ليس دفاعاً عن المفوضية القومية الدستورية التي لها القدرة على أن تدافع عن نفسها، وعن أعمالها وممارساتها على الرغم من أننا هاجمناها هنا، ولكن بموضوعية في بعض الممارسات المثبتة من قبلها، وليست الدعايات والإشاعات التي يطلقها الإسلاميون ضدها، وهي حكاية معروفة للجميع، فالمؤتمر الوطني عندما وجد نفسه معزول عزلاً كاملاً ووجد نفسه متورطاً في قضية الاستفتاء والاحتمال الراجح للانفصال قرر إشراك، والأصح أنّه توريط بقية القوى السياسية الشمالية في عملية انفصال الجنوب حتى على الأقل ليكونوا مشاركين فيها بشكل يكونون فيه شهوداً على العملية، وعلى هذا الأساس كان تفكيرهم بأن يتم تقديم وجوه من هذه الأحزاب خاصة الاتحاديين والأمة وغيرهم من قبائل اليسار وقد كان .. فرشحوا خليل كحزب أمة، والجعلي كاتحادي ولكن غلطة ما في سيرته الذاتية أبعدته من البرلمان عندما قدم نائب برلماني من الحركة الشعبية، هذه الملاحظة للمجلس فتم إبعاده على الرغم من أن هيئتي الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بالمجلس كانوا على اتفاق على هذا الأمر، ولكنها كانت في منتهى الإحراج أن ترك الأمر بهذه الطريقة أي قبول ترشيح شخص كاتب في سيرته الذاتية المقدمة للبرلمان وفي يد كل عضو بأنّه مسئول حزبي حتى الآن ويترأس أمانة كيت وكيت كيت. المفاجأة والصدمة كانت عنيفة عندما اكتشف المؤتمر الوطني أنّ المفوضية غير قابلة لطوعه وتنفيذ ما يرغبه، فقامت بالعديد من التهديدات والتخويف من قيادات نافذة بالمؤتمر الوطني لكي يخضعوا خليل عن طريقهم ويعمل كما يرغبون، وكانت له اعتراضات عديدة ومختلفة بدءا من قضية الأمين العام وغيره من الموظفين وغيرها وعندما فتر وتعب من فعل شيء ذهب المؤتمر وعمل ونسّق أعمال المفوضية خلفها دون أن تعلم، فكيف أنّها استطاعت بالتنسيق مع بعض موظفي الأممالمتحدة من السودانيين والمصريين فيها بإخراج حصرية الإعلانات عن شركة واحدة (نشرت في الصحف حينها أنّها أوكسجين) وأنها تتبع لرجل أعمال مصري ولهم أعمال مشتركة مع الطيّب مصطفى وبعض الجهات الرسمية، الذين شكلوا عصابة عندما احتكروا إعلانات مفوضية الانتخابات فعلوها الآن فقاموا خلف المفوضية بإعطاء حصص غير مستحقة لصحيفتين فقط وهي صحيفة الطيب مصطفى وصحيفة ابن عمه القيادي الرفيع بالمؤتمر الوطني، الذي نسف هذه العملية، وهي صحيفة الأهرام اليوم، ولم استغرب أنّ عشية الانتخابات قاد الطيب مصطفى حملة قوية وضخمة استخدم فيها عنفا لفظيا في إحدى الاجتماعات لكي تتم زيادة أسعار الإعلانات، وعندما أجمع أصحاب الصحف والناشرون على رفض هذا الأمر كان الطيب مصطفى يبرر بأنّ الأممالمتحدة هي التي سوف تقوم بالدفع للحملات، ولم يكن الأمر مفهوماً، ولكن أتضح فيما بعد أن خال الرئيس كان له اتفاق مسبق مع نافذين في الأممالمتحدة لاحتكار الإعلان عن طريق موظفين مصريين نتحفظ عن إيراد أسمائهم ووظائفهم الآن، ولكن بعدما استطاعوا أن يلفحوا الاعلانات اليومية بعضها صفحة وبعضها صفحتين، حتى اكتشف الجميع اللعبة، بما فيهم المفوضية. فالمفوضية التي ذهب إليها مساعد رئيس الجمهورية بذات نفسه نافع وضغط عليهم وهددهم ولدينا مقال سابق بهذا الخصوص وهي الزيارة المشهورة التي وصل فيها د. الخضر ومندور وغيرهم من قيادات المؤتمر الوطني إلى المفوضية مهددين ومتوعدين المفوضية إن لم تحسم الحركة الشعبية، فالحركة الشعبية عندما غلبتهم في ميدان السياسة لجأ المؤتمر الوطني إلى المفوضية لكي تساعده في اللعبة، ولكن ظنهم خاب بعناد خليل ومن معهم فبدأوا في الحملة الأخرى وهي التشهير وقتل الشخصيات وهي صناعة إسلامية وأعني إسلاميي السودان، لا يمكن أن يقول المرء أنّ المفوضية ليس لها أخطاؤها، إنّها بالجملة، ولم استسغ على الإطلاق تعيين خليل لابنته مهما كانت الأسباب ومهما كان رأي مولانا شان ريج، ولكن الحملة تحولت إلى ذمتهم المالية عندما منعهم الرجل العنيد من اللهف والسرقة كما يفعلون دوماً مع كل المؤسسات. الحملة هذا الأسبوع تحولت إلى حملة قانونية وذلك بالذهاب إلى المحكمة الدستورية والجميع يعلم إلى أي مستوى تمّ تسييس القضاء في السودان، وجميعنا نذكر الصرخة التاريخية لأحد رؤساء القضاء عندما أعلنها في إحدى احتفالات القضائية السودانية بأنّ هناك قاضياً واجهه وأخرج بطاقة انتسابه إلى إحدى الجهات الأمنية، وقد قالها في تأسي والكل يعرف كيف، الدستورية في حدّ ذاتها تم تكوينها بمحاصصة بين الشمال والجنوب وإذا التزمت الحركة الشعبية بتقديم قضاة ليسوا منسوبين لها بأي حال فإننا لا يمكن أن نظن الطيبة والنزاهة في المؤتمر الوطني لكي يأتي بأناس ليس لهم أي انتماءات، خاصة وأنّه، أي المؤتمر الوطني كان قد أفرغ الخدمة المدنية والعسكرية والقضائية من جميع الكوادر، وأبقى فقط على كوادره، هذه ملاحظة لابد أن نضعها في الاعتبار عندما نتحدث عن أي فعل يأتي من أي مؤسسة في شمال السودان. قلنا بأن الحملة ضد المفوضية اخدت منحًى آخر، عندما تبنى المؤتمر الوطني نزاعاً قانونياً وهو يعلم ما يرغب في حدوثه في النهاية طالما لم يستطع أن يفعل أي شيء في سبيل أن يتم السماح لهم بتزوير الاستفتاء كما فعل في الانتخابات، لقد أمطروا المحكمة الدستورية بالعديد من العرائض وباللعب وجميع مصادره واحده، أي كُتبت العرائض وطبعت من مكان واحد- كما علقت عليها المفوضية- كذلك رأينا أن كل المخالفات المرتبطة بتطبيق القانون هي في حد ذاتها منظمة في القانون، وهناك لجان قانونية شكلها القضاء للنظر في تلك المخالفات بعد أن تمر في الأول بالمفوضية حد ذاتها، أي أن لجان القضاء تعتبر لجان استئناف، ولكن رأيتم كيف تجاوز المؤتمر الوطني ذلك ولم ينصح منسوبيه بالتقيد بالقانون (فنطو) فوراً إلى الدستورية ولكن المفاجأة بأنّ الدستورية هي بذاتها إن لم يكن الأمر غير طبيعي وغير سليم قانونياً وإدارياً فالدستورية التي قبلت الطلب وصرحت به وهي في ذات الوقت لم تكن مطلعة على القانون واللائحة فكيف قبلت في الأصل على أي أساس قبلت الدستورية وصرحت به طالما هي لا تملك قانون الاستفتاء واللائحة المنظمة له؟!! ولكن الشيء الذي يحيّر المرء في هذه القضية هو أنّ أعلى هيئة قضائية ودستورية عندما تعتمد على مصادر غير أمينة أو غير دقيقة فكيف لي بأن أتقبل حكمها؟!! إنها قضية مهمة جداً جداً، فانظروا عندما ترسل المحكمة طلباً إلى المفوضية متجاوزاً رئيسها، كيف عرفت المفوضية بأنّ هناك وظيفة معينة بدقة، وهو المسئول القانوني كيف عرفت الدستورية ذلك؟ وهي في ذات الوقت لا تعلم أي شيء عن القانون واللائحة.. فمن أين أتت بمثل هذه المعلومات، المؤكد أنّها من جهات لا يمكن الاعتماد عليها كذا ألحقت في الخطاب عنوان المفوضية اسم مالك المقر، وكما تعلمون فقد كتبت الدستورية أنّ العنوان هو منزل مارتن ملوال بحي الرياض والصحيح لا المفوضية في الرياض ولا هي في منزل مارتن ملوال، ولكن حكاية منزل مارتن ملوال نشر في صحف المؤتمر الوطني في إطار الحملة المعنية ضد المفوضية وهي فرية وكذبة كبيرة، وقد تمّ نفي هذه الكذبة بشكل رسمي، وأنتم تعلمون منهج الإسلاميين لا يعترفون بأكاذيبهم وأخطائهم مهما كلفوا.. (وينسون يوم الحساب) فبالله عليكم كيف استقت الدستورية معلوماتها عن المفوضية وعن المقر وعن المسئول القانوني الذي لم يخطئ في كتابة وظيفته؟؟ هل من صحف المؤتمر الوطني؟؟ أم من العريضة؟؟ وفي الحالتين لا يصح لها فعل ذلك، وهي في هذه الحالة تضع مصداقيتها في امتحان صعب جداً، وكان الأحرى لها بألا تُصرّح بالعريضة طالما هي لا تملك القانون المتنازع حوله أو اللائحة محل خلاف. شيء أخير وجب أن يعرفه صبية المؤتمر الوطني وهتيفته، بأنّ الاستفتاء وتاريخ إجرائه ورد في اتفاقية السلام والتي هي جزء من الدستور وكما تعلمون فهو أمر منصوص عليه وعندما يتعارض أي نص ورد في الدستور مع أي نص في الاتفاقية فنص الاتفاقية هو الذي يسود!!! لأنّه أساس الدستور ومرتكزه الأساسي، إذن فلماذا الجعجعة الحالية؟ وهم يعرفون النتيجة بأنّها مهما كانت فإنّ النتيجة والمحصلة النهائية لا شيء.. إنّ الإستراتيجية التي يعمل بها المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية طيلة الخمس سنوات الماضية هي ( سهر الجداد ولا نومو) وبما أنّ جدادة الحركة الشعبية صاحية منذ خمس سنوات فإنّ هذه الصحوة أكسبتها قوة ومنعة ولم (يدقسها) على الرغم من ذلك المؤتمر الوطني طيلة هذه السنوات… فعلاً كانوا ولا زالوا نائمين.. واتهنوا بيهو!!!!