ابدى الدكتور الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي ثقته في عودة جنوب السودان مرة اخرى بعد انفصاله الاخير عن السودان، وقال حسبما نقلت عنه الصحف الخميس الماضي، انهم تحدثوا مع الجنوبيين حول تعرضهم الى ظلامات وظلم كبير. وقال الترابي الذي كان يخاطب حشدا طلابيا: ابلغناهم بالقول(بعد الثورة سنأتيكم سواء بسواء). ليس الترابي وحده من تراوده فكرة عودة الجنوب مرة اخرى الى رحاب السودان، فقد سبقه قبل ايام الدكتور الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية، الذي اعلن ان الجنوب سيعود مرة اخرى بعد ان يتخلص من حكم الحركة الشعبية. وعلى نحو ليس بالضيق، تراود مجموعة من كبار السياسيين فكرة ان الجنوب والشمال يمكن أن يصيرا دولة واحدة. الدوافع لهذه الفكرة التي تشبه عقيدة الرجعة عند الشيعة مختلفة بحسب موقف اي سياسي من المؤتمر الوطني او من الحركة الشعبية. ياسر عرمان ومجموعة واسعة من قوى الاجماع الوطني، يعتقدون ان سياسات المؤتمر الوطني الطاردة هي التي جعلت الجنوبيين يقدمون على الانفصال، وعليه فإن فكرة السودان الموحد ممكنة جدا، اذا تم التخلص من المؤتمر الوطني بالضربة القاضية، وعلى هذا الاساس جرى تبرير فكرة الاستمرار في محاربة الحكومة من جانب الجبهة الثورية. وربما تكون الحركة الشعبية والجبهة الثورية تمارسان فكرة الخداع المزدوج، الأولى توعز للثانية ان الجنوب يمكن ان يعود الى الشمال مرة اخرى اذا تم التخلص من الحكومة الحالية، والثانية تخدع الاولى بقدرتها على اسقاط الحكومة عسكريا اذا تلقت الدعم والمدد. بعض(الطيبين) داخل المؤتمر الوطني يعتقدون ان الجنوبيين لا رغبة لهم في الانفصال عن الشمال، ويرون ان نتيجة الاستفتاء لا تعبر عن الجنوبيين، وانما هي تعبير عن رغبة جنود الجيش الشعبي الذين تولوا حراسة صناديق الاقتراع، وربما اضطلعوا بتعبئتها لصالح الانفصال..وبناء عليه فإن الجنوب سيعود الى الشمال حتما اذا ذهبت الحركة الشعبية. خلال حكم الفريق عبود قال الترابي ان مشكلة الجنوب سببها الديكتاتورية وغياب النظام الديمقراطي، وصدق الجميع الفكرة الجديدة، ولكن ظلت مشكلة الجنوب تحلق في سماوات نظامين ديمقراطيين دون حل، وقال آخرون ان المشكلة سببها اعلان نميري تطبيق الشريعة الاسلامية، فذهب نميري ونظامه وبقيت مشكلة الجنوب كما هي. لماذا يغيب عن بال الساسة في الشمال ان الوحدة بين الشمال والجنوب غير ممكنة؟! لا لسبب، الا لأن كثيرا من الجنوبيين بل غالبهم لا يرغبون فيها، ومن يكابر في ذلك فعليه بالرجوع الى نتيجة الاستفتاء. في مقابل كل هذه الرهانات الخاسرة والاحلام الوردية لساسة الشمال، لا يحدث الجنوبيون انفسهم بامكانية العودة مرة اخرى الى السودان الذي فارقوه بعد عشرات السنوات من الحروب، وآلاف الضحايا ومثلهم من الجرحى والمعاقين.