تصدر صوت المرأة المصرية جمعة الاحتفال بمرور عامين على الثورة، وقادت النساء مسيرات المتظاهرين في محيط ميدان التحرير بالهتاف والخطب واللافتات، ولم تتوقف على مدار أيام الأسبوع الماضي وحتى الآن، فما كان من النظام الإخواني إلا أن دفع بمليشياته مستخدما سلاح التحرش في وجهها ومحاولة اختطافها والاعتداء عليها. شهود الميدان أكدوا أن الثائرات كن تحت المراقبة، بحيث تم التعرف عليهن ورصد تحركهن، وأن الأمر ليس عشوائيا كما يرى البعض، بل كان يحاصرن استعدادا لجرهن إلى خارج محيط الميدان. وقال أحدهم “إنهم يتصيدون الناشطات التي يتوالى وجودهن في الميدان ويتمتعن بالحماس والمشاركة الفاعلة في الهتاف”. لكن آخرين رأوا أن التحرش جاء سلاحا لفض الحضور القوي للفتيات والسيدات في الميدان على مدار أيام الأسبوع، مؤكدين أن جماعة الإخوان وأنصارها هم أول من هاجموا الفتاة التي سحلت وعريت في حزيران/ يونيو 2012 بمحيط ميدان التحرير أثناء فترة حكم المجلس العسكري، وقالوا من الذي دعاها للنزول من البيت والمشاركة في المظاهرات. وقامت مبادرات المجتمع المدني والمنظمات النسائية برصد الظاهرة وتعقبها من خلال بلاغات من الفتيات اللائي تم الاعتداء عليهن، للتأكيد على معلومات أنها منظمة ومدفوعة من جهة ما لإفساد الأجواء في التحرير، لتؤكد أن الظاهرة تستهدف النساء بصفة عامة، خاصة الناشطات السياسيات، مدللة على ذلك بأن الجمعة الماضية بمجرد دخول مسيرة نسائية من سيدات كبيرات في السن لم يسلمن من التحرش والاعتداء عليهن. وتلقت “قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسي” حسب بيان لها عما جرى في الذكرى الثانية ل 25 كانون الثاني/ يناير جاء فيه “أن تسعة عشر بلاغاً بخصوص اعتداءات جنسية جماعية في محيط ميدان التحرير وصل بعضها إلى محاولات قتل أو تسبب في عاهات مستديمة، وقامت المجموعة بالتدخل في خمسة عشر حالة منهم، لإخراج السيدات من دوائر الاعتداءات وإيصالهن لأماكن آمنة أو لمستشفيات لتلقي الخدمة الطبية اللازمة”. وأكد مركز “سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز” تلقيه ما يزيد عن 23 حالة اغتصاب جماعي، شهدها ميدان التحرير خلال الذكرى الثانية للثورة. وأصدر ما يزيد عن 45 حركة وحزباً ومنظمة حقوقية وأكثر من 100 شخصية عامة بيانا أكد “أفادت عدد من الناجيات من الاعتداء بأن تلك العصابات شديدة التنظيم، ويبدو مظهرها العام بأنها ليست من الاشقياء الذين يتحرشون بالنساء “التحرشات العابرة” بل أنهم منظمون ومدربون بشكل واضح على المهمة المنوطة بهم، ومثال ذلك ما حدث يوم الجمعة 25 كانون الثاني/ يناير، حيث أحاط عدد من تلك الميليشيات بالمتظاهرات في ميدان طلعت حرب، ثم تم عمل طوق حولهن يضيق تدريجياً حتى تم عزلهن عن رجال الأزهر الذين كانوا شركاء يتصدرون التظاهرة، وعلى مدخل ميدان التحرير بدأت تلك الميليشيات تنقسم لمجموعات كل مجموعة تحيط بامرأة وتلتف حولها وتبعدها إلى طرف من أطراف الميدان ثم تبدأ عشرات الأيادي بالعبث فى كل جزء من جسدها، وتهديد بعضهن باستخدام الأسلحة البيضاء واستخدام العنف الجسماني مع أخريات. وأوضحت انتصار السعيد، مدير مركز القاهرة للتنمية، أن ما يتم في ميدان التحرير وميادين مصر كلها هو تحرش ممنهج، يهدف إلى تخويف البنات وإقصائهن من المشاركة في المظاهرات. وقالت السعيد “شهادات الفتيات اللائى تعرضن للاعتداء الجنسي تؤكد أن المتحرشين مجموعات محترفة، تقوم بنفس الخطوات مع كل فتاة من خلال التجمهر حولها، والإصرار على تجريدها من ملابسها، وإذا حاولت الاستغاثة بشخص في المكان تتفاجأ أنه معهم”. وأشارت مدير مركز القاهرة للتنمية إلى أنها لا تعرف إذا كان خلف هذه الظاهرة النظام السياسي أم بلطجية وزارة الداخلية، لكن المؤكد أنه يستهدف ترويع الفتيات وإقصاءهن من المشاركة. وأكدت الناشطة والإعلامية جميلة إسماعيل، أن ظاهرة التحرش الجماعي في ميدان التحرير هي أداة سياسية وسلاح لترهيب الفتيات والسيدات المشاركات في المظاهرة، لا تقل عن استخدام الغازات المسيلة للدموع وإطلاق النار على المتظاهرين. وقالت إسماعيل “إن هذه الظاهرة يقوم بها جماعات منظمة، بدليل ظهورها عقب كل مليونية”. وقالت الناشطة الحقوقية رندا بلال أن الأعداد التي سجلتها منظمات المجتمع المدني والحقوقي من خلال الاتصالات التي وصلتها، لا ترقى لمستوى الأعداد الحقيقية، حيث أن المجتمع المصري مجتمع محافظ، يرى من العار عليه أن يكشف عما ارتكب من جريمة ضد نسائه. التحرش له مفعول الاطلاقة ولفتت إلى أن الإخوان المسلمين وأنصارهم من تيارات الإسلام السياسي تدرك ذلك، وأن إدراكها جعلها تلجأ لهذا السلاح “القذر” لضرب القوى النسائية، خاصة أنها تعمل منذ انطلاق الثورة بشكل لافت ومبهر، وتقف ضد اهدار مكتسباتها وحقوقها التي حصلت عليها بكفاح مرير عبر فترة تاريخية تصل لمائة عام. وأكدت أن سلاح التحرشي الإخواني لن يؤتي بثماره، والدليل أن مظاهرات ميدان التحرير والاتحادية لم تخل من حضور نسائي لافت وإن كان أقل من سابقه. وأضافت “أغلب الثائرات والمتظاهرات العادية من بنات الطبقة الوسطى والعليا، لذا فإن يمتلكن الوعي بما يحاك ضد المرأة، ومن ثم يصعب ردعهن حتى بهذا السلاح القذر”. ولفتت رندا “أنه منذ عهد مبارك يستخدم هذا السلاح، ولم يأت بنتيجة، فعلى الرغم من محافظة المجتمع ومحاولات الأهالي منع بناتهن من المشاركة إلا في ظل وجود الأخ أو الأب أو أحد الأقارب، إلا الإحساس العالي لدى الفتيات المصريات خاصة بما يحاك ضد مستقبلهن ومستقبل وطنهن يجعلهن يجدن المبرر لأهلهن بالخروج، إن لدينا فتيات مقاتلات لا تخلو مظاهرة منهن، يهتفن ويخطبن ويناقشن ويتحاورن، المرأة الآن بكل صراحة أكثر وعيا ونضجا من الشباب”. وكانت المرأة المصرية قد نشطت ثائرة ومناضلة منذ انطلاق ثورة ال 25 من كانون الثاني/ يناير، وشاركت في كافة الفعاليات والتظاهرات التي ترتبط بأي حق من حقوق الوطن عامة والمرأة خاصة، وعلى مدار العامين عمر الثورة أكدت أنها شريك أصيل وفاعل في صنع مستقبل البلاد، وخلال ذلك نالها ما نال الثوار من انتهاك وقتل وسحل وتعرية واتهامات قبيحة، وسط تأييد من مجموع تيارات الإسلام السياسي، الذي تقوده جماعة الإخوان. وأدهش إصرار المرأة المصرية العالم بعد خروجها سواء في الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو الاستفتاءات التي جرت على مدار العامين، وتجلى إصرارها في المظاهرات الحاشدة التي خرجت للمطالبة ضد الدستور الإخواني، وتصاعدت قوتها بعد أن وصلت إلى قصر الاتحادية وكتبت بالخط العريض على أبواب القصر “نون النسوة حتفشخك يا مرسي”. وخلال تظاهرات قصر الاتحادية لرفض الدستور سحلت وضربت العديد من الناشطات على يد مليشيات الإخوان وأنصارها، من بينهم أمينة الفلاحين شاهندة مقلد. شاهد مقاطع الفيديو