لغة الصحافة تسمح لها بما لا تسمح به لغيرها، فصياغة الخبر الصحفى تسمح له بالتحرّر من طريقة المبتدأ والخبر، وكتابة المقال الصحفى أيضا تسمح للصحفى باستخدام مفردات وتركيبات لا يسمح بها المقال الأدبى ولا المقال المُؤدّب للأديب! الكاتب الاستاذ أحمد شاموق يذكر فى كتابه الأشهر (الثورة الظافرة) عن ثورة اكتوبر، أنّه فى احدى سنوات نظام نوفمبر الستة خرجت صحيفة بخبر: انقلاب (17) مقطورة على خط سكّة حديد هيا /بورتسودان، الخبر كان صحيحا وإنْ كان القطار قطار بضاعة لا رُكّاب فيه، لكنْ كانت الصحيفة وقتذاك تناطح بذكاء انقلاب (17) نوفمبر، وهو ذكاء لا يتعدّى فى درجته ذكاء الفريق ابراهيم عبود ورجاله! تذكّرت ذلك حين قرأت خبراً ورد فى صحيفة من صحف أمس بأنّ مولانا محمّد بشارة دوسة وزير العدل طارَ إلى جنيف، مع إنّ الذى طارَ هى طائرة الوزير وليس الوزير، فالوزير كان جالساً على مقعده فى الكابينة، وهى صياغة للخبر تدخل من باب المسموح به للصحفيين وليس مسموحاً به لغيرهم... والصياغة ربّما جاءت على هذا النحو لأنّ بعض الصحفيين بدأت تُظهر عندهم نحو مولانا مشاعر غير عدائيّة لكنّها مُلتهبة! ولطالما نحن فى المجال الجوّى، فليسمح لى أعضاء نادى الصحافة بشكر الله لنجاة الدكتور عبدالحليم المتعافى وزير الزراعة وآخرين من موت رآه حارسه بعينيه فأطلقَ عياره النارى على زجاج النافذة لينفذ منها وزيره... ورغم العيار النارى الصاخب فإنّ الموت والحياة بيد الله يعطى هذه وتلك لمن يشاء وفق جدولٍ زمنى لا يعلمه إلا هو! يتساءل كثيرون عمّا بين المتعافى والصحافة، هى قطعاً كيمياء استثنائيّة، فالدكتور يتحدّث مع الصحافة باللغة التى يظنّها اللغة الأنسب فى الحديث معها، لذلك تلاحقه الصحافة حتى ابتسامته الطبيعيّة التى لم تفارقه حتى بعد أنْ أطلق حارسه الرصاص على النافذة! حمداً لله على سلامة الوزير وبعض مرافقيه... وللصحفيين انتظار نتائج التحقيق الذى (طارَ) من أجله الصندوق الأسود بنفسه إلى روسيا حتى يستيقنوا هل كان الحادث حادثاً جويّاً أم أرضيّاً!!