مشاهد السحل والتعرية أمام قصر الاتحادية هي خلاصة، قد لا تكون مشاهدة من قبل على شاشات التلفزيون، لما يحدث فعلا في كل أنحاء مصر من انتهاكات ميليشيا الأخوان للمصريين. بقلم: محمد الحمامصي أخشى ما أخشاه أن تشكل فضيحة تعرية وسحل المتظاهر لتشكل نكسة وهزيمة فعلية للروح المصرية، ما لم تنقذها المعارضة وتقف موقفا صلبا إزاء الحرب الدائرة على الثورة وشبابها، وإلا فإنها ترتكب خطأ فادحا سوف يؤدي إلى انسحاب الشعب وانزوائه وجلده لذاته، وكفره بكل شيء، الأمر الذي يعني محو الهوية المصرية بكل عنفوانها الحضاري والثقافي والاقتصادي. هذا ما ترمي إليه جماعة الإخوان ودعاتها المتاجرون بالدين بكل أكاذيبهم وجرائمه وأخلاقياتهم اللاانسانية، لتقوم بهدم الثورة وفتح الطريق أمام دولة الذل والإذلال، دولة تعري وتجلد وتسحل وتقتل وتذبح في الشوارع دون رادع من قانون أو أخلاق، وكل ذلك باسم الدين. حذرت أكثر من مرة منذ انطلاق الثورة الثانية المسئولين في المنصة الوحيدة المقامة في ميدان التحرير من أن مليشيات الإخوان التي تعمل تحت إمرة وزارة الداخلية، متواجدة بكثافة داخل الميدان وأن بعضها ثابت يحاول ضرب أفكار الثوار وعمل غسيل مخ لهم وتخويفهم، وبعضها متحرك على الدراجات النارية، وبعضها يقف إلى جوار قوات الأمن المركزي في مناطق الاشتباك، وجميعهم مسلحون. لكن أحدا لم يستمع للتحذير، فوقعت محاولات لاختطاف الفتيات واغتصابهن، ووقعت محاولات شجار مع الباعة، وألقي القبض على الكثير من الشباب وتم تسليمهم للشرطة بعد سحلهم. لقد كنت شاهد عيان على الكثير من الاشتباكات التي وقعت في محيط ميدان التحرير، وأستطيع أن أؤكد أن ميليشيات الإخوان ومخبري وزارة الداخلية تلعبان دورا في كل مسارات العنف. تشعلان العنف وتدفعان إليه، ثم تنسحبان بعد ذلك لتدخلا في خطوط قوات الأمن كما حدث على كوبري قصر النيل وأمام فندقي سميراميس وشبرد، ليبقى المتظاهرين السلميين في مواجهة الرصاص والقنابل والهراوات والحجارة. إذن فإن ما جرى بين ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية، وكانت ذروته تعرية وسحل مواطن مصري من قبل قوات الأمن المركزي، كان مرتبا حدوثه بالتوافق مع وزارة الداخلية ومليشيات الإخوان. افتعال محاولات الاقتحام والحرق، وإعطاء ذريعة ضرب وقمع المتظاهرين السلميين بأقصى درجات العنف، وذلك لإحداث انكسار ونكسة وهزيمة في الروح المصرية لترويعها وإذلالها، حتى تستسلم وترضخ وتتوقف عن التعاطف أو المشاركة في أي فعالية ضد نظام جماعة الإخوان. ما جرى أمام قصر الاتحادية يحدث يوميا في الدائرة المحيطة بميدان التحرير سواء في كوبري قصر النيل أو قصر العيني أو محيط السفارتين البريطانية والأميركية أو شارع يوسف الجندي. لكن ضيق الشوارع والمداخل لا يسمح للكاميرات التليفزيونية رصد ما جرى ويجري، خاصة في ظل كثافة إطلاق القنابل الغاز الخانق والمسيل للدموع. في حين أن اتساع محيط الاتحادية سمح بذلك فكان تسجيل وبث فضيحة سحل وتعرية المتظاهر المصري، ليرى العالم وحشية وعدم أخلاقية النظام الإخواني. ما يحدث في القاهرة ليس بعيدا عما يحدث في كل المحافظات المصرية، فهناك جرائم أسوأ مما يجري في القاهرة، ترتكب ضد المتظاهرين في كفر الشيخ والدقهلية والمنيا وبني سويف وأسيوط والإسكندرية وغيرها، وهناك آلاف المصابين ومئات المعتقلين وعشرات القتلى، وسوف يتكشف ذلك حين تصل إلى وسائل الإعلام مقاطع الفيديو والصور التي يلتقطها الناشطون والأهالي هناك. على أية حال كشف النظام الإخواني على مدار الأسبوع الأول من الثورة الثانية أنه ينهار، إن لم يكن إنهار بالفعل، وبدت عليه مؤشرات الخوف والهلع والفزع، وأن الانقضاض عليه وإسقاطه رهنا بقوة المعارضة الوطنية، لكن هذه المعارضة جاءت ردود فعلها خائبة لا ترقى لمستوى الغضب الذي يسري في عروق الشعب الثائر. إن قمع النظام الإخواني وضعف وتردي المعارضة الوطنية، دفع الجميع ممن يتحركون على الأرض في غيبة قائد موجه، إلى أن يؤمنوا بأن العنف هو الوسيلة الوحيدة الباقية لإسقاط هذا النظام. فعندما تواجه كل المظاهرات السلمية بالغاز الخانق والرصاص الخرطوش وأحيانا الرصاص الحي، بأوامر مباشرة من النظام، فلا بديل عن العنف، وهذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة يوما بعد الآخر. العنف بدأ ولن يتراجع بفضل التغذية المستمرة له من قبل تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير داخليته وقيادات مكتب الإرشاد وأتباعه، والتي لم تفتأ تؤكد عليه وتدعمه وتسانده أولا بشكر قوات الأمن وثانيا بتسليحها وثالثا بتشجيعها. كل ذلك مرصودة ومقروءة، وانعكاساته تصل مباشرة إلى المتظاهرين. الآن هناك مؤشرات تنبئ عنها الحوارات الدائرة ترى أهمية مقاومة العنف بالعنف والدم بالدم، والبحث عن أدوات أكثر فاعلية لمقاومة النظام، وذلك من خلال التسلح بما هو متاح أو يمكن أن يتاح، خاصة بعد التأكد من أن "البلاك بلوك" ما هم إلا مجموعة من الشباب والأطفال صغار السن لا يملكون قدرة على الدفاع أو المقاومة. ويبدو أن هذه الأفكار ليست خاصة بشباب ميدان التحرير ولكن أيضا يتبادلها شباب الكثير من المحافظات المصرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتويتر وتعليقاتهم على ما تبثه المواقع الإخبارية، الأمر الذي يحمل مؤشرات الحرب الأهلية، وأن هذه الحرب لن تكون مقصورة على موقع دون الآخر على مستوى الجمهورية. محمد الحمامصي