تشاد تتمادى في عدوانها على السودان    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عميد الصحافيين السودانيين الأستاذ الكبيرالمخضرم محجوب محمد صالح يشخص علل الصحافة السودانية
نشر في حريات يوم 16 - 01 - 2013

القراء اتجهوا لكتاب الأعمدة مثل الشخص الذي يشرب برميل ماء ليجد به (حبة قمح) في قاع هذا البرميل .. لهذا امتلأت بطون الناس بالماء و لم يجدوا القمح حتى الآن
تتابعت على السودان أنظمة تغلق الصحف و تطرد و تشرد الصحافيين فعانت الصحافة من عدم الاستقرار
أصبحت الصحافة في السودان مهنة طاردة .. و أصبح المسار المهني للصحفي ينقطع من دون إرادته
ما يطالعه القاريء ليس هو بالضرورة ما أنتجه الصحفيون إنما هو المجاز أو الممكن ..!!!
الصحافة السودانية عانت و لا زالت تعاني من عدم تواصل الأجيال
أجرى الحوار بالخرطوم أسامة عوض الله
[email protected]
بلا جدال يعتبر الصحفي السوداني الكبير المخضرم الأستاذ محجوب محمد صالح صاحب ورئيس تحرير صحيفة (الأيام) حالياً عميد الصحافة السودانية في الوقت الراهن، فالأستاذ محجوب عمل بالصحافة منذ نهاية العام 1949 م.
وتشارك الأستاذ محجوب مع الراحلين الأستاذ بشير محمد سعيد، ومحجوب عثمان في تأسيس صحيفة (الأيام) وكان ذلك أول عهد للاحتراف والتفرغ المهني الكامل في الصحافة السودانية من حيث المهنية و الاستقلالية.
وعبر تحولات الديمقراطية والأنظمة العسكرية ظلت الأيام تتعرض للايقاف والإغلاق فأغلقت مرتان وفي الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق عبود بمجموع ثلاثة أعوام.
ولعب الأستاذ محجوب محمد صالح دورا رائدا في ثورة اكتوبر 1964 م ووقع انقلاب 1969 م وتم تأميم الأيام في 1970 وابتعد مؤسسوها عنها وعاد الأستاذ صحيفته بعد 1985 ثم انقطعت المسيرة بقيام الإنقاذ في العام 1989 م.
يقول تاريخ الأستاذ محجوب أنه بعد الاستقلال ظل يدعم تيار تأسيس واستدامة الديمقراطية وأسهم في ذلك من موقعه كسكرتير لاتحاد الصحفيين السودانيين 52-57 وتم تحقيق مكاسب للديمقراطية وإدخال قوانين لدعم حرية الصحافة أهمها وقف الإغلاق الإداري.
ومنذ نشأته ظل الأستاذ محجوب مقتحماً للعمل العام، و مشاركاً في تكوين الرأي العام حيث كان إبان دراسته الجامعية نائباً لسكرتير اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وذلك في العام 1948م ثم أصبح سكرتيرا عاما للاتحاد في العام 1949م، وفصل من الجامعة مع رئيس الاتحاد بسبب النشاط الوطني ضد الحكم البريطاني.
نال زمالة داج همرشولد للإعلام في العام 1959م، ومنحته جامعة الأحفاد الدكتوراه الفخرية .. وهو عضو مؤسس في اتحاد الصحفيين العرب.. وعضو مؤسس في اتحاد الصحفيين الأفارقة.
لكل هذا و أكثر أحاوره في صفحة (رئيس التحرير) و هي صفحة متخصصة في الحوارات مع رؤساء التحرير الحاليين و السابقين و القيادات الصحافية و كبار الصحافيين السودانيين .. صفحة من ضمن ملف (اليوم الثامن) .. و اليوم الثامن هو (ملف سياسي أسبوعي يصدر صباح كل إثنين يعنى بقضايا و تداعيات السياسة السودانية و الدولية) بصحيفة (المشهد الآن) السودانية اليومية التي أتولى فيها الإدارة السياسية و يتولى رئاسة تحريرها الصحفي الأستاذ جمال عنقرة.
أعود و أقول ، لكل هذا و أكثر أحاوره .. مع عميد الصحافة السودانية الأستاذ الكبير محجوب محمد صالح أترككم في حوار “تشخيص علل الصحافة السودانية”.
أستاذنا محجوب ذكرت أن عمر الصحافة السودانية (118) مائة وعشر سنوات.. فإذا قارنا الصحافة السودانية بالصحافات العربية الأخرى كالصحافة الشامية في لبنان وسوريا والأردن والصحافة الخليجية في الإمارات والكويت والسعودية وقطر والبحرين وسلطنة عُمان، تحس بأن إمكاناتها أفضل من السودانية.. ومتطورة أكثر من السودانية.. مع أن الناس يقولون أنه كان للصحفي السوداني دور مقدر فيها (الصحافة الخليجية).. فكيف تقرأ الصحافة السودانية اليوم مقارنة بالصحافة الخليجية والشامية والمصرية والدول العربية عموماً..؟
- هنالك جانبان لهذا الموضوع.
حسناً نبدأ بالجانب الأول.. ماهو..؟؟
- الجانب الأول التقدم التقني.. وهذا يستند على المال.. يعني يكون عندك قروش تستثمرها وتأتي بآخر صيحة في التقنيات.. لكن الصحافة ليست جماليات.. الصحافة محتوى.. فقد تجد بلدا غنيا جداً يستطيع أن يوفر أموالا ممتازة لكي تنتج أعلى مستوى من التقنيات الطباعية لكن تجد المحتوى ضعيفا وتكون فارغة المحتوى.. هذا ليس تقدما.. لابد أن يكون هنالك توازن بين الشكل والمحتوى.
إذن الجانب الثاني المحتوى..؟
- نعم.. لهذا لابد من أن يكون هنالك توازن بين الشكل والمحتوى.. فنحن نريد تقدما تقنيا يخدم مُحتوى جيدا.
ماذا عن الصحافة المصرية..؟
- في الصحافة المصرية تجد أن الأهرام توفرت لها إمكانات كبيرة جداً جداً.. لكن تحت نظام الاتحاد الاشتراكي، الحزب الواحد، ما كانت تعبر عن كل شرائح وقطاعات وأفكار المجتمع.. وكانت تحاصر بعض الأفكار.. ولذلك كانت لا تشبع هوية الإنسان المصري.. ممكن يجد فيها المواطن المصري بعض المعلومات (الكويسة) التي يحبها.. ولكنه لا يجد القضايا الأساسية التي تهمه ويحس أنها لا تجد طريقها للصحافة.. لهذا الجانبان (التقدم التقني.. والمحتوى) لا يمكن أن تفرق بينهما.. ومن الواجب توافرهما الاثنان معاً في الصحافة (الإمكانات التقنية الجيدة.. والمحتوى الجيد).
إذا ما قسنا هذا على الصحافة السودانية.. كيف تجدها في الإمكانات التقنية الجيدة، والمحتوى الجيد..؟
- نحن نفتقدهما الاثنان.. لا تقنية جيدة.. ولا محتوى جيد.
والصحافة الخليجية..؟؟
- تجد فيها واحد من الاثنين.. تجد الشكل الجيد والإمكانات الجيدة، والمحتوى الضعيف..
إذن إلى ماذا تعزي ذلك، أقصد أن تجد إمكانات جيدة ولكن المحتوى ضعيف.. أسألك عن العموم ولا أقصد دولة بعينها أو منطقة بذاتها..؟؟
- أي بلد.. يحكمها حزب واحد تعاني من هذه المشكلة.. سواء كانت غنية أو فقيرة.. ونحن في السودان من البلدان الفقيرة التي تعاني من المشكلتين.
هل هنالك أثر لما يعرف ب (الربيع العربي) من ثورات في البلدان العربية على الصحافة العربية..؟؟
- نعم.. هنالك أثر.. فهذه الثورة الديمقراطية في العالم العربي أثرت على الصحافة في مصر فانتعشت.. وأصبحت تعبر عن مختلف الآراء.. فأي شيء تريده في الصحافة المصرية تجده.. ومعركة الحرية مستمرة.. في مصر مستمرة.. للمزيد منها ولتوطينها.. وفي السودان مستمرة.. لكن في هذه المرحلة ظهر تحدٍ آخر للصحافة الورقية.
اللي هو..؟؟
- التحدي الآخر هو ثورة المعلوماتية.. وثورة التقنيات في عالم الاتصال.. فأصبحت هنالك منابر إعلامية أكثر كفاءة من الصحيفة الورقية التي تُطبع كل (24) أربعة وعشرين ساعة. فالفرد أو الشخص الآن لديه القناة الفضائية التي من خلالها يستطيع أن يتابع فيها الحرب من أي ركن من أركان العالم، وكأن هذا الفرد أو الشخص جالسا في ميدان المعركة ودقيقة بدقيقة.
هذا كله أثرّ على الصحف..؟
- هذا يقلل الإقبال على الصحف.
يقلل الإقبال حتى على الصحف الجيدة والناجحة..؟
- نعم.. فالصحف الأكثر تقدماً منا.. والأحسن وضعاً مالياً.. والأحسن وضعاً تحريرياً.. والأعلى مهنية، الآن تغلق أبوابها نتيجة لذلك.
إذن الصحف أمام تحدٍ..؟؟
- نعم.. تحدٍ يحتاج لإعادة نظر في السياسة التحريرية للصحافة الورقية.. لأن (السبق الصحفي) الآن أنك تنفرد بتقديم معلومة جديدة للقارئ، هذا أصبح ضعيفا، بعنصر الزمن.. ذلك لأن ثورة المعلوماتية تجاوزت الزمان والمكان.. فهي لا يتم ترحيلها بطائرة ولا بقطار ولا بسيارات بل هي أمامك في جهاز الكمبيوتر فتجدها.. هذا فيما يخص المكان.. أما فيما يخص الزمان، فإنك لحظة وقوع الحدث تراه وتشاهده مباشرة.
هذا كله يفرض علينا نحن الصحافيون الورقيون (الصحف) إعادة النظر..؟؟
- نعم.. هذا يفرض على المهنة أن تعيد النظر في وضعها..
وكيف يكون ذلك.. أو كيف تتم معالجة ذلك..؟؟
- الآخرون في الفضائيات والنت مشغولون بعنصر الزمن (يتسابقون ليوصلوا لك المعلومة أولاً بأول)، لكنهم يعطونها لك فطيرة وناقصة، وبدون خلفيات، وبدون تحليل سليم.. وعليه على الصحافة الورقية أن تدخل هنا وتغطي هذه المنطقة الناقصة بأن تُصبح تعطي تحليلا في العمق.. وتقديم الخلفيات.. وشرح الأسباب وراء الحدث.. وما وراء الخبر.. (الحصل شنو) و (ليه) وهكذا.
هذا دون شك لتنفيذه يتطلب وجود صحفي مؤهل تماماً.. يمتلك أدواته تماماً..؟؟
- هذا يتطلب إعادة تدريب الصحفي ليقابل التحديات الحديثة بأدوات حديثة.. والشيء الثاني هو (موقع الصحيفة في النت)، يفترض أن يتم تحديثه ساعة بساعة.
حسناً يا أستاذ.. في الصحافة السودانية الحالية.. إذا طلبت منك أن تقرأ لي قراءة للصحف الموجودة الآن في الساحة.. صحيح هي صحف منافسة لك أنت (كصحيفة الأيام).. فصحيفة الأيام وهذا باعتراف كثير من الصحافيين الذين اعترفوا لي بذلك.. يرون أنها أكثر صحيفة مهنية، فيها المعايير المهنية.. سؤالي هوّ: بالإضافة للأيام.. ما هي الصحيفة التي نستطيع أن نقول أنها الأكثر مهنية.. وما هي الصحيفة التي لفتت انتباهك.. أريدك يا أستاذ أن تعمل لي (تطواف) على الصحف..؟؟
- لا توجد صحيفة.. لا توجد صحيفة (كررها هكذا مرتين) يمكن أن يحكم على مهنيتها تحت الظروف الحالية.. (أنا ما بعرف هم عملوا شنو.. والحكومة شالت شنو.. ولا الرقابة شالت شنو.. ولا التليفونات اللي جات آخر الليل قلعت شنو).
يعني يا أستاذ لا توجد مهنية خالص.. خالص..؟؟
- هي مهنية على أحسن الفروض.. أأأأ.
منقوصة..؟!
- منقوصة.. ويوجد صحافيون عندهم أفكار كثيرة جداً، ولكنهم لا يستطيعون أن يعالجونها لأنها غير مقبولة.. (أنت بتعيش في حتة يمكن يجي زول الساعة خمسة صباحاً يشيل جريتك من المطبعة بعد ما طبعتها وخسرت فيها كل القروش دي، بدون ما يقول ليك ليه.. ويكون شالها لحاجة أنت ما عارفها.. فبعد ده بيحصل شنو.. بيحصل أنو رئيس التحرير لو داير يبيع.. والموقف الاقتصادي بتعاعو بقى مزنوق، لازم هوّ براهو يمارس رقابة ذاتية على جريدتو عشان يحافظ على رقبتوا).. ففي هذا الجو من الصعب جداً أن تحكم على مهنية الصحافيين ومهنية الصحف.. ولو حكمت على مهنيتهم في هذا الجو بتظلم الصحفيين لو قلت هذا هو إنتاجهم.. فهذا ليس إنتاجهم، إنما هذا هو المجاز من إنتاجهم.
حسناً.. هذه نقطة مهمة جداً.. فيعني يمكننا القول إن ما تصدره الصحف الآن وما يطالعه القارئ هو ليس الإنتاج الحقيقي للصحفي.. أو الصحفيين..؟؟
- ليس هوّ بالضرورة ما انتجه الصحفيون.
إنما هو المجاز…؟؟
- إنما هو المجاز.. أو الممكن.. يعني أحياناً لا تصل مرحلة أنك تكتبه لتجازف بأن يجيزونه لك أو لا يجيزونه.. لأنك إذا جازفت ولم يجيزونه فهذا معناه المصادرة.. والمصادرة معناها ملايين الجنيهات خسارة في اليوم.. فلذلك حينما تعمل مثل هذا الأسلوب مع الجرائد فأنت بذلك تنشئ وتخلق (حالة رقابة ذاتية إمكن يكون فيها مبالغة كمان، خوفاً من الخسارة).. فالذي يشاهد عضة الدبيب يخاف من جر الحبل.. فمن الظلم الحديث عن مهنية الصحافة تحت هذه الظروف.
حسناً.. إذن..؟؟
- مقاطعاً: على وجه العموم.. المهنية دائماً تكون منقوصة تحت الأنظمة التي لا توفر حرية التعبير كاملة في أي بلد في الدنيا.. لأن الناس سيمشون تحت الحيطان.. ويوم ما يمشي الصحفي تحت الحيطة الحكاية كلها باظت.. لأنه فقد الشيء الأساسي له وهو حرية التعبير.. وحرية تمليك المعلومات للناس.. يعني من غير الممكن أنا أشاهد مظاهرات.. وأشاهد احتجاجات.. وتقع حوادث أمام أعين الناس.. وأقول لهم ما حصلت في السودان.. بمعنى أني أصمت (ما أجيب سيرتها).. فمتى ما إنتقصت حرية التعبير فأنت بذلك وضعت مهنية الصحافة في محك.. والمشكلة ان القارئ يبدأ يفقد الثقة في هذه الصحافة.. ويأتي مجلس الصحافة يصرخ محتجاً قائلاً: إن هنالك انخفاضا في مستوى الإقبال على الصحف.. نعم صحيح هنالك انخفاض في مستوى الإقبال على الصحف من القراء لأنها ما عادت صحفا تمثل هذا القارئ ولا يجد حاجته فيها.. ولذلك هذه أزمة شكلها دائري.. كل عنصر يؤثر على العناصر الأخرى..
إذن كيف الخروج من هذه الأزمة.. أو كيف الحل..؟؟
- الحل في الأول في أنك أنت توفر الأجواء التي تخرج لك صحافة محترمة.. توجد حرية تعبير لابد من أن تلتزم بها..
لكن حرية التعبير هذه.. مطلقة.. بدون ضوابط..؟؟
- لا.. حرية التعبير ليست مطلقة.. وحريتك في التعبير تنتهي حيث تبدأ حريتي أنا.. فأنت لا يمكن تأتي تشتمني وتسيئني وتقول هذه حرية تعبير.
الدستور نص على ذلك..؟؟
- نعم.. يوجد دستور فيه ضوابط.. يقول لا تثير النعرات العنصرية.. ولا الدينية.. ولا الثقافية.. ولا الاجتماعية.. لا تثير النعرات التي تترك الناس يتصارعون ويتحاربوا.
الميثاق الصحفي. أيضاً نص على ذلك..؟؟
- توجد مواثيق عمل صحفي تتكلم عن المصاداقية.. وعن الحيدة.. تطبقها.. لكن لا تستعمل السلطات القمعية بأنك تمسك بالصحيفة تصادرها.. فأنت حينما تصادر الصحيفة حقيقة بذلك توقع عليها (عقاب خارج المحكمة).. هو عقاب بالغرامة المالية بمقدار ما طبعت من نسخ.. فبينما تجدني كناشر أو صاحب جريدة أو رئيس تحرير جريدة تجدني أخذت جريدتي ذهبت بها للمطبعة وأنا مطمئن أنه ليس فيها شيء أو مادة خارجة عن القانون، وطبعت منها (15) خمسة عشر ألف نسخة، وكلفتني (7 – سبعة أو ثمانية آلاف جنيه، ثم جئت أنت أخذتها الصباح وذهبت بها أحرقتها.. أنت بذلك أوقعت عليّ غرامة بالثمانية آلاف جنيه، وأكثر منها الغرامة الأدبية، وأكثر منها الإعلانات اللي لازم أكررها مرة أخرى.. فهذا عقاب خارج إطار المحكمة.. ما في بلد بتعمل بالطريقة دي..!!!
حسناً.. إذا نظرت للصحافيين الموجودين الآن.. الكوادر يعني.. من لفت انتباهك فيهم…؟؟
- أنا قلت لك أن الصحافة السودانية عانت من عدم استقرار سياسي منذ الاستقلال وحتى هذا لأنه تتابعت على السودان أنظمة تغلق الصحف وتطرد وتشرد الصحافيين فأصبحت الصحافة مهنة طاردة..
تقصد أنه بذلك.. لم يعد هنالك حتى تواصل أجيال في هذه المهنة..؟؟
- نعم.. لأن هذا الاغلاق للصحف.. والطرد للصحفيين تقضي على جيل وتأتي بجيل جديد، فلا يكون هنالك تواصل أجيال حتى ينقل الجيل السابق خبرته للجيل اللاحق أو الجيل الحالي، لأن هذه الأجيال أصلاً تكون بالاغلاق والطرد لا تتلاقى.
إذن الآن نستطيع أن نقول أنه لا يوجد تواصل أجيال في الصحافة السودانية..؟؟
- فعلاً.. الصحافة السودانية عانت ومازالت تعاني من عدم تواصل الأجيال لأن المسار المهني للصحفي ينقطع من دون إرادته.. لذلك أنت اليوم في الوطن العربي تجد عشرات الصحفيين السودانيين شغالين بره.. فهؤلاء الصحافيين كانوا هنا في السودان لكن انقطعت مسيرتهم بسبب إغلاق الصحف الذي تمارسه الأنظمة المختلفة.
لهذا تجد هنالك أجيالا من الصحافيين لا تعرف أجيالا أخرى..؟؟
- ليس هذا فحسب بل لم تجد هذه الأجيال الفرصة لتستفيد من الأجيال الأقدم منها والأكثر خبرة.. فالصحفي الذي يدخل الصحيفة جديد يجد زميله الأعلى منه فيتعلم منه ثم يصعد للصحفي الأعلى منه أو الأقدم وهكذا حتى يصل إلى رئيس التحرير ليتعلم منه لكن حينما يكون كل شهر لديك ناس يخرجوا خارج السودان.. وصحف تنهار وصحافييها يتعطلوا.. وصحف موقفها المالي يضعف فلا تستطيع أن تدفع ماهية صحافييها.. وصحف ممنوعة من الكتابة في أشياء وبالتالي لا يعطيك الفرصة لتجد نفسك وتغطي الأشياء بالطريقة التي تريدها.. وعليه ستترك المهنة أو تجلس فيها على الهامش، ولا تعطيها اللي أنت تريد أن تعطيها له لأنك لا تستطيع.. وكذلك لا تجد تواصلا مع أجيال تكتسب منها خبرة.. أنت توضع في موقف ضعيف جداً، ولذلك ما يفعله الصحافيون الآن من أعمال صحفية هو معجزة لأنهم استطاعوا أن يفعلوه تحت هذه الظروف.. لكن هذا كله لا يجعلنا نبني كتلة قوية ومتماسكة.. الإنسان الذي يتعلم الصحافة تحت عهد يحاصر الحريات لا يخرج صحفياً مكتملاً لأنه لا يعرف.. وإذا فجأة أعطيته حرية كاملة لا يعرف ماذا يفعل بها..
معقولة..؟؟
- هو إما خاف.. بالخوف الموروث من أيامه الأولى ومشى تحت الحيطة.. أو افتكرها خطا لا قيد له وانطلق قال (الكويس والبطال) وتجاوز كل القوانين والأعراف.. لا عرف مقدارها ولا عرف يضبطها ولا تمرن عليها.. هذه تضعه في موقف ضعيف.. ولذلك أنا أفتكر أنه الواقع الصحفي محتاج أن يدرب ويعيد تدريب الصحافيين إذا ما توفرت الظروف الصحيحة.. الظروف المهنية.. وحرية التعبير.. والظروف الاقتصادية، حتى تخلق جيلا قادرا على أن يتعامل مع الحرية بحدودها وحرياتها.. وقادرا أن يعطي المهنة أفضل ما عنده.. وهنا تبدأ مؤسسية الصحافة.. وقبلها لا تبدأ هذه المؤسسية.
الشيء الملاحظ في الصحافة السودانية.. وإمكن لعشر سنوات للوراء ظهرت (صحافة الكُتاب) وليست صحافة الصحافيين المهنيين (المحررين).. فاليوم أصبح كاتب العمود هو صاحب الحظوة في الجريدة.. ويكون هو أساساً ليس بصحفي.. يكون دخل الصحافة وهو أساساً له مهنة أخرى.. وعلاقته بالصحافة أنه كاتب عمود فقط.. وعمره لا اشتغل شغل ميداني.. لا ذهب غطى خبرا.. ولا حتى يفهم في أبجديات الصحافة.. وأصبح كتاب الأعمدة هؤلاء يتقاضون الأجور الأعلى.. وأصبح يقال لك أن هذه الصحيفة تبيع لأنه يكتب فيها الكاتب فلان.. فكيف تنظر إلى ذلك أستاذ محجوب محمد صالح..؟؟
- هذا نفسه من العيوب الموروثة من الأنظمة الشمولية في كل أنحاء العالم.. فحرية التعبير ليست هي حرية الصحافة فقط.. هي حرية الحزب في أنت تعمل ليلة سياسية أو لقاءات جماهيرية.. وحرية الاجتماعات العامة.. يعني التعبير يأخذ أشكالا مختلفة ويكون متوفرا لك.. لكن حينما تكون حرية التعبير محاصرة فلا تجد ليلة سياسية أو ندوة مفتوحة ناقدة أو لقاءات جماهيرية.. أولاً يكون هنالك هامش حرية.. تجد القارئ يقوم بالبحث عن كتاب يضعوا له وسط السطور كلمتين تريحانه.. وهذا يجعل الصحافة تفتح الباب في أي مجال ليس في السياسة فقط إنما في الرياضة والفن وغيره.. وكذلك لأن الحكومة تحاصر الأخبار.. وتحتكر المعلومات وتخرج من المعلومات ما تريده هي فقط.. فأنت إذا كنت تريد أن تتحدث عن الفساد تجد مشكلة.. لكن إذا كنت تريد أن (تشكر الحكومة) فلا تجد مشكلة.. ولهذا القارئ لم يعد له إحساس بالمصداقية في الأخبار فيتجه إلى الكتاب لعله يجد وسط سطور هذا الكاتب جزءا من الحقيقة.. فأصبح القارئ بذلك مثل الشخص الذي يشرب له (برميل ماء) ليجد له (حبة قمح) في قاع هذا البرميل.. ضاحكاً.. لهذا الناس امتلأت بطونها بالموية ولم يجدوا القمح حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.