سيف الحق حسن …… وكأن هذا البلد العظيم لا يعني أحدا. والإسلامويون يجتمعون بحركتهم ويقررون وينفذون وشبابه يصدرون ما قيل عنه مانيفستو انتفاضة شباب المؤتمر الوطني في السودان!. و ما فتأ السودان يتمزق بلامبالاة السياسيين وتخابثهم لنرزح تحت حكومات شمولية وأجندات خارجية تسببت في الفشل السياسي وبالتالي شلل العمود الفقري الذي أعاق تقدم البلاد إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا. غياب دور المثقف الواعي وإستخدام الأحزاب الطائفية للإنتهازية السياسية وعدم ديمقراطية الذات و وجود الرؤية الواضحة والثبات علي تحقيقيها وكل هذه الهشاشة السياسية من أهم الأسباب التي أسهمت بالقدر الكبير في تلوث البيئة السياسية عموما. فالأحزاب السياسية تعمل كقفازات للأيدي العابثة ورهن إشارة لنظرية المؤامرة الحاضرة في كل لحظة تعتمد علي المتسابق الرابح في هذه المقامرة السياسية. لايفوتنا أن نذكركم بالعبث الأمريكي بمساندتهم ومهادنتهم لهذا النظام الجاثم. وجدت القوي الخارجية الأرض الخصبة فزرعت فيروسات أجندتها في معظم الأحزاب لممارسة الإبتزاز السياسي في مقابل مصلحة الوطن والإستفادة من ثرواته علي المدي الطويل وشعبه لايشعر. وقد كان إنفصال الجنوب من اهم إنجازات المرحلة. الذين كانوا أكثر حظا ونصيبا في الحكم هم الإسلاميون بحيث إنفردوا بتواجدهم في حكم السودان 34 عاما. هي ال 23 سنة الماضية زائدا ال 11 عام قبل انقلابهم. تحالفوا مع النميري سبع سنوات قبل أن يطاح به، وركوبهم على ظهر إنتفاضة أبريل، ومن ثم تغلغلهم في المجلس العسكرى بقيادة سوار الدهب ومن ثم إفسادهم وإفشالهم المتعمد للديمقراطية ليبرروا إنقلابهم المشئوم علي نظام التداول السلمي للسلطة. وفي تقديري ان الترابي ماتزال الكرة في ملعبه بحيث أنه يستطيع كشف خبايا هذا العبث ويعرف كيف يحل هذه العقدة التي بلانا بها. ولكن للمراوغة السياسية والكسب في النهاية برجل في السلطة ورجل في خارجها يبدوا إنه يصر على بعث ونفخ الروح من جديد في تنظيمه أو حركته الفاشلة. هناك شواهد كثيرة وهي زيارة د. علي الحاج لاخوان مصر، وقوله خلوها مستورة، ومافي إمكانه اخراج الحقيقة وحتي إذا فضحوه، وجعجعة الترابي في إسقاط النظام دون أي أفعال ملموسة وغيرها الكثير. أما تصريحاتهم التي نسمعها بين الفينة والأخري وإعتقال كوادرهم هي عمليات شد وجذب ومناورات لإشغال وإرباك الرأي العام وتخديره بجرعات صورية بأنهم مايزال فيهم رجاء لأن يغلبوا مصلحة الوطن علي مصلحة حركتهم. ومعضلة الإسلاميين أصبحت معقدة بكثير الآن، وهم في حيرة!. فهم ينقسمون بين معسكرين أحدهما مده شيعي وجزره سني والآخر عكسه تماما. فما أفضت له ثورات الربيع العربي ذات الدعم الأمريكي بأنها تريد الأنظمة الإسلامية أن تتخذ الشيعة العدو الأول وبالتالي يكون صراع المنطقة القادم سنة وشيعة. وإسلاميون السودان غير متفقون فيما بينهم ولا يدرون ماذا يفعلون. و خبر حريات الذي نشر: (300 من أعضاء شباب المؤتمر الوطني يلتقون بالمرشد الإيراني خامئني) لم أستغربه ولكنه أرجعني إلي بعض مقالات ودراسات ومحاضرات نُشرت خلال العام الماضى بعد ثورات الربيع العربى، وبعد فورات الحركات الاحتجاجية فى الولاياتالمتحدة وعدة بلدان أوروبية غربية حيث كتب سلافوى جيجك (1949- …) – يوصف بأنه أخطر فيلسوف سياسي في الغرب- كتب عن احتمالات يعتبرها مبشرة بولادة ما يسميه طريقا ثالثا قد تنجح المجتمعات الإسلامية فى تعبيده، وقلل من شأن المخاوف التى تثار هنا وهناك فى المجتمعات الإسلامية نفسها، من رِدَّة حضارية يتسبب فيها ركوب الإسلاميين الأصوليين على هذه الثورات. ولكن قبل أكثر من ثلاثين عاما، كتب ميشيل فوكو (1926 – 1984) – فيلسوف فرنسي يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين- كتب كلاما شبيها عن الثورة الإيرانية فى مجموعة مقالات لجريدة (النوفيل أوبزرفاتور) الفرنسية عندما عمل مراسلا صحفيا 1978-1979 في إيران. يقول فوكو عن ثوار إيران الإسلاميين: “إننا نعرف ما يرفضونه، لكنهم لا يعرفون ما يريدونه. ماذا تريدون؟ لقد طفت شوارع طهران وقُمّ فى الأيام التى أعقبت الاضطرابات مباشرة، وأنا أحمل هذا السؤال فى عقلى. وكنت أحرص على أن أتجنب طرح هذا السؤال على سياسيين محترفين. بدلاً من ذلك اخترت فى بعض الأحيان أن أخوض فى حوارات طويلة مع قادة دينيين، طلاب، مثقفين مهتمين بالشأن الإيرانى، وكذلك مع مقاتلين سابقين فى جماعات تخلّت عن الكفاح المسلح عام 1976 وقررت تبنى أسلوب مختلف كليا، داخل المجتمع التقليدى. جوابًا على سؤال «ماذا تريدون؟» لم أسمع خلال إقامتى فى إيران، ولو مرة واحدة، كلمة «ثورة»، لكن 4 من كل 5 إجابات كانت تقول: حكومة إسلامية. يتابع فوكو: “هناك أمر لا بد من توضيحه، فما من أحد فى إيران يقصد بقوله «حكومة إسلامية» نظامًا سياسيا يمتلك فيه رجال الدين (الكهنة) التحكم والسيطرة. بالنسبة إلىّ، تشير عبارة «حكومة إسلامية» إلى نظامين من الأشياء. البعض قالوا بأنه «عالم طوباوى»، «مثالى» -حسب تعبير الغالبية- وعلى أى حال فإنه أمر قديم جدا وبعيد جدا فى المستقبل. إنها فكرة العودة إلى ما كان عليه الإسلام فى عصر النبى، ولكن فى نفس الوقت مع التقدم نحو نقطة بعيدة ومضيئة يمكن عندها تجديد الإيمان أكثر من المحافظة على الطاعات. ولتحقيق هذا الهدف، بالتوافق مع دين خلاق كالإسلام، يبدو لى أن التشكيك فى مسألة الفهم الحرْفى للشرع أمر جوهرى.” لاحظ مع دين خلاق كالإسلام. يختم فوكو مقاله الشهير بسؤوال «بماذا يحلم الإيرانيون؟»، لكنه بالتأكيد بأسلوبهم البحثي المستمر أيضا يبحث عن حلمه الخاص لأوروبا، وعن طريق ثالث يشابه ما يبحث عنه الآن سلافوى جيجك: هل يمكن للإسلام أن يقدم هذا الطريق الذى يصفه فوكو هنا بالروحانية السياسية؟. يقول فوكو: “ما المغزى، بالنسبة إلى سكان هذه الأرض، من وراء البحث، الذى قد يكلفهم حياتهم، عن شىء نسينا إمكانية إيجاده منذ عصر النهضة والأزمة الكبرى للمسيحية، أقصد الروحانية السياسية «political spirituality». أكاد أسمع الفرنسيين يضحكون، لكننى أعرف أنهم على خطأ”. إنتهى فهل قدمت إيران الذي يرضي فوكو؟. لا أدرى لو كان فوكو عاش طويلا حتي يرى إسلاميين السودان ماذا كان سيقول!. فهم لايعرفون ماذا يريدون والبقية تسأل إلي أين نحن مساقون!. وعلي كل فإن رزوح السودان تحت دوامة الإسلاميين ومشروعهم اللاحضاري أدي إلي ردة أو إرتداد لا حضاري بين مدى تخلفنا السياسي وتدهورنا في جميع المناحي لعدم إلتزام الإسلاميين أنفسهم بالأخلاق ناهيك عن الإسلام الخلاق لكي يصلوا إلي الروحانية السياسية. المثقف المسلم العادي لم يكن لديه رأي أساسا ولا دور هام مع هذا الطغيان السياسي وزواجه برأس المال. فبسبب تعجرفهم وإزدراءهم وإستعلائهم وإقصائهم ضعف الوعي وتناقصت الوطنية وخلت الساحة لتستمر تجربتهم الفاشلة. وبقية النخب السياسية نائمة على أذنيها ومحلك سر تنتظر فرصة يجود بها الزمن عليهم. وبين هذا وذاك شعب مظلوم رضى بأن يسمى الفضل ووطن مكلوم يرتع في غياهب الضياع. سيف الحق حسن [email protected]