحشية التي ظهرت واتفقت أنت معها بأنّها كانت وحشية وبعيدة عن ضوابط الشرع في تنفيذ حكم حدي وصل إلى 50 جلدة.. أي حكم حدي في الإسلام هذا؟ وفي أي آية أو حديث تجلد/ يجلد المرء50 جلدة؟؟ كما يعلم الخال الطيب مصطفى لم نكن نحن الذين حكموا على البنت المسكينة.. نعم مسكينة على الرغم من الإشارات التي وصف بها سلوك البنت، وهذا ديدن الإسلاميين دائماً.. هكذا يواجهون “أعداءهم” أو من يرغبون في اغتيالهم.. فلا يمكن أن يصدق المرء أنّ شخصاً في هذه السن، يمكن أن يسيئ للناس.. نعم إنّها مسكينة فهي ليست لبنى حسين التي تحدتكم، ولم تستطيعوا أن تجلدوها بل تحدتكم وبحثتم عن مخارج لها، ورفضت كل عفو رئاسي، وفي النهاية جريتم ودفعتم الغرامة بعدما تمّ إلغاء الجلد نهائياً.. إذن فنحن لم نفعل أي شيء فقط نشرنا للناس ما نُشر في النت وليس كل السودانيين في مقدورهم ارتياده. إذن فأي جرم فعلته (أجراس الحرية) وفاقان وعرمان.. أنت يا خال ما شايف الفيل!؟ ولا خايف تاني يهرشوك وتعتذر؟!