قبل سنوات طويلة كان هنالك احتفال بتخريج تلاميذ من خلوة مسجد جامعة الخرطوم.. مقدم الحفل وضع الحضور في موقف غاية الإحراج.. طلب المقدم أن يتقدم للمنصة شخص يحفظ سورة بعينها من القرآن الكريم..أوجفت القلوب وكثر الالتفات.. تقدم للمنصة رجل يبدو في بسطة من الجسد.. سألت جاري فأخبرني أن هذا الزبير أحمد الحسن.. تلك معرفتي الأولى بالرجل. بعدها بسنوات.. وكنت وقتها ناشطاً في المؤتمر الوطني كان عليّ أن أقابل هذا الزبير مرة أخرى.. كنا بصدد تنظيم منشط خيري يتطلب قدراً من الدولارات.. ذهبت برفقة الشهيد رمضان موسى وكانت خطتنا أن نصلي الفجر مع شيخ الزبير.. تأخر الموعد لسبب ما ولكننا تناولنا مع الشيخ شاي الصباح في بيته بالجريف.. الزبير وقتها كان يشغل منصب مدير بنك أمدرمان الإسلامي.. نعم لم يردّنا الرجل وآتانا سُؤلنا. قبل أشهر معدودات كنت أكتب منتقداً رئاسة كبار المسؤولين لمجالس الإدارات..جاء في متون الحديث ذكر الرجل مقروناً مع مساعد رئيس الجمهورية جلال الدقير.. جلال والزبير تبادلا بطيب خاطر منصب رئيس مجلس إدارة سكر كنانة.. غضب الزبير وكتب رسالة يقول فيها إنه يشكوني لله.. فيما دعاني دكتور الدقير لتناول الغداء معه في داره وشرح فصول تلك القضية. يوم الجمعة الماضية كان فصلاً جديداً في قصتي مع شيخ الزبير..أدركتني صلاة الجمعة في مسجد القوات المسلحة.. رأيت شيخ الزبير في منتصف المسجد مثله مثل سائر المصلين.. لأنني أعرف أن الرجل من حفظة كتاب الله فقد تملكني بعض الخوف من شكواه تلك.. ذهبت إليه بعد الصلاة أطلب العفو.. فوجئت والرجل يصد التماسي في بيت من بيوت الله. أول أمس تم انتخاب الشيخ الزبير أميناً عاماً للحركة الإسلامية بالإجماع السكوتي.. سيجلس الشيخ الزبير في ذات المقعد الذي شغله الدكتور حسن الترابي لعقود من الزمان.. سيشغل شيخ الزبير منصباً رفضه الدكتور غازي صلاح بكثير من المنطق.. سيكون المصرفي السابق صنواً للمفكر راشد الغنوشي.. وسيمثل الحركة السودانية في المحافل الإخوانية التي يتزعم حركتها الشيخ الدكتور محمد بديع. أولى التحديات التي تواجه شيخ الزبير أحمد الحسن أنه سيجلس في مقعد خاضع للمقاييس والمواصفات والمقاربات.. لم يلاحظ المراقبون أي إساهامات فكرية مميزة للشيخ الزبير في حاضر وماضي الحركة الإسلامية.. كان الزبير دائماً تنفيذياً يؤدي عمله بهدوء كبير.. حتى حين التنازع الذي حدث بين إدارة السدود التي يقف عليها أسامة عبدالله وهيئة الكهرباء في عهد إدارة المهندس مكاوي محمد عوض وقف شيخ الزبير في مكان وسط.. ويحسب له أنه اعتذر يوماً عن تولي الوزارة بعد أن تم اختيار زوجته الأستاذة سعاد عبدالرازق وزير دولة للتربية والتعليم. في تقديري أن الإسلاميين كان عليهم أن يعكسوا الاختيار.. الزبير بوسطيته يأتي رئيساً لمجلس شورى الحركة الإسلامية.. فيما يحتفظ السفير مهدي إبراهيم بمنصب الأمين العام.. تلك الوزنة تضيف بعداً جغرافياً وتمنع همساً يدور أن السودان النيلي يحتكر كثيراً من مفاصل السلطة. التاريخ أثبت أن الرجال الذين يصيبون السلطة صدفة يحققون الكثير المثير.. الآن ليس لنا إلا الانتظار. شيخ الزبير «أعفي مني» وقد أصبح لك ملك عظيم .