كانت هناك على الدوام عقول متوهجة وضمائر يقظة آثر أصحابها التضحية بحياتهم ثمنا للفكر الحر لوجه الله وفي سبيل حياة أفضل للانسان خليفة الله على الأرض. كان حمدان قرمط وعبد الله بن المقفع.. يتأملان التناقض المريع بين الثراء المترف والفقر المميت اللذين يكتنفان الحياة في بغداد في عصر هارون الرشيد حيث كان الغني يموت بالتخمة والفقير يموت بالجوع. كان العلماء لا يجدون قوت يومهم فيرحلون من بلد إلى بلد وكل منهم يحمل كتبه في «خرج» على ظهره فتبتل الكتب وتفسد من العرق المتصبب من ظهور العلماء في رحلة البحث عن كسرة الخبز وجرعة الماء. وثار الزنج في وجه العباسيين واستولوا على البصرة وقتلوا آلاف المصلين أثناء صلاة الجمعة.. وثار القرامطة ثورة عارمة وعاصفة داعين إلى المساواة والعدالة الاجتماعية. واخمدت نيران الثورتين ولم تخمد الفكرة في النفوس والعقول فكرة الثورة على الخلفاء والسلاطين الذين يحكمون بالظلم والعدوان تحت راية الاسلام. كانت أفكار جمال الدين الأفغاني مواصلة للثورة بالمفهوم الاسلامي.. ضد الظلم والاستبداد… دافع الأفغاني عن ثورة المهدي في السودان وكتب في صحيفة العروة الوثقى يدعو المسلمين لتأييد مهدي السودان الثائر على الصلف والاستبداد الاستعماري فالوطن الاسلامي كان قد مزقته أوربا حين التهم الفرنسيون الجزائر وتونس وسيطرت انجلترا على الهند ومصر واستولت هولندا على اندونيسيا. كان الأفغاني يقول: «وعلمنا التاريخ أن الحكومة لا تستقيم إلا برأي يخيفها ويلزمها أداء واجباتها فإذا لم يكن الأمر كذلك فالطبيعة البشرية تملي على الحكام أن يستأثروا بالمنافع. عندما أراد الملك فؤاد في مصر أن يتحول إلى خليفة مسلمين تصدى له الشيخ عبد الرازق أحد تلاميذ الأفغاني.. ورفض الخلافة المحمولة من تركيا إلى مصر على السفن الانجليزية. كل مسلم حريص على دينه يبحث عن ما يجمع وينبذ ما يفرق فالناس من شتى الاجناس سواسية أمام الله كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. ولكن بعض الحكام وبعض الناس يرفعون رايات الارهاب الديني والفكري في وجه معارضيهم. هذه أصداء ترددت في جوانح نفسي عندما استدعيت ذكرى فرسان الفكر المستنير لأحملها تميمة تمنحني مزيداً من الصمود أمام حملات الارهاب الفكري. هذا مع تحياتي وشكري