سؤال للأخ ياسر عرمان ولباقي قيادات العمل المعارض.. بعد غيبة دامت سنوات عديدة التقيت بالأخ والصديق ياسر عرمان، الأمين العام للحركة الشعبية شمال ومسؤول العلاقات الخارجية بالجبهة الثورية ابان زيارته للولايات المتحدة، وقد نظمت له الجمعية السودانية الأمريكية بمدينة مونتري بالتعاون مع منبر السودان الديقراطي بكاليفورنيا ندوة تحدث فيها عن الوضع السياسي الراهن وتطرق إلى وثيقة الفجر الجديد التي تم التوقيع عليها مؤخراً بين مكونات قوى الإجماع الوطني ومكونات الجبهة الثورية. أجاد الأخ ياسر في طرح وجهة نظره وكانت الندوة ناجحة بكل المقاييس وأمها جمهور غفير من السودانيين في المنطقة. سألت الأخ ياسر رأيه في وجود المؤتمر الشعبي داخل منظومة قوى الإجماع الوطني وقلت له بأن الدكتور الترابي لا زال يستهين ويستخف بالشعب السوداني ويزدريه وضربت له مثلاً بما قاله للأستاذ الحاج وراق في قطر “إنت واحد شيوعي علماني” ولم يكلف نفسه عناء الرد على الأستاذ وراق الذي انتقد تجربة الإنقاذ بكل علمية وموضوعية. كما ذكرت له بأن الترابي هو مفكر ومنظر النظام وهو الذي وضع استراتيجيات التمكين من قمع، وبيوت أشباح، وإفلاس للرأسمالية الوطنية، وتشريد وإضعاف للأحزاب والنقابات ولذلك فان وجوده في صفوف المعارضة يفقدها المصداقية أمام الشعب السوداني وسيعيق عملها. وقد رد الأخ ياسر بأن هذا الموضوع معقد وشائك ويحتاج لنقاش طويل وقد رأيت كتابة هذا المقال كبداية لهذا الحوار. للأسف لم يكن لرد الأخ ياسر علاقة بما قلته، بل يُعد حسب ما تقول الفرنجة an insult to my intelligence فملخص ما قاله أن للترابي مؤيدين وأتباع يمثلون تياراً لا يمكن اقصاؤه. وحكى قصةً: كيف أن الدكتور جون قرنق قد أجاب على سؤال لأحد المسؤولين الأمريكيين بأنهم لن يعزلوا ولن يدعوا إلى إقصاء التيار الإسلامي بعد إسقاط النظام. ولا أظن أن الأخ ياسر قد فات عليه أنني لم أقل ولم أطالب بعزل وإقصاء الترابي وجماعته أو غيرهم من الحياة السياسية في السودان ولكني قلت وأصر على قولي بأن وجود الترابي ومؤتمره الشعبي وسط قوى الإجماع الوطني سيهزم مشروع هذه القوى الوطنية الديمقراطية التي تسعى لإسقاط النظام وإحداث تغيير حقيقي يعيد هيكلة الدولة بوضع حد لمركزية الدولة وهيمنتها على الأقاليم وبصورة تحقق العدالة وتضمن المساواة التامة بين جميع السودانيين على أساس المواطنة دون أدنى تمييز بسبب الدين أو العرق أو الثقافة أوالجنس. كما تضمن لا مركزية الدولة في نظام فدرالي حقيقي تتمتع فيه الأقاليم بأقصى درجات الاستقلالية في ادارة شؤونها بنفسها. وقد آن الأوان لكي نتعلم من التاريخ ونتخلى عن ازدراءه كما يقول الدكتور حيدر إبراهيم، فتاريخنا القريب جداً يقول بأن مولانا الميرغني الذي ترأس التجمع الوطني الديمقراطي هو من هزم مشروع السودان الجديد برفضه المضي قدماً في العمل العسكري في الحدود الشرقية ثم امتناعه عن الحضور مع د. جون قرنق إلى أمريكا لإقناع الأمريكيين المتشككين أصلاً في جدية التجمع الوطني الديمقراطي وصلاحيته كبديل مقنع ومقبول. وما حدث نتيجة لذلك أصبح معروفاً، فقد تأكد للأمريكيين أن التجمع ليس بالبديل المقنع الذي يمكن أن يوقف الحرب ويحقق السلام والاستقرار في السودان وبذلك غلب خيار البحث عن حل عن طريق اتفاقية ثنائية بين النظام والحركة الشعبية يقوم على أساس دولة واحدة ونظامين وهو ما أدى للانفصال في نهاية المطاف. لماذا نريد تكرار التجربة ليلعب الترابي الدور الذي لعبه مولانا الميرغني. فالترابي حتماً سيهزم مشروع قوى التغيير الوطنية الديمقراطية وعلى رأسها الجبهة الثورية. ألم يرفض الترابي وحزبه التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية خلال العهد الديمقراطي؟ ألم يرفض الترابي مبادرة السلام السودانية ؟ ألم يكن الترابي هو المسؤول الأول والأخير عن مجيء ألانقلاب ومن الذي وضع استراتيجية التمكين كما أسلفنا. وحده الترابي هو المسؤول عن هذه الاستراتيجيات وما البشير ونافع وقطبي والجاز وغيرهم إلا أدوات تنفيذ. فالترابي كان الآمر والناهي خلال العشر سنوات الأولى. وحتى الآن لم ينتقد الترابي نفسه، ولم ينتقد مشروعه الحضاري، ولم يصرح بالخطأ في القيام بالانقلاب ولم يدن ماضيه؛ وحتى الآن يرفض الاعتذار المُعبِّر عن صحوة ضمير ونقدٍ للذات للشعب السوداني عن وأد الديمقراطية وعن والجرائم التي ارتكبت خلال وجوده على رأس النظام. الترابي لا يزال يزدري الشعب السوداني ويستهين به وما زال يستخف بعقول قياداتنا ومثقفينا. ووجوده في صفوف المعارضة ليس بهدف التغيير وإنما لتخدير قوى الإجماع واستخدامها لوراثة الحكم من حوارييه الذين أكلوا أباهم. فإن كانت الثورات تأكل بنيها فإن الإنقاذ قد أكلت أباها. التحالف مع الترابي لا يستقيم عقلاً، فالترابي لم ولن يتخلَ عن مشروعه لإقامة دولة دينية في السودان وهو يرى أنه قد نجح في مخططه بتثبيت الشريعة وفصل الجنوب وأسلمة المجتمع وكل ما تبقى هو إزاحة حوارييه وأخذ مكانهم في السلطة. وإصراره على دولة ذات مرجعية إسلامية يتناقض مع قوله بقبول الدولة المدنية لأن مفهوم الدولة المدنية والمرجعية الإسلامية مفهومان متضادان لا يمكن أن يلتقيا أبداً. للإخوة في الجبهة الثورية وقوى الإجماع أقول بأن من يرفع شعارات مثل التحرير وإعادة هيكلة الدولة السودانية والسودان الجديد لا يليق به التحالف مع الترابي وحزبه. فهؤلاء القوم مهما تشدقوا بالديمقراطية، ومهما بالغوا في الحديث من التعلم من خطأ الانقلاب والقبول بالدولة المدنية فإن ذلك لا يمنعهم من فعل عكس ما يقولون. وفي رأيي لا يمكن الاتفاق مع الترابي دون المساس بالمبادئ والأهداف التي تسعى المعارضة لتحقيقها. طالعوا بيان طلاب الشعبي رداً على وثيقة الفجر الجديد، طالعوا أيضاً تصريحات القيادي بالمؤتمر الشعبي ابراهيم السنوسي للسوداني في 20 فبراير التي قال فيها ” لن نوافق على دولة مدنية علمانية ونعلن التبرؤ من الشخص الذي وقع على وثيقة الفجر الجديد”. في الختام أرجو أن يفي الأخ ياسر بوعده في الندوة ليستمر الحوار من أجل الوصول إلى معارضة ذات مصداقية تنال ثقة الشعب ورضاه؛ فوقتها فقط يمكن أن تخرج الجماهير لإحداث التغيير المنشود. فوجود الترابي وجماعته يعيق عمل المعارضة ولا يساعدها وهاتوا دليلاً واحداً على مساهمة لهذا الترابي منذ انضمامه لقوى الإجماع الوطني في العمل المعارض فهم يضنون حتى بالمعلومات وكل شيء عندهم “خلوها مستورة”. والله من وراء القصد.