باسم الله وباسم الوطن بيان منذ اندلاع الأحداث الدامية فى ولاية جنوب كردفان فى الخامس من يونيو 2011 عقب إجراء الإنتخابات التكميلية بها دخلت البلاد مرحلة جديدة من الصراع السياسى– صراع السلطة والثروة- احتدم بإصرار الزمرة الحاكمة فى الخرطوم على ممارسة الهيمنة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، دون أن تراعى العهود والمواثيق التى تبرمها مع الخصوم السياسيين، بل وتتمادى فى تنفيذ الأجندة الأحادية الهادفة لأسلمة وتعريب ما تبقى من شمال السودان على خلفية تصويت شعب جنوب السودان لصالح الإستقلال فى إستفتاءيناير 2011دون اعتبارللتعدّد الدينى والإثنى والعرقى المميز للقوميات المختلفة بالسودان. وفرّت اتفاقية السلام الشامل (CPA) الموقّعة بنيروبى فى يناير 2005 فرصة نادرة للسودان سيّما على مستوى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق لطى صفحة الحرب والعيش فى سلام، حيث أفردت نصوصاً واضحة ومنصفة فى بروتكولاتها قضت بتنازل شعبى الولايتين وقبولهما بمبدأ “المشورة الشعبية” التى وإن مُورست بالشكل الوارد فى الإتفاقية المذكورة لأعطت تلك الشعوب حقوقها كاملة بما يتناسب مع التضحيات الجسام التى قدمتها خلال إحدى وعشرون عاماً من النضال السياسى والعسكرى (1983-2005). قبل شعبا المنطقتين بالإتفاقية بحسبانها مهراً يستوجب دفعه من أجل السلام أملاً أن يقدم “الجلابة” بالمركز تنازلاً مماثلاً عقب انفصال جنوب السودان ونيله الإستقلال فى 9 يوليو 2011، الأمر الذى أثلج صدر شعوب المناطق المهمّشة بلا استثناء لما له من دلالات هامة تعنى لها الكثير. إن الصراع الدموى الدائر الآن بجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور لا يمكن تسويته دون إنهاء هيمنة المركز واحتكاره للسلطة والثروة وآن الأوان للجميع أن يدركوا أن المركز لا بد أن تتم تصفيته وأن عمليات التجميل والدخول فى تجارب بائسة لإطالة عمر النظام لن تقود سوى إلى مزيد من المآسى والمعاناة التى تتعرّض لها شعوب المناطق المهمّشة على الأخص. لذا ندعو كافة القوى المهمّشة والأحزاب السياسية التى تمثلها للوقوف خلف قيادة الجبهة الثورية السودانية–كاودا- وتوخّى الحيطة والحذرمن مناورات وألاعيب المؤتمر الوطنى التى سوف لن تجلب لغالبية جماهير الشعب السودانى سوى الدمار والهلاك. إننى، وبصفتى الأمين العام للحزب القومى السودانى، قد أجريت دراسة متأنية للأوضاع السياسية والإنسانية على مدى عام ونيف قمت خلالها بزيارة الأراضى المحرّرة –كاودا- والبقاء بها فى الفترة من سبتمبر 2011 إلى مايو 2012 وشاهدت بأعينى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها قوات المؤتمر الوطنى ومليشياته فى سياق حرب الإبادة التى تشنها على مواطنى جبال النوبة مستخدمة القصف العشوائى المكثّف بالطيران والصواريخ بعيدة المدى من طراز “شهاب” الإيرانى الصنع ضد المدنيين الأبرياء. وقد تأكّدت بنفسى من استهداف قوات المؤتمر الوطنى والمليشيات التابعة لها لإنسان جبال النوبة من خلال حرق المزارع واتلاف المحاصيل والثمار وقتل المواشى وتدمير مصادر المياه بصورة مُمنهجة ومُتعمدة وهى جرائم لن تسقط أبداً ما بقى الزمان. إزاء ذلك أجريت مشاورات مطوّلة مع قيادة الحزب بالداخل وبعض كوادره بالخارج وطرحت مجموعة من الأفكار التى يمكن من خلالها تقوية العمل النضالى ضد المركز فى ضوء ما توصّلت إليه من تقييم للأوضاع فى مناطق العمليات بولاية جنوب كردفان. وعلى الرغم من المجهودات والمناقشات التى امتدت شهوراً عديدة لم نتوصّل إلى صيغة فعّالة ومُحكمة يمكننا العمل من خلالها لتسريع وتائر النضال من أجل إسقاط وتغيير النظام فى الخرطوم لمصلحة جماهير شعبنا الصامدة العنيدة وتقصير أمد معاناتها. عليه فإننى أتقدم باستقالتى من الحزب القومى السودانى تأكيداً على قناعتى أن الأوان قد آن لنركن إلى الحق ونقف بصلابة لخدمة القضية المحورية التى ناضلت من أجلها قوى الهامش بصفة خاصة وجموع الشعب السودانى عامة بشكل لا لبس فيه ولا غموض، وأن ننبذ الإستمساك بعصى ما يسمى ب “الجهاد المدنى” وغيرها من دعاوى الصادق المهدى وأمثاله التى صدقها الغافلون، دون أن يدركوا أن المهدى نفسه جزء أصيل من المركز الذى نريد تفكيكه. إن اسقاط النظام القائم عبر تغليب الوسائل السلمية على غيرها من أدوات النضال قد تمت تجربته فى أزمنة خلت دون أن يحقق الهدف المنشود وما تجربة التجمع الوطنى الديمقراطى ببعيد عنا، حيث مثّلت فيه الحزب القومى السودانى على مستوى هيئة قيادته. ختاماً أكرّر أن استقالتى من الحزب القومى السودانى جاءت بهدف البحث عن الوسائل الأكثر نجاعة وفاعلية لإسقاط النظام القائم فى الخرطوم وإقامة نظام حكم يتأسس على مبادئ العدل والحرية والمساواة والشفافية والمحاسبية مصدرها دستور علمانى يستوعب التنوع والتعدّد الدينى والعرقى والإثنى والثقافى التى يتميز بها المجتمع السودانى. إن الثورة عمل يمارسه المقهورون من أجل تجاوز ظروف القهر واكتساب حريتهم، وهم فى هذه الممارسة يواجهون القاهرين الذين يريدون لهم ألا يتحرّروا، بل ويريدون لهم أن يستبطنوا ظروف القهر ويعتبرونها قدراً لا يمكن رده. لكننى أقول …لكن نستكين … والنصر أكيد،،، محمد سليم كيم الأمين العام للحزب القومى السودانى 25 سبتمبر 2012([email protected])