[email protected] ** واقعة أخرى، ومؤسفة أيضاً..رماح صلاح، إحدى بنات شندي، جلست لإمتحان الشهادة السودانية ونجحت، وقدمت للمختبرات الطبية بالكلية الوطنية التي يمتلكها كادر إسلامي من الرعيل الأول، أي من الذين يسمونهم بالبدريين..إستوفت رماح كل الشروط الأكاديمية للكلية وتم قبولها..جاء بها والدها لإكمال إجراءات التسجيل ولمعرفة مكان ومناخ الكلية التي ستدرس فيها الإبنة، وراقهما المكان والمباني وإستقبلهما كادر الإستقبال ودفعا لإدارة الكلية القسط المطلوب من الرسوم الدراسية.. وقبل أن يغادرا الإدارة، تلقت الإبنة رماح التحذير الآتي بالنص : (نحن قبلناكي، لكن نقابك دا ما معانا)، فالإبنة منقبة..تفاجأ الآب بالتحذيروكذلك الإبنة، ولكن فاجأتهما إدارة الكلية بكتيب مسمى بدليل الطالب .. بالدليل نصوص غريبة ، ومنها بالنص الحرفي : (يُحظر النقاب )..!! ** ناقشا إدارة الكلية بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ولم يفلحا في إقناعها بالتخلي عن شرط (حظر النقاب)..وكذلك ناقشا ذات الإدارة بنصوص حقوق الإنسان وقوانيها، والتي منها إحترام الحريات الشخصية، بما فيها حرية إرتداء النقاب، ولم يفلحا أيضاً في إقناعها بالتخلي عن شرط (منع النقاب)..فاستردا مال القسط وغادرا الكلية بلسان حال قائل : فلترحل الكلية الوطنية عن الكلية الوطنية نفسها إن كان يزعجها النقاب، أوكما قال مطر – في رائعة الحسن أسفر بالحجاب – مخاطبا فرنسا حين حظرت لبس الحجاب..غادرا الكلية إلى غير رجعة وإنتهت حكايتهما، أو فلنقل : هكذا تم إنتهاك حقوق الطالبة رماح..!! **وعليه، تبقى الأسئلة المخيفة : كم طالبة غادرت هذه الكلية رغم إستيفاء الشروط الأكاديمية بسبب نص (ممنوع النقاب)، وكم حقاً إنسانياً تم هضمه بهذا النص المعيب؟، وكم حرية شخصية إنتهكتها إدارة هذه الكلية وتسبب الإنتهاك في حرمان الطالبات من حق الإلتحاق بها ؟..هكذا شكل الطرح بلا أي سجال حول مشروعية إرتداء النقاب، فريضة كانت أم مستحبة؟.. نعم، فلننظر للحدث من زاوية الحريات والحقوق التي تؤمن بها الأفكار السوية والعقول الواعية بلا خيار وفقوس، ونسأل بمنتهى الوضوح : بأي حق تصادر إدارة الكلية الوطنية حق رماح في إرتداء النقاب .؟؟ **وبالمناسبة، هذه الواقعة هي الثانية التي وقفت عليها..فالأولى كانت قبل خمس سنوات بذات الكلية، إذ منعت ذات الإدارة قبول إحدى الطالبات بسبب نقابها، فعكست حزنها بهذه الزاوية، وتدخلت وزارة العدل وعالجت الأزمة في حينها، وكانت المعالجة إعتذارا من الإدارة للطالبة التي قبلت الإعتذار ثم غادرت إلى مؤسسة أخرى لاتصادر الحقوق والحريات..وعليه، وقوع الواقعة الثانية يؤكد بأن علاج أزمة الواقعة الأولى لم يكن مجدياً، ولو كان كذلك لما تكرر الحدث بذات (السيناريو السخيف)، رغم الإعتذار السابق..وإن كان الإعتذار عن الخطأ دليل إعتراف بالخطأ، فلماذا تكرر إدارة الكلية ذات الخطأ ؟..لم يكن إعتذاراً ماحدث في تلك السابقة، ولوكان كذلك لما تكرر الخطأ، ربما كان (مراوغة)، ومراد بها فقط خداع السلطات العدلية وتلك الطالبة وأسرتها والرأي العام..!! **المهم..لرماح وغيرها حق إرتداء النقاب وغير النقاب، ودستور الدولة يُكفل ويحمي هذا الحق .. وليس من العدل أن تتجاوز أية لائحة – خاصة كانت أو عامة- نصوص الدستور العامة، ولا المواثيق الدولية وقوانينها التي تحفظ وتحمي الحقوق العامة والخاصة..فالبعض يظن – كما إدارة الكلية الوطنية – إن من حق المؤسسات الخاصة أن تشرع ما تشاء من اللوائح بمظان (دي كليتي وأنا حر فيها)، ولكن لا.. فالخاص – مرفقاً تعليمياً كان أو بصاً سياحيا – حين يفتح أبوابه للعامة، يجب أن يمتثل لنصوص دستور العامة وقوانينها التي لاتنتهك الحق الخاص والحرية الخاصة..!! ** نعم، بالبلدي كدة : ما من حق سيد الهايس ينهر الراكب (يازول أركب في المقعد الورا)، عندما يستغل مركبته المرخصة لنقل العامة، وما من حق مالك جامعة يلزم الطالبة (يازولة إقلعي النقاب)،عندما تلتحق بجامعته المرخصة لتعليم العامة.. فلتفرض الكلية الوطنية – وغيرها- ماتشاء من الرسوم الدراسية، وهذا حق مبادئ التجارة وقانون الإستثمار..ولكن لاتملك تلك الكلية – ولاغيرها – حق فرض ما تشاء من الأزياء على الطالبات، بحيث (تحظر النقاب) أو(تبيح الطرحة)..فلتنتبه السلطات – العدلية منها والتعليمية – لهذا القهر الذي تتعرض له الطالبات لحد التدخل في نوع وشكل ملابسهن، نقاباً كان أو حجاباً أو تبرجاً..علماً بأن اللائحة لاتقهر الطالبات فقط..أي، زاوية الغد – باذن الله – عن اللائحة التي تقهر الطلاب أيضاً ..!!