إذا كان البعض قد ظن أن انسلاخ، وهي كلمة لا أحبذها، أو ترجّل، وهذه أحبذها كثيراً، الاستاذ فتحي شيلا عن الركب الاتحادي الديمقراطي قد كان فجيعة، فإنني أحسب، بل واعتقد جازماً، أن الفجيعة الأكبر قد انفلتت من حدث آخر. كنت قد كتبت عن تحول القناعات التي تولد وتثمر الانتماءات بمختلف ضروبها.. وتحدثت، كاتباً، عن تحول الأشخاص بين الكيانات تبعاً لتبدل تلك القناعات. ولقد شهدت الساحات، بمختلف ومتعدد أوجه أنشطتها، تحولات كبيرة منها ما هو كبير كماً، وما هو كبير نوعاً، ومنها الدراماتيكي الذي يصلح لأن يكون موضوعاً لفيلم سينمائى.. وإلا فمن كان يظن أن الاستاذ الكبير أحمد سليمان أحد أبرز علماء أكبر حزب شيوعي في افريقيا والعالم العربي، يمكن له ان يكون أحد زعماء الجبهة الاسلامية، وأحد المخططين لإنقلاب الإنقاذ الذي جاء من رحم الجبهة الإسلامية تخطيطاً وإخراجاً وبطولة. وهناك أمثال كثيرة أخرى، لكننا نقفز عابرين لها لأنها ليست موضوعنا اليوم وإن جاء ذكرها من باب التذكير أو الإحاطة. والأستاذ شيلا عرف قيادياً اتحادياً في أصعب الظروف، وقدمه الحزب الاتحادي الديمقراطي كأرفع مسؤول من الحزب في التجمع الوطني الديمقراطي بعد السيد محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب والتجمع معاً. ولقد أبلى الأستاذ شيلا بلاءً حسناً وقام بأعمال كبيرة وعظيمة على مستوى التجمع والحزب، وعانى معاناة كبيرة على المستوى الشخصي والأسرى، وقدم تضحيات كثيرة في سبيل أداء الأمانة والعمل الوطني. ونذكر للأستاذ شيلا كل ذلك لنذكِّر بأن (إنسلاخه) أو ترجُّله لم يأت من باب الأطماع الشخصية، أو الطموحات الفردية، أو في توقيت انتهازي. إذ أن شيلا قد خاض كل المعارك برجولة وشرف، ولم يثر ما آثاره الآن على حساب ما اتفق على أنه الأهم. انتهى خلاف الحكومة مع الحكومة بالتوقيع على اتفاق جدة الإطاري والقاهرة، وقد كان للأستاذ شيلا حضوره وبصمته.. وعادت وفود المقدمة ووفود المشاركة وتوالت وعود العودة المستحيلة. ثم ماذا كان بعد ذلك؟؟ أطرأ أيُّ تغيير على واقع الحزب الاتحادي الديمقراطي مثلما أصبح الحال عند كل الكيانات السياسية الأخرى؟؟ أعقد المكتب السياسي للحزب اجتماعاً واحداً في الخرطوم غير ذلك الاجتماع الديكوري الذي انعقد للبحث في شأن دارفور بصورة خجولة؟؟ يُحمد للأستاذ شيلا أنه قد اختار توقيت الترجُّل بعدما نفد صبره، وقلَّ احتماله، وتبخَّرت آماله في أن يرى انطلاقة الحزب كما تمناها... وشيلا لم يكن الأول.. فهل يكون الأخير؟؟