نسأل الله أن يرحم من مات جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخرا كما نسأله تعالى أن ينقذ من هم تحت الأنقاض، فالأمل ما زال معقودا أن يتم إنقاذهم، فبعد كل هذه الأيام من حدوث الزلزال، فما زالت فرق الإنقاذ تنتشل الناس من تحت الأنقاض. فهل من عبرة من هذا الزلزال؟ يقول الله تعالى 《ففروا إلى الله إني لكم نذير مبين》 سورة الذاريات آية رقم (50) حيث تتجلى هذه الحقيقة الإلهية. فما أعظم مخاطبة الله تعالى جل في علاه: ففروا إلى الله... كيف نفر إلى الله؟ نفر إليه بكثرة الأرصدة في البنوك العالمية؟ نفر إليه بالتأمين العقاري؟ نفر إليه بتوفير التعليم العالمي لأبنائنا؟ كلا. فها هو ذا أردوغان رئيس تركيا يقف عاجزا لا يملك سوى أن يعزي المفقودين. لم يستطع أن ينقذ شخصا واحدا كتب الله له أن يموت في هذا الزلزال. الكثير والسواد الأعظم من السودانيين يعتقد أنه لم يفر أحد من السودان إلى تركيا بعد سقوط الإنقاذ إلا لضيق يده. إلا لعدم استطاعته. إلا لعجزه المادي. الذين فروا إلى تركيا تاركين السودان وراءهم ببؤسه المعيشي والخدمي والسياسي يعتقدون أن من تخلف منهم وجلس في السودان يواجه نتيجة سقوط النظام البائد ما منعه من الذهاب معهم إلا ضيق يده. أما هم ففروا بدينهم وأموالهم إلى تركيا. وإلا فمن الذي يسكنهم وينفق إليهم في تركيا؟ الحرب عندنا في السودان بعد سقوط الإنقاذ ليست حرب قتال وإنما هي حرب قيم. حرب أفكار. حرب معتقدات. حرب نظم سياسية. منها ما هو مصنوع من الكرتون. ومنها ما لا وجود له من الأساس مجرد هرطقات. ومنها ما هو راسخ رسوخ الجبال لا أحد يستطيع أن يزعزعه كما أن من يشارك في ثباته وقوته يثبت ويقوي نفسه. الوضع الماثل اليوم في السودان لا يستدعي الفرار. لا يفر من السودان اليوم إلا مجرم. أما صاحب العقيدة فسوف يجلس في السودان هذه الأيام من اي يوم مضى لا يفارقه، فإن كانت العقيدة في السابق تحتاج إلى حماة، فاليوم حوجتها لحماية لا يقل عن الأمس. فالأولى الجلوس في السودان بل العودة إليه. ما الذي يجعل أصحاب العقيدة والدين أن يفروا من السودان؟ هل بسبب اتهامهم بالباطل بأنهم سرقوا ونهبوا السودان؟ فهل هذا الاتهام يقابل بالفرار من السودان؟ فإن كان هذا الاتهام باطلا فليواجهوه ولو بالجلوس في السجون بلا محاكمة. ليثبتوا أنهم على حق، وأنهم على معتقدهم ومبادئهم. فليست السجون بغالية على إثبات الحق. وإن هم أجرموا فعلا في حق الشعوب فليواجهوا خطأهم لا يفرون منه. الفرار من السودان بعد سقوط النظام البائد يعني حالتين كل واحدة أسوأ من الأخرى: الحالة الأولى: أن من فر من السودان بوضعه الحالي لا يحمل أي قضية سواء دينية أو سياسية، فالصراع في السودان اليوم صراع معتقدات ونظم سياسية مما يعني المكوث لا الفرار. الحالة الثانية: أن من فر من السودان بوضعه الحالي سارق لحق مسروقه أو أنه هارب من المحاكمة. إن (فروا إلى الله) لا تعني فقط الفرار إلى الله بل تعني ألا نفر إلى غيره ألا نلجأ إلى غيره. لن يفيدنا الفرار إلى غيره في شيء. فهو الوحيد من ينقذ. فهو الوحيد من ينفع الفرار إليه. نفر إلى الله بإعطاء الحقوق لأهلها. نفر إلى الله بالاعتراف بالذنب ولو مع أنفسنا. نفر إلى الله بأن نطمئن باللجوء إليه هو، فهو موجود في كل مكان. لا نفر باللجوء لغيره. من لم يغيبه زلزال تركيا، فقد منحه الله الفرصة فليفر إليه، فليحمد الله على هذه الفسحة، وليستغلها قبل فوات الأوان.