امتلأت الشوارع بالمتظاهرين أمس الجمعة 22 يونيو . يا لها من جسارة . ويا لها من بطولة . فرغم الحرب النفسية المنظمة طوال أكثر من عشرين عاماً لزرع اليأس والإحباط والهزيمة وسط الشعب السوداني ، ورغم تخريب الحياة السياسية والمدنية ، ورغم إفساد وتخويف وإبتزاز عديد من قيادات القوى المعارضة ، ورغم أجهزة القمع المتعددة التي تستنزف 70% من موارد البلاد ، ورغم الحشود الأمنية الكثيفة ومئات (رباطة) المؤتمر الوطني ، ورغم قنابل الغاز والعصى والسواطير والسكاكين والرصاص المطاطي والذخيرة الحية ، رغم كل شئ ، إمتلأت الشوارع بالمتظاهرين ، شباب وشابات ، نساء ورجال ، من الوسط والهامش ، يشقون جدار الليل بهتافاتهم ، يلقون بأجسادهم وأرواحهم إستعداداً للفداء ، تفيض عيونهم بالدمع – ويختلط دمع البمبان بدمع الانتصار والتحرر الذاتي – ، التحرر من الخوف ، واليأس ، والإنكسار . خرجت التظاهرات الحاشدة في كل أحياء العاصمة تقريباً ، في أحياء ود نوباوي ، الشهداء ، ابوروف ، الهجرة ، عبد الله خليل ، ود البصير ، ود أرو ، حى السيد المكى ، ود البنا ، الملازمين ، العباسيه ، المورده ، بيت المال ، العرضة ، القماير ، امبدات ، الثورات ، والواحة . وفي الديم ، الصحافات ، جبرة ، الحلة الجديدة ، السجانة ، الخرطوم 2 ، الخرطوم 3 ، بري الشريف ، إمتداد ناصر ، الكلاكلات ، العزوزاب ، الشجرة ، أركويت ، العمارات ، الزهور ، الفردوس ، الرياض . وفي حلة حمد ، الدناقلة ، الأملاك ، الشعبية ، الصبابي ، الصافية ، شمبات ، الحلفايا ، والكدرو والعيلفون. وفى خارج العاصمة إندلعت التظاهرات فى سنار ، مدني ، المسعودية ، فداسي الحليماب ، كوستي ، عطبرة ، الأبيض . وركزت هتافات المتظاهرين على : ( الشعب يريد إسقاط النظام) ، ( جوعت الناس يا رقاص) ، ( يا خرطوم ثوري ثوري لن يحكمنا لص كافوري)، (يا خرطوم فوري فوري لن يحكمنا لص كافوري) ، (نحن مرقنا مرقنا مرقنا ضد الخونة السرقوا عرقنا) ، (يا بوليس اقلع طاقيتك رطل السكر بقي ماهيتك) . وقاوم المتظاهرون عنف الأجهزة الأمنية و(رباطة) المؤتمر الوطني ، وواجهت عناصر الأجهزة و(الرباطة) بسالة واقتدار الجماهير العزلاء ، فأحرق المتظاهرون دفارين لشرطة القمع المسماة ب (شرطة النجدة والعمليات) في الديم والكدرو، وهرب عدد من الضباط و(الرباطة) من أمام الجماهير الثائرة . وإنحاز بعض ضباط وجنود الشرطة للمتظاهرين ، وفي شارع الستين بالخرطوم هتف بعض أفراد الشرطة مع المتظاهرين . وقد اختبرت الجماهير عملياً قوة حشودها المنظمة ، وتذوقت إحساس الكرامة والتحرر المرتبط بالكفاح ، وبرزت على الأرض ربما لأول مرة الحقائق التي تجاهلتها الإنقاذ لسنين ، حقائق ان القمع زائل ، والحياة أبقى وأقوى من الرصاص ، وان العاصمة ليست عاصمة الإنقاذ وان السودان ليس سودان المؤتمر الوطني ، حقائق برزت مثل عقارب الساعة التي لا ترجع للوراء . ومن التظاهرات الطلابية المحدودة ، إتسعت التظاهرات لتشمل غالبية طلاب الجامعات والكثير من الشباب ، وإلتحقت بها قطاعات شعبية ، وتمتد إلى الأقاليم ، في تصاعد يشي بان الإنتفاضة على جدول الأعمال .