المحكمة الجنائية الدولية تحتفل بمرور عشر سنوات على إنشائها Judge Sang-Hyun SONG, President of the International Criminal Court في الأول من تموز/يوليو عام 2002 دخل أول ثلاثة موظفين مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا. ففي ذلك اليوم بدأ نفاذ نظام روما الأساسي، المعاهدة المؤسِّسة للمحكمة. وبعد مرور عشر سنوات على هذه البداية المتواضعة، غدت المحكمة الجنائية الدولية مؤسَّسة دولية كبرى تكفل العدالة للمجني عليهم أنى تعذَّر نشدانها على الصعيد الوطني. وقد صدَّقت على نظام روما الأساسي 121 دولة ووقعه 32 بلداً معلنة بذلك اعتزامها الانضمام إلى المحكمة. وتنظر المحكمة في حالات تتعلق بسبعة بلدان وترصد التطورات في سبعة بلدان أخرى في عدة قارات فتحوِّل بذلك مبادئ نظام روما الأساسي إلى واقع ملموس. وفي شهر آذار/مارس من العام الحالي أصدرت المحكمة أول حكم في تاريخها في قضية تتعلق باستخدام جنود أطفال في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولا تزال ست قضايا أخرى في مرحلة المحكمة وتسع في المرحلة التمهيدية. وإن هذه الإجراءات لهي شهادة على أن المجتمع الدولي لم يَعُدْ يقبل الإفلات من العقاب على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. إن المجني عليهم جزء بالغ الأهمية فيما تقوم به المحكمة من عمل. فقد أُعطى آلاف المجني عليهم فرصة إسماع أصواتهم في محفل للعدالة الدولية يُدافع فيه عن حقوقهم ويُقرُّ فيه بمعاناتهم. ولقد شدَّدت إجراءات المحكمة على نطاق عالمي على أن الأطفال لا يمكن أن يُجنَّدوا في الأعمال العدائية وأن استخدام العنف الجنسي سلاحاً في الحرب جريمة دولية غير مقبولة وأن أصحاب السلطة يجب أن يصونوا الحقوق الإنسانية الأساسية لمن يجدون أنفسهم في خضم الصراع. إن تأييد العدالة الدولية ليتزايد في كل بقعة من بقاع العالم عاماً تلو العام. فالناس في كل مكان ينشدون السلام والعدل وسيادة القانون واحترام كرامة الإنسان. والمحكمة الجنائية الدولية إنما هي تجسيد لائتلاف الامم عن طوع في جماعة تعلي القيم وتتطلع إلى مستقبل أكثر أماناً للأطفال والنساء والرجال في شتى أنحاء العالم. والحال أنه بدلاً من الابتهاج بالإنجازات من الأهم بكثير أن نُقرَّ بأوجه القصور وبالعقبات التي لا تزال تعترض سبيلنا وأن نضاعف التزامنا بزيادة المنظومة التي أرسى قواعدها نظام روما الأساسي قوة على قوتها من أجل الاقتراب من بلوغ غاياتنا. فإننا إذا تصرفنا بحكمة ووحّدنا صفوفنا لأمكننا الحيلولة دون حدوث المعاناة قبل وقوعها. إن المحكمة الجنائية الدولية محور هام في نظام دولي للعدالة الجنائية ما فتئ يتطور. غير أن القسط الأوفر من مكافحة الإفلات من العقاب إنما يجري في كل بلد ومجتمع وجماعة في كل ركن من أركان العالم. فنظم العدالة المحلية ينبغي أن تكون من القوة بما يمكنها من أن تكون الرادع الأول في كل بقعة من بقاع العالم أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة ملاذ أخير وصمام أمان يضمن المساءلة حينما لا يقدر القضاء الوطني على أداء هذه المهمة لأي سبب كان. واستمساكاً بروح التعاون، أعربت الدول الأطراف في نظام روما الأساسي عن التزامها بالعمل معاً على أن يكون نظام التكامل نظاماً فعّالاً. وثمة جانب آخر من الجوانب البالغة الأهمية في نظام المحكمة الجنائية الدولية ألا وهو تعاون الدول على إنفاذ ما تصدره المحكمة من أوامر. فالمحكمة ليست لها قوة شُرطية خاصة بها إنما تعوِّل تعويلاً كاملاً على الدول في تنفيذ أوامر القبض التي تصدرها وفي تقديم الأدلة وتسهيل مثول الشهود وغير ذلك. لكن للأسف تمكّن عدة مشتبه بهم صدرت أوامر بالقبض عليهم من تجنب الاعتقال لعدة سنوات. فالإرادة السياسية والتعاون الدولي أمران حاسمان في تقديم هؤلاء إلى العدالة. ونحن إذ نعمل معاً لمنع الإفلات من العقاب وكفالة المساءلة يجب علينا أن نستذكر أن العدالة الجنائية الدولية إنما هي قطعة واحدة في إطار أكبر لحماية حقوق الإنسان ومنع نشوب الصراعات ونشدان السلام والاستقرار. ومن الأهمية الحاسمة أن تكون العناصر الأساسية الأخرى اللازمة لمنع نشوب الصراعات والتعافي منها موجودة حيثما اُحتِيج إليها مع غيرها من آليات العدالة الدولية. فالعدالة لا يمكن أن تساعد حقاً على منع ارتكاب الجرائم مستقبلاً إلا إذا اقترنت بالتعليم والديمقراطية والتنمية. لنستمسك بروح التضامن إذ نستقبل العقد المقبل من عمر المحكمة الجنائية الدولية ونحتفل بإنجازاتنا ونقرُّ بالصعوبات التي تنتظرنا. علينا أن نتحد في عزمنا على دحر الإفلات من العقاب والخروج على القانون والوحشية وما يمثله ذلك من ازدراء بكرامة الإنسان. في هذا المفترق البالغ الأهمية يجب علينا أن نواصل حربنا ضد الإفلات من العقاب بتجديد العزم وتقوية الهمة. ولا يمكن أن يهدأ لنا بال حتى ينال كل مجني عليه حقه. في الذكرى العاشرة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية أناشد الدول والمنظمات والشعوب في كل مكان الانضمام إلى هذه المهمة الإنسانية المشتركة.