كيمي جيمس أواي يوم الثلاثاء الحادي و العشرين من أغسطس ناعت إثيوبيا الي شعبها و العالم رئيس وزرائها القوي ملس زيناوي عن عمر ناهض السابعة و الخمسين. و ذلك بعد صراع مرير مع مرض لم يكشف عن كنه بعد، بل و يبدو انه لن يكشف عنه بحسب ما قالت مصادر مقربة من اسرة الراحل إنه رغبته في إبقاء الداء الذي اودي بحياته طي الكتمان!! زيناوي لم يكن قائداً عادياً ، و لكنه كان رجل دولة من طراز فريد بشهادة زعماء القارة الذين زهلوا من هول النبأ الجلل . فقد ابدي كثيرون منهم و أولهم رئيس وزراء كينيا رايلا أودينغا خشيتهم من مشتقبل اثيوبيا ما بعد ملس زيناوي ! خاصة إنه الرجل الذي برع براعة نادرة منذ إنهيار نظام الدرك قبل عقدين و نيف من الزمان، في ادارة التناقضات الداخلية المعقدة لاثيوبيا . كما نجح بشهادة المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد و البنك الدو ليين، في تحسين صورة بلاده في المحافل الدولية مما أمكنه جلب استثمارات خارجية ضخمة و هي استثمارات – علي اي حال من الأحوال- لا تخطيها عين كل زائر اليوم الي إثيوبيا. زيناوي أيضاً كان قائداً يتمتع برضا و قبول من أغلب الاطراف المصطرعة في القارة الافريقية ، و هذاما يفسر نشاطه الدؤوب في التوسط في فض الكثير من النزاعات في القارة . فعلاوة علي إحتضان عاصمة بلاده أديس أبابا لمقر الإتحاد الإفريقي فان إثيوبيا ملس زيناوي لعبت – و لم تزل – دوراً مفصلياً في إعادة الإستقرار الي الصومال حيث تشكل قواتها المسلحة ، العمود الفقري لقوات الاتحاد الافريقي المنشورة هناك، و قد استطاعت هذه القوات ان تستأصل شأفة الحركات الإسلامية المتطرفة و تحد من قدرتها علي المناورة ، مثل حركة المحاكم الإسلامية و حركة الشباب اللتان تسعيان بسند من تنظيم القاعدة و بعض منظمات الهوس الديني ، الي تطبيق شريعة اسلامية شوهاء في تلك الدولة الافريقية المكلومة . و من سخريات القدر علي الرجل انه رحل عن هذه الدنيا، و الصومال الذي بذل من اجله الكثير و اخذ مساحة كبيرة من وقته و تفكيره ، يستعد اليوم لاستقبال اول حكومة شرعية في عاصمتها مقديشو منذ إنهيار مؤسسات الدولة برحيل نظام سياد بري في عام 1992 و انتشار الفوضي و النهب و القتل!! إثيوبيا أيضاً ظلت الوجهة المفضلة للسودانيين لحل مشاكلهم عندما تنسد امامهم الافاق ويصلون الي طريق مسدود. و هنا يتبادر الي الذهن الدور العظيم الذي لعبه الامبراطور هيلاسلاسي في ابرام اتفاقية أديس ابابا بين نظام الرئيس جعفر نميري و الانيانيا بقيادة جوزيف لاقو في العام 1973 . و هي الاتفاقية التي اوقفت الحرب لاول مرة بين الشمال و الجنوب لمدة عشرة سنوات ، قبل ان يهلوس نميري و يلغيه. و حتي بعد إنشطار السودان الي قطرين و ذهاب الجنوب الي مصيره بفعل إتفاقيات نيفاشا المبرمة في كينيا عام 2005 ، فإن العاصمة الإثيوبية أديس ابابا لم تزل ، هو المكان الذي يقلب فيه اخوة الامس و أعداء اليوم مواجعهم. فمفاوضات القضايا العالقة بين جمهوريتي السودان و جنوب السودان تجري الي اليوم هناك تحت رعاية الاتحاد الإفريقي و اشراف مباشر من الراحل ملس زيناوي. فيا تري ما هو تاثير فقدان رجل كاريزمي مثل زيناوي علي سير تلك المفاوضات الشائكة؟ هذا ما سنحاول الاجابة عليه في السطور التالية. عشية الإعلان عن نبأ وفاة ملس زيناوي خرج صباح اليوم الثاني مباشرة وزير الإعلام و البث ، الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور برنابا مريال بنجامين، مرسلاً الي الشعب الإثيوبي نيابة عن الأمة و رئيس الجمهورية ،تعازي البلاد. وبعد أن وصف مريال الراحل بالحليف القوي لجنوب السودان و بالفقد الكبير، عاد و اكد ضمن أشياء أخري أن المباحثات حول القضايا العالقة مع الخرطوم لن تتأثر باختفاء ملس المفاجي عن المشهد. و إذا اخذنا تصريحات مريال تلك ووضعناها في سياقها ، ففيها الظرفي بشقيه الزماني و المكاني . فمن ناحية بدأ الرجل مؤملاً وباعثاً للإطمئنان الي قلوب المتوجسين من الناس، و هذه علي كل حال وظيفته كناطق رسمي! ولكنه لم ينكر في الوقت نفسه فرضية إحتمال تأثر الجدول الزمني لتلك المباحثات بمراسم موارة جثمان زيناوي مثواه الأخير بكل ما تحيط به تلك المراسم من هالة و بروتكول رأس الدولة. وهنا طابق كلام الوزير هواجس المحللين و المراقبين الذين ابدوا تخوفهم من إنفراط عقد الوساطات الكثيرة التي كان يقودها الراحل في أنحاء متفرقة من القارة ، و علي راسها الوساطة بين جوبا و الخرطوم!! لاسيما و ان نائبه هايلي مريام ديساليجن الذي اعلن قائماً بأعمال رئيس الوزراء الي حين قيام الانتخابات في 2015 ، رجل مغمور لا يعرف عنه الكثير. كان من المفترض ان تبدأ الجولة الثانية من المباحثات حسب الجدول الزمني المضروب سلفا ، في يوم الأحد الموافق السادس و العشرين من أغسطس، و بما انني أكتب هذه المادة في ذات اليوم و لانني لم أر شئياً يحدث هناك ، فقد اتصلت بوزير الاعلام برنابا مريال و سألته عما يجري ، او بالاحري عما إذا كانت المفاوضات بدأت أم لا فاجاب الرجل باقتصاب انهم ينتظرون الدعوة من الوساطة الأفريقية!! وهي دعوة علي حال من الاحوال لن تاتي خلال إسبوع ! فقد أعلنت الحكومة الاثيوبية ان تشييع زيناوي سيكون في الثاني من سبتمبر ، و هذا كاف لنسف الجدول الزمني لمباحثات السودأنين و بداية اللهث وراء زمن اخر في رحم الغيب. و علي الرغم من تاكيد المسئول الحكومي علي ان ما سيتم تاجيله ربما كان الموعد فقط و ليس شئياً أخر، الإ انه لا احد يستطيع نكرار حقيقة ان جولة مباحثات بين جوبا و الخرطوم بدون لمسات زيناوي و إقتراحاته. ثم ان ساسة الخرطوم الذين يتميز بالدهاء ربما اغتنموا فرصة غياب زيناوي و الربكة في التناور من اجل المزيد من المكاسب بحجة تغير الاجواء.