وجه عبد الفتاح مورو القيادي في حركة النهضة الإسلامية في تونس انتقادات لاذعة لرئيس الحركة راشد الغنوشي مؤكدا أنه يسير الحركة كما لو كانت شأنا عائليا، وذلك بينما يلوح رئيس الوزراء حمادي الجبالي بتقديم استقالته السبت إذا لم تنجح جهوده في تشكيل حكومة من التكنوقراط دعا إلى تشكيلها بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد. وطالب نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة الشيخ عبد الفتاح مورو رئيس الغنوشي ب”مغادرة النهضة” من أجل “إرساء السلم الاجتماعي” بين التونسيين متهما إياه بجر البلاد نحو “الهاوية” نتيجة مواقفه المتشددة التي قسمت “المجتمع المتسامح إلى إسلاميين وعلمانيين”. وشدد مورو في حوار نشرته الصحيفة الفرنسية “ماريان” الجمعة على “أنه يجب على راشد الغنوشي أن يغادر الحركة ليسمح بإرساء السلم الاجتماعي في تونس” بعد أن تحول إلى “عقبة” أمام التعايش بين التونسيين بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية ومرجعياتهم الفكرية. واتهم راشد الغنوشي ومؤيديه ب”قيادة البلاد إلى الهاوية” بعد أن رفض مبادرة رئيس الحكومة والأمين العام للنهضة حمادي الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة، وأمعن في إصراره على أن “تحتكر النهضة إدارة عملية الانتقال الديمقراطي” في الوقت الذي يجمع فيه الفاعلون السياسيون على أن إدارة المرحلة تستوجب مشاركة مختلف القوى الوطنية والديمقراطية. ويعتبر الشيخ عبد الفتاح مورور الذي أسس معية الغنوشي عام 1981 حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة حاليا) أبرز القيادات اللبيرالية في حركة النهضة التي تدعو إلى الانفتاح على مختلف القوى الوطنية والديمقراطية. وبرأي مورو، فإن “المجتمع التونسي متعدد اجتماعيا وسياسيا تحكمه قيم التعايش والتضامن ويرفض التعصب الديني والعنف السياسي” وهو ما يستوجب من حركة النهضة “مراجعة منظومتها الفكرية السياسية لتنفتح على التيارات اللبيرالية في البلاد وتنأى بنفسها عن عقلية الإقصاء”. غير أن مواقف مورو اللبيرالية كثيرا ما تتعرض إلى معارضة قوية من راشد الغنوشي ذي العقيدة السلفية الذي لا يرى في المعارضة سوى “قوى علمانية” معادية للإسلام وما عليها إلا “الرحيل من تونس”. وقال مورو”قبل أيام سألت راشد الغنوشي إذا كان يستطيع الجولان في تونس دون خوف فأجاب: “لا أستطيع لأني أخاف من الناس”. وأضاف “سألته: كيف تفسر مطاردة الشعب التونسي لك؟ فلم يجبني”. مورو: أدين مرونة تسمح باستقواء العنف وقال مورو “إننى أستنكر ما قام به النائب البرلماني من النهضة حبيب اللوز الذي دعا إلى رحيل العلمانيين” خلال المظاهرة أمام السفارة الفرنسية في تونس، “فتونس هي للعلمانيين كذلك وأن تكون في السلطة يفرض عليك أن تتصرف كرب أسرة”. ويتساءل التونسيون عن سبب “اختفاء” راشد الغنوشي عن الأنظار منذ اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد الأسبوع الماضي حتى أن القنوات التلفزيونية عجزت عن الاتصال به للمشاركة في منابر الحوار. وكانت أحزاب اليسار اتهمت صراحة راشد الغنوشي بالوقوف وراء اغتيال بلعيد الذي كان يعتبر العدو الشرس لرئيس النهضة خاصة ولجماعات الإسلام السياسي عامة باعتبارها “قوى ظلامية تريد أن تعود بتونس إلى القرون الوسطى”. وأوضح مورو أن “الشعب التونسي لم يعد يرغب في حركة النهضة وان نسيان الأخطاء التي ارتكبتها يتطلب الكثير من الوقت”، مشيرا إلى أن “مكان الحركة في المعارضة وستبقى فيه لمدة 20 سنة”، في تلميح إلى أنها فشلت فشلا ذريعا في الحكم وفي كسب تأييد التونسيين. وقال عبد الفتاح مورو “إنه لا يكفي أن تكون مسلما لكي تقود الشعب بل يجب أن تحب الشعب وتدرك رغباته وتطلعاته”، مشيرا إلى أنه كان وراء اقتراح الجبالي بتشكيل الحكومة التكنوقراطية وأن على راشد الغنوشي التنحي حتى يمكن إقامة السلم الاجتماعي في تونس. وأضاف مورو في تصريح للمجلة الفرنسية أن “السلفيين قاموا بالاعتداء علي، وأن النهضة لم تدافع عني.. إنني أدين هذه المرونة التي تسمح باستقواء العنف في تونس”. وعبّر مورو عن استنكاره لما يتم القيام به داخل حركة النهضة، التي قال إنه يعتبرها من نتاجه وعمله، وأنه كان يدعو منذ البداية إلى اعتماد روح الإسلام، “لأن الإسلام دون حضارة ودون تقدم ليس إسلاما”. وانتقد مورو الرجل الأول في النهضة معتبرا أن ثقافته والمحيطين به هي ثقافة أحادية في بلد يميزه التعدد الثقافي ويعتبر حصيلة 25 حضارة مرت في تاريخه، معلنا “إننا لم نقم بالثورة لكي نمنحها للسلفيين واليساريين المتطرفين”. وتأتي تصريحات مورو خلال هذه الأيام لتؤكد أن التيار اللبيرالي داخل النهضة ضاق ذرعا بسطوة الغنوشي، واختار الانتفاض ضده على تحمل المزيد من الصمت تجاه مواقفه التي زجت بالبلاد في أزمة سياسية عمقت عزلة النهضة سياسيا وشعبيا. وحمل مورو راشد الغنوشي مسؤولية تراجع شعبية النهضة وسخط التونسيين عليها حتى أن مكاتبها في مختلف جهات البلاد تعرضت خلال الفترة الأخيرة للحرق من قبل مواطنين غاضبين. وأكد أنه طلب من راشد الغنوشي عقد مؤتمر استثنائي للنهضة لتغيير القيادة التي تقود الحزب وتونس إلى الكارثة لكنه رفض، مشيرا إلى أن الغنوشي حوّل النهضة إلى مسألة عائلية، وأنه يحيط نفسه بعدد من الناس ليسوا منفتحين على الواقع والحداثة وهو ما يعتبر كارثة. وقال مورو إنه يأمل في ظهور جيل جديد في الحركة الإسلامية يمكن أن يجمع بين الإسلام والحداثة، لأن المشكل في تونس ليس بين الإسلام والعلمانية وأن الحل في الحداثة، “فهل في استطاعتنا الجمع بين الإسلام والديمقراطية”؟ ويقول المتابعون للشأن التونسي إن حركة النهضة على قاب قوسين أو أدنى من الانشقاق إلى تيارين، الأول سلفي متشدد يقوده رئيس الحركة راشد الغنوشي، والثاني لبيرالي منفتح يقوده الأمين العام للحركة حمادي الجبالي. ولا يستبعد المراقبون أن يقود انشقاق الحركة حمادي الجبالي إلى تأسيس حزب إسلامي لبيرالي خلال الأشهر القادمة، ملاحظين أن الرجل الذي عاش تجربة الحكم وخبر إدارة مؤسسات الدولة فقد ثقته في مصداقية راشد الغنوشي وأنصاره في إدارة الشأن العام بعقلية ديمقراطية.